«أساءت إليه من حيث أرادت أن تحسن».. تلك هى المقولة التى تنطبق على نتائج زيارة هيلارى كلينتون لمصر بداية الأسبوع الجارى. «كلينتون» التى قدمت إلى القاهرة لتثبيت حكم الإخوان ودعمهم فى مواجهة العسكر وضعت «مرسى» من حيث لا تدرى فى موقف لا يحسد عليه أمام مختلف القوى السياسية الرافضة للتدخل الأمريكى فى شئون مصر. الزيارة المثيرة للجدل ساهمت فى حرق الرئيس الإخوانى شعبياً وكشفت بما لا يدع مجالاً للشك العلاقات المريبة بين واشنطن ومكتب الإرشاد، وأسقطت ورقة التوت الأخيرة التى تستر عورات علاقات الإخوان بأجهزة المخابرات الغربية. ورغم أن الوزيرة الأمريكية نجحت فى مهمتها وحصلت على تعهدات إخوانية بالحفاظ على أمن إسرائيل وعدم الاقتراب من اتفاقية السلام الموقعة مع العدو الصهيونى بالإضافة إلى ضمان وقوف مصر على الحياد فى حالة توجيه ضربة لإيران إلا أنها وضعت المسمار الأخير فى نعش مرسى على المستوى الشعبى. وإذ انبرت وسائل الإعلام المتأسلمة أو المنبطحة فى الدفاع عن الزيارة وتبريرها وإبراز أهميتها فى دعم العلاقة بين البلدين،وخرست أصوات الإخوان والسلفيين، ومن هم على شاكلتهم ولم يمارسوا احتجاجاتهم على مثل هذه النوعية من الزيارات،فإن الليبراليين والبسطاء غير المؤدلجين هم الذين تظاهروا أمام مقر إقامتها بأحد فنادق وسط القاهرة، وأمطروها بوابل من الشتائم والعبارات النابية، وطالبوها بعدم التدخل فى الشأن المصرى، فى ظاهرة تكشف بقوة اختلاف مقتضيات اللعبة السياسية. «كلينتون»، التى تتعامل مع السياسة، باعتبارها «فن تطويع المستحيل»، نظرت من إحدى نوافذ جناحها بالفندق الكبير مساء السبت الماضى ،على المظاهرات المحتشدة أمامه، لتؤكد لهم أنها اعتادت على التعامل مع هذه المواقف ولا تجد حرجا فى التعاطى معها. والذى لا يختلف أكثر المراقبين التصاقا بجماعة مرسى عليه، هو أن «كلينتون» لم تشد الرحال إلى القاهرة، دعما له، بل حضرت فى المقام الأول لطمأنة إسرائيل، والتأكيد علي أن سياسة مصر تجاهها لن تنطوى على أى خرق لمعاهدة السلام وأن الكيان الصهيونى لن يتعرض لأى عدوان ممن تسميهم عناصر إرهابية عبر سيناء، فضلا عن رغبتها فى إقناع الرئيس الإخوانى بتحييد الرأى العام المصرى، لا سيما الإسلاميين، إذا ما أقدمت بلادها على أى تحرك عسكرى ضد إيران. وعلمت «فيتو» من مصادرها أن هناك زيارات مكثفة من مسؤولين رفيعي المستوى لزيارة القاهرة في الأشهر المقبلة، بمن في ذلك وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، مع احتمال عقد اجتماع مع الرئيس أوباما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم والذي قدمت كلينتون دعوة لمرسي لحضوره. لقاء كلينتون ومرسي لم يتغافل ملفات أخري، منها عدد من القضايا الحساسة المتعلقة بحقوق المرأة والأقباط ،على الرغم من رفض قيادات كنسية لقاء الوزيرة الأمريكية . أما الملف الأكثر أهمية في زيارة كلينتون فقد كان الملف الإسرائيلي ومعاهدة السلام مع اسرائيل والوضع في شبه جزيرة سيناء على الحدود بين البلدين، حيث تتخوف كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل من الهجمات عبر الحدود المصرية مما يسبب ارتفاعا في حدة التوتر بين البلدين. غير أن الإعلامى الأمريكى «جيرى لان» أكد ل«فيتو» أن الهدف من الزيارة هو تحييد مصر فيما يتعلق بموقف الولاياتالمتحدة ضد إيران إذا ما شنت الأولى عليها حربا قبل نهاية العام الجارى بحسب تسريبات يزداد تأكيدها يوما وراء يوم. فيما أكد الباحث والمحلل السياسى مجدى خليل مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات فى تصريحات خاصة ل«فيتو» من الولاياتالمتحدة أن زيارة «كلينتون» للقاهرة ليست حقوقية بل سياسية ، الهدف منها ليس دعم منظمات المجتمع المدنى أو مناقشة قضية التمويل الاجنبى كما أشيع فى الصحف المصرية بل الحقيقة هى أن الزيارة تم تقديمها شهرا كاملا لأسباب سياسية، من بينها: تمكين الاخوان من الحكم وضمان نقل السلطة بشكل فورى وهادىء إليهم. واعتبر خليل أن الإدارة الأمريكية فهمت من زيارة مرسى للسعودية أن ولاء الاخوان أصبح للسعودية وليس لايران ،خاصة أن التدخل العسكرى الأمريكى فيها وارد بقوة وان أمريكا تريد أن تكون مصر على الحياد. مؤكدا أن هذه الخطوة تؤكد استمراء جماعة الإخوان المسلمين فى عقد صفقات مع أى طرف من أجل تحقيق طموحاتها السياسية التى أصبحت بلا سقف. من جانبة شن السيناتور الأمريكي فرانك وولف عضو مجلس الشيوخ،والسياسي البارز،هجوما عنيفا على مسئولى بلاده،على خلفية ما وصفه بالدعم غير المحدود من جانبهم لجماعة الإخوان المسلمين ،والذى توج بتنصيب الدكتور محمد مرسى رئيسا لمصر. وتوقع «وولف» أن ينتهى شهر العسل سريعا جدا بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين ،وكذا اكتشاف المصريين حقيقة الإخوان والثورة ضدهم. وانتقد «وولف»- فى شدة - دعم الإدارة الأمريكية لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر ،معترفا بأن بلاده مارست ضغوطا على المجلس العسكرى،لإعلان «مرسى» رئيسا وإبعاد الفريق أحمد شفيق عن سُدة الحكم.