"1" "أقدامٌ مُضمدة بلفافاتٍ بيضاء، أصابع مفقودة؛ آثار جراح ملتئمة، وجوه مشوهة، جهدٌ إضافي يبذله هؤلاء المزارعون للاستمرار وقوفًا على الأقدام المرهقة"..هذه حال من أصابهم مرض "الجذام"، في مصر وغيرها، يعيشون منبوذين، يحيون حياة كالموت، يعيشون في غربة، يسكنهم اليأس، يحتلهم الإحباط، مات الأمل داخلهم، يترقبون النهاية، زيارة واحدة إلى مستعمرة "الجذام" بالقليوبية، تؤكد لك مأساتهم، إنها مأساة معقدة، فما أسوأ على النفس البشرية، أن تصبح منبوذة تماما من الأهل والأقارب والأحباب، ففى المستعمرة بشر أمثالنا، فهذا يسكنها منذ أكثر من نصف قرن، وهذه قررت عدم مغادرة "منفى الأحياء"، كما يطلقون على "المستعمرة"، لأنها لن تجد مأوى تقطنه، ولا قريبا يحنو عليها. مريض الجذام بالمستعمرة الذي يتقدم به السن، قد يكون عرضة لأمراض عضوية خطيرة، مثل: الفشل الكلوى، ووهن العظام، لكنه لن يجد العلاج اللازم، نزلاء السجون المتهمون في قضايا كبيرة أسعد حظا منهم، فهم يجدون العلاج والطعام، وقد يتركون محبسهم بقرارات العفو الرئاسية، أما المجذومون فقد حكمت الأقدار عليهم بالإعدام النفسى، والوصم مدى الحياة. "ناصر. ن"، أحد نزلاء المستعمرة، يختصر مأساته في كلمات قليلة: "عندما يداهمنا مرض عضوى، لا نجد له علاجا داخل المستعمرة، وحينئذ قد نضطر إلى الذهاب إلى مستشفى خارج حدود المستعمرة، فنكتشف أن المستشفى تلو الآخر يرفض استقبالنا، ما يزيد من أوجاعنا ويضاعف قهرنا". المجذومون، بحسب "ناصر"، إذا اشتد بهم المرض، لا يُنقلون في سيارات إسعاف عادية، بل ينقلون على "عربات كارو"، ف"البشر من حولنا يضيقون بنا، يفزعون منها، فما أسوأ تلك الحياة التي هي والموت سواء، بل إن في الموت راحة لم ننشدها يوما في حياتنا". "2" احتفل العالم مؤخرًا باليوم العالمى ل"الجذام"، فلا يزال العالم يبحث عن عقاقير ذات فعالية وأدوية قاهرة للمرض الملعون الموصوف ب"اللص الصبور"، و"آكل لحوم البشر"، ولا تزال منظمة الصحة العالمية تحلم بيوم لا يكون فيه مجذوم واحد. تشير التقديرات الوبائية إلى أن ما بين 10- 12 مليون شخص في العالم مصابون بمرض الجذام أو بنتائجه وتبعاته. وبحسب معطيات منظمة الصحة العالمية.. فإن نحو 91% من المصابين موجودون في بلدان شرق القارة الاسيوية، وشرق القارة الأفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية، كما لا تزال الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تشهد تسجيل حالات مصابة بالجذام، كل عام. ورغم قسوة المرض على الكبار، فإن محنة الأطفال المجذومين أشد قسوة، خاصة إذا علمنا أن بعضا منهم، يتخلى عنهم ذووهم، ويدفعون بهم إلى مستعمرة الجذام، ولا يسألون عنهم، ولا يوفرون لهم الحد الأدنى من نفقاتهم، حينئذ يصبح الطفل المصاب بالسرطان أكثر حظا، رغم مصيبته، من نظيره المجذوم، فالأول تتسابق الجهات والمؤسسات على دعمه ماديا ومعنويا، أما المجذوم الصغير، فلا أحد يسأل عنه، ولا يواسيه ولا يربت على كتفيه، ولا يظهر بجواره أمام كاميرات النفاق والشهرة لالتقاط الصور التذكارية. "3" يأمل فريق طبى، يضمّ مجموعة من العلماء الدوليين، أن تُسهم الأبحاث والدراسات حول تاريخ مرَض الجُذام، منذ الحقبة التاريخية لمصر القديمة وحتى يومنا هذا، في القضاء على هذا المرض العُضال، الذي لا يزال يتهدّد سكان الدول الفقيرة، حيث قام فريق العلماء بفحْص الحِمض النووى DNA لبقايا بشرية من بِقاعٍ مُختلفة من العالم، منها البرازيل ومدغشقر والصين وأوروبا ومصر، حيث عُثِر على مومياء، يعود عهدها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، واستطاعوا تحديد أربع سُلالات من المتفطِّرات البكتيرية، لا تختلف كثيرا فيما بينها، وكلها تتسبّب في مرض الجُذام. ومن الملاحظات التي سجّلها رئيس الفريق البحثى ستيوارت كول،، أنه لم يَر في حياته مِثل جرثومة الجُذام، التي وصفها بأنها "الكائِن الحيّ الأكثر استقرارا". ولكن " كول" قال في تصريحات صحافية: " تمّ إحراز تقدّم هائل، حيث تمّ شفاء أكثر من 12 مليون مريض"، ثم استدرك: "بَيْد أنه لا يزال هناك الكثير من المرضى ومن مسبِّبات المرض، ممّا يستدعى ضرورة استِئصال المرض والتخلّص منه نهائيا". يجزم "كول" بأن الجُذام مرض سهْل العلاج نِسبيا، لاسيما إذا تم تشخيصه مبكّرا وإذا تناول المريض العِلاج بشكل صحيح ولكامل المدّة المحددة، لكنه يتمنى في الوقت ذاته أن يتمّ التوصل إلى عَقار يعمَل بصورة أسرع، حتى يتم رفع المشقّة عن المريض وحتى لا يحتاج إلى العِناية والمتابعة مدّة طويلة، كما يأسف إلى أن مرض الجُذام ظل من الأمراض المُهملة بسبب ضعف التمويل والتركيز على غيره من الأمراض. "المعركة لم تنته بعد"، نصا من تصريحات الناطق باسم منظمة الصحة العالمية "فرانشيسكو ريو"، الذي يرى أن ما تحلم به البشرية في القضاء نهائيا على هذا المرض لا يزال بعيدا، رغم الخطوات الكبيرة التي تم قطعها في هذا المضمار، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن الميل الأخير دوما، هو الأصعب في المشوار. وأخيرا.. هل فكرنا يوما في أن نمد أيادينا للمجذومين من أبناء وطننا، نعطف عليهم نزورهم، نتحدث عنهم باهتمام، ندعمهم ماديا ومعنويا، هم، والله، بشر أمثالنا، يستحقون مثل غيرهم السؤال والاهتمام والعطف والحنان..هيا..عزيزى القارئ، ابدأ بنفسك، فكر كيف تساعدهم، كيف ترفع عنهم جانبا من مأساتهم التي تضيق بحملةا الجبال، فهل ستبدأ، أم تكتفى بمصمصة الشفاة، والدعاء الذي لن يتجاوز سقف غرفتك؟