تحبوا تشموا كولونيا، ولا تحطوا كولونيا، ولا تشوفوا كولونيا.. تعالوا معايا وأنتوا حتشموا وحتحطوا وحتشوفوا كولونيا! من فترة ليست بالبعيدة، كنت في زيارة لهولندا، ودار حديث بيني وبين أصدقائي المصريين الهولنديين، عن أهم المعالم السياحية البارزة في بلدهم الجميلة، سواء الموجودة في "أمستردام" العاصمة، أو "زوول" المنطقة التي كان بها فندق إقامتي، قلت لهم سمعت من صديق مُغرم بزيارة الكنائس والأديرة، عن كاتدرائية أجنبية رائعة اسمها كولونيا، وقال: لستُ مُتأكدًا هل هي في هولندا ولا بلجيكا ولا ألمانيا، وقال أكيد ستفتكري اسم الكاتدرائية لما تفتكري كولونيا 55555. ضحك صديقي جدًا، وقال للأسف دي في ألمانيا وليس هولندا، مصيت شفايفي وأقشعرت انفي من سوء الحظ،، كان نفسي أزورها! ربت صديقي على كتفي وقال، ما تزعليش، سنزورها سويًا، كيف وأنت قُلت أنها في ألمانيا؟ قال المسافة من هنا لكولونيا تأخذ نحو ساعتين وعشرون دقيقة. لماذا أطلقوا عليها "كاتدرائية كولونيا"؟ سُميت كذلك، نسبة إلى مدينة كولونيا، التي أنشأت بها الكاتدرائية، المدينة تُعتبر رابع أكبر مدن بألمانيا، تقع على نهر الراين بين مدينتي بون ودوسلدورف. ومن الطريف، أن تأتي تسمية ماء الكولونيا للحلاقة نسبة إلى مدينة كولونيا! من أهم معالم مدينة كولونيا، هذه الكاتدرائية الرائعة التي يرجع تاريخها إلى العصر الروماني، والتي اختيرت على أن تكون على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. بالإضافة إلى الكاتدرائية توجد معالم أخرى بالمدينة منها، كنيسة مارتن، كنيسة القديس غيريون، المتحف الروماني، مبني البلدية، ومتحف الشيكولاتة حيث يقام سنويًا مهرجان للشيكولاتة. أهم ما يُميز المدينة، وجود العديد من الجامعات والمعاهد العليا، وأيضًا مقر المكتب الحكومي الفيدرالي الألماني لحماية الدستور. تهتم المدينة بالثقافة بشكل عام، فتحتضن أكبر عدد من محطات التليفزيون والراديو في ألمانيا، تصدر يوميًا نحو 70 صحيفة ومجلة لجميع أنحاء ألمانيا وأوربا، أيضًا يوجد بالمدينة نحو 60 دار نشر، و200 مطبعة. قلت لجورج، كفاية كدة انت شوقتني خالص، لزيارة كولونيا المدينة والكاتدرائية، خلاص استعدي في الصباح الباكر للرحلة. وإنت على الطريق السريع تُشاهد على طول الطريق، طواحين الهوا، وكنت أعتقد أن الطواحين موجوده في هولندا فقط، ولكن جورج قال، أن هذه الطواحين موجودة في مًعظم دول أوربا، فبواسطة الطواحين يُحولون قوة الرياح أي الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية، ضحكت وقلت: آه أنتو هنا بتعملوا من الهوا كهرباء وإحنا في مصر بندهن الهوا دوكو! ونحن نقترب من الدخول للمدينة شاهدت برجين عاليين جدًا في السماء، دخلنا مدينة كولونيا وإذ بالبرجان جزء لا يتجزأ من الصرح المعماري الرائع لكاتدرائية كولونيا "الدوم" ومن الشئ اللطيف أنه أينما تحركت في مدينة كولونيا تجد في وجهك البرجان المهيبان ذو ال157 مترًا. الكاتدرئية ذو مكانه روحية ومعمارية وتاريخية، ولذا يعتبر البعض أن مدينة كولونيا بدون الكاتدرائية هي جسد بلا روح! جاءت فكرة إنشاء هذه الكنيسةالرائعة في عام 1164، بعد أن قام الكاردينال راينالد فون داسيال، رئيس الأساقفة في مدينة كولونيا، بإحضار رفات المجوس الثلاثة، من ميلانو إلى كولونيا، كهدية من القيصر بارباروسا الذي إحتل ميلانو في نفس العام. المجوس الثلاثة، هُمْ من تنبأوا بميلاد الطفل يسوع المسيح، ويبدو أن رفاتهم قد نقلت من منطقة أورشليم أثناء الحملات الصليبية. هذه الهدية القيمة "رفات المجوس الثلاثة،" كان لها دور رئيسي ومؤثر في إنشاء هذه الكاتدرائية، وهذا مما جعل المسئولين في الكنيسة يقتنعون بضرورة تدشين كاتدرائية فريدة من نوعها تليق برفات هؤلاء القديسين المجوس الثلاثة. إقتبسوا تصميم الكاتدرائية من المبني القديم للكنيسة الذي تم تدشينه في عام 873، فقاموا بهدم المبني القديم في عام 1248 وبناء صرح جديد بدلًا منه، على الطراز الغوطي المُستوحي من الفن الفرنسي. ومن الشئ الغريب جدًا، أن بناء هذا الصرح العظيم أستمر تقريبًا نحو 300 عامًا، وكان رئيس الأساقفة في كولونيا "كونراد فون هوخشتادن" قد وضع حجر الأساس لكاتدرائية كولونيا في عام 1248. وللأسف على ما أعتقد، أن لا رئيس الأساقفة، ولا أولاده، وربما أحفاده لم يحضروا حفل افتتاح الكاتدرائية! الكاتدرائية تعتبر إحدي أكبر مقدسات الكنيسة الكاثوليكية، وتخفي بداخلها أعمال فنية قديمة لا تقدر بثمن يرجع تاريخها للقرن الرابع عشر، ويتم الإحتفاظ برفات المجوس الثلاثة في خزائن مهيبة، وتخضع لرقابة أمنية شديدة، للحفاظ عليها من السرقة أو التدمير. يحيط بالكاتدرائية ميدان واسع كبير خاوي، وغالبًا يُستخدم في إقامة الحفلات الموسيقية والمنتديات الثقافية. كانت مدينة كولونيا قد تعرضت لقصف جوي عنيف خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن الشئ العجيب أن الكاتدرائية ببرجيها العملاقين لم يتأثرا، إلا ببعض الآثار الخفيفة إلى تركتها 14 قنبلة أصابت بعض أجزاء منها، ومنذ ذلك الوقت تجد دائمًا أعمال ترميم بالكاتدرائية، وكأن الترميمات لا تنتهي، مما دفع سكان كولونيا إلى القول "في اليوم الذي ستنتهي أعمال الترميم في الكاتدرائية ستكون نهاية العالم أوشكت." بدأنا في رحلة العودة، بعد أن إستنشقنا عبق الروحانيات، ورأينا التاريخ مُجسدًا في صرح رائع شامخ، وشاهدنا كولونيا بكل ما تحمله من روائع تاريخية وروحية. من كولونيا الكاتدرائية والمدينة، أدعوكم للزيارة وأخذ بركة هذه الكاتدرائية، وبركة رفات القديسين المجوس الثلاثة، وأن تستمتعوا كما إستمتعنا نحن!