منذ اليوم الأول لزواجه من أربع , قرر عبده الغضنفر أن ينظم شئون بيته بلائحة صارمة وقاطعة تحدد لكل واحدة منهن الاختصاصات والصلاحيات والواجبات حتى يتجنب تشاجرهن صراعا على صلاحية من الصلاحيات أو التنصل من واجب مفروض على هذه أو تلك فكان له ما أراد وفى ليلة الدخلة. الأولى هي عطيات أو الشاويش عطية كما يحلو له أن يناديها, فهى سيدة عظيمة القوام والقد تحسبها لاعب «سومو» يابانى خرج لتوه من مباراة عصيبة , متشنجة دائما وعجولة وتعشق الإيذاء البدنى والصراخ, ولذلك فقد اختارها الغضنفر لتكون راجل البيت فى غيابه وربما فى حضوره ومنحها المصروف كاملا فضلا عن انفرادها دون غيرها باتخاذ القرارات المصيرية مثل شراء احتياجات المنزل من خضار ولحم وسكر وزيت والمستلزمات الأخرى. أما الثانية فهى منى , نحيفة ومع ذلك لها كرش فيحسبها الناظر من بعيد خلة أسنان مخترقة زيتونة خضراء, وهى ست بيت شاطرة مميزة فى الطبخ وإعداد أفخم الموائد بأقل التكاليف, لذلك فقد اسند إليها الغضنفر مهمة محددة وواحدة وهى إعداد الطعام بوجباته الثلاث إفطار وغداء وعشاء بالإضافة إلى «الحلو» , وبالتبعية أصبحت هى سيدة المطبخ الأولى لا ينازعها فيه أحد حتى ولو كان من باب غسيل المواعين. ثم نأتى للثالثة , شوقية , طويلة وبلا تضاريس , تجدها دائما آنفة وغبية وتتخانق مع دبان وشها, ومع ذلك تعشق النظام وتقدسه كما يفعل الهنود فى البقر, فأهلها ذلك لتكون المسئولة الأولى عن ترتيب وتوضيب المنزل , فتستطيع اختراق أى غرفة فى أى وقت كما مفتش السرفيس صاحب الضبطية القضائية على سائقى «الميكروباظ» ويا ويله من تضبطه متلبسا بإلقاء قطعة ملابس كان يرتديها أو فردة شراب ضالة خلعها لتوه من قدمه برائحتها التى تشبه رائحة ملوحة أسوان فى عز الحر. وإذا اعتبرنا ما فات من أسماء كوم فإن الاسم القادم كوم لوحده, فهى الأميرة المتوجة على عرش وفؤاد الغضنفر, اسمها نانسى , فتاة بضة بيضاء أصفر شعرها, وممشوقة القوام عظيمة التضاريس المرسومة بعناية وكأنها أفروديت وقد خرجت لتوها من صالة جيم بآخر عباس العقاد.. لهذا فقد أوكل لها الغضنفر مهمة فرفشته وتظبيط مزاجه فى غرفة النوم وخارجها !! الغريب أن الزوجات الثلاث المذكورة أسمائهن أولا وافقن على تلك اللائحة بسهولة غير إنهن طلبن طلبا غريبا من الغضنفر حين كشف عن وجه العروسة الرابعة فوجدنها رائعة الجمال ملفوفة القوام فاتنة الوجه والصوت, حيث قلن إنه من الظلم أن يبيت رجلهم لديها كل يوم فى غرفتها, فقال لهن الغضنفر إنه سوف يبيت لديها ست ليال من كل أسبوع وفى الليلة السابعة يبت عند واحدة من ثلاثتهن , فلما اعترضن عرض عليهن المبيت فى حضن نانسى خمس ليال وليلتان فى أحضانهن فرفضن , فقدم عرضا جديدا بالمبيت أربع ليال مع نانسى وثلاثة معهن فرفضن أيضا, فعرض عليهن عرضا أخيرا بالمبيت فى حضن نانسى ليلة واحدة وباقى الأسبوع معهن لكنهن رفضن أيضا فسقط مغشيا عليه حين اخبرنه بعرضهن قائلات: - تبيت أنت ليلة واحدة لدى نانسى وتبيت كل واحدة منا فى حضنها ليلة أسبوعيا, فهذا هو عدل الله!! المهم , نجح الرجل فى الخروج من المأزق فأقنع نانسى بأن تبيت معهن ليلة أسبوعيا متمنيا من الله أن تبهت هى عليهن ويأخذن من جمالها ولو لمحة, لكنه فى نفس ذات الوقت كان يضع يده على قلبه خشية أن تأخذ هى من توحشهن وجمودهن وبرودهن شيئا.. لمدة أسبوع سارت الأمور على خير ما يرام,لكن سرعان ما بدأت المشاكل تدب داخل البيت السعيد حينما أرادت الشاويش عطية أن تقوم هى بالطهي فتسللت إلى المطبخ ليلا لتصنع صينية قرع عسلى لتفاجئ بها الغضنفر عله يشعر بأنوثتها وحبها له فيرق قلبه ويمنحها ولو عشر دقائق على سبيل تعويض الوقت الضائع من الليلة اليتيمة التى يبيتها فى أحضانها كل أسبوع , فحدث ما لم تضعه فى الحسبان! فقد اشتعلت النيران فى المطبخ ومنه انتشرت فى كل ركن من الشقة فتآكلت الستائر وذابت كما تذوب الشموع, وحرق الأثاث كله وبات عش الزوجية على البلاط, ولولا عناية الله واستيقاظ أهل الدار لماتوا جميعا شواء كما الخروف المندى فى مطاعم حضرموت. ساعتها وقف الغضنفر منزعجا وقرر تطليق الشاويش عطية عقابا لها على فعلتها التى كادت تودى بحياتهم بعد أن أتت النيران على كل محتويات الوطن الذى يعيشون فيه ويحميهم ويؤويهم . أيام أخر مرت قبل أن يحدث أمرا لم يكن متوقعا, حيث اشتبكت منى مع شوقية , فقد أرادت كل منهما أن تحظى بمزيد من الصلاحيات والخلاص من كل الواجبات وكأن الواحدة منهن راقصة «إستربتيز» تتعرى من ملابسها قطعة قطعة, فالأولى تريد من الثانية بيانا دقيقا بكل كبيرة وصغيرة فيما يخص شئون ترتيب المنزل, بينما الثانية – شوقية – تريد من الأولى – منى – أن تعلمها دوما بنوع الطعام الذى تعده شريطة أن يكون طعاما يروق لها وإلا أمرتها بإعداد غيره. لم يتحمل الغضنفر كيد النسا هذا فقرر الخلاص منه نهائيا بتطليق منى وشوقية ومنحهما مؤخر الصداق وكأنه مكافأة نهاية الخدمة مثل تلك التى يحصل عليها العامل بشركة الحديد والصلب. وهكذا خلا للأمورة نانسى وجه زوجها فبدت سعيدة لأنها فى الحقيقة هى من «وز» الأخريات من «ضرائرها» – جمع ضرة يعنى – للقيام بما فعلنه حتى تنفرد هى بالغضنفر وتصبح سيدة البيت الأولى والأخيرة وتحظى بكامل الصلاحيات دون الواجبات! دون الواجبات ؟.. كيف؟.. هذا ما حدث فقد طلق الغضنفر زوجاته الثلاث بغية أن يريح عقله ونفسه من تداخل السلطات بينهن وتراخهين فى أداء واجباتهن, فوضع كل السلطات فى يد نانسى التى انتهزت الفرصة فتحولت إلى كائن غريب يشبه المرأة فى تكوينه الجسمانى والبقرة المتوحشة فى اندفاعه وأنثى العنكبوت فى الهيمنة وفرض خيوط السيطرة. ومع أول يوم من انفرادها بحكم البلاد – عفوا , اقصد حكم المنزل – أعدت نانسى التى باتت تشبه الحاج رجب أبو هميلة شيخ غفر نزلة القرفان, قائمة بمهام زوجها فى البيت والتى عليه القيام بها مع طلعة شمس كل يوم, وراحت تعدد له: - تغسل الهدوم وتغلى الأبيض وتزهر الداخلى وتنشر المبلول وتمسح البلاط وتنضف الحمام وتكنس الشقة وترتب السراير وتلمع الاُكر وتشد السيفون وتشترى الخضار وتعصر اللمون وتقمع البامية وتخرط البصل وتفصص الثوم وتلم الزبالة وتنقع الشرابات وتكوى الفساتين وتلم الغسيل وتدعك المواعين وتدمس الفول وتجهز السلاطة وتهوى الشقة وتفقل الأنبوبة وتتمم على المحابس والحنفيات وتغير الجلدة وتفرش السجاجيد وتجهز السحور فى رمضان وتحمى العيال.. هنا انتفض الغضنفر وقال غاضبا: بس إحنا معندناش عيال! ردت التى كانت نانسى: شراء العبد ولا تربيته, انزل واشترى لنا «ولد وبنت» من كارفور أنا مش حمل تعب وخلفة ولو أردت عيل من صلبك افعل كما فعل الرجل الإنجليزى « توماس بيتي» الذى حمل تسعة أشهر قبل أن يضع طفلة حتى لا يتعب زوجته. حينها فغر الرجل – هكذا مكتوب فى بطاقة هويته – فاه وراح يردد: أخذت كل السلطات وتركت لى أنا السلاطات.. أخذت كل السلطات وتركت لى أنا السلاطات, ثم رقع زغرودة طويلة وسقط مغشيا عليه!