صباح الجحيم.. لا تندهشوا من تحيتى, فأنا محسوبكم الشيطان الأكبر, والشهير ب «شوشو», هكذا تسموننى فى «النكت», وفى كلامكم عنى, وكما تعلمون فقد بدأت عملى قبل أن ينزل آدم وحواء الأرض, لهذا قررت أن آخذ إجازة قصيرة, أو «داى أوف» مثلما يقول المتفرنجون منكم.. وفكرة الإجازة تراودنى منذ زمن, لكنى دوما كنت أؤجلها حتى أجد من يحل مكانى فى إغوائكم ويوسوس لكم بكل شر, ورغم فشلى فى ايجاد البديل إلا إننى عزمت على القيام بالإجازة مهما كان الثمن, فقد تعبت.. أخذت أفكر وأفكر كيف أقضى إجازتى, فمحل عملى هو أمام دور العبادة وما شابه من اماكن يرتادها الصالحون والمؤمنون فأحاول أنا ردهم عن الصلاح إلى الفساد, لهذا قررت أن أقضى يومى فى «بار» أو كباريه فى شارع الهرم, فساقتنى قدماى الى ملهي «خفرع» فى الطالبية هرم, وقلت آخذ لى كأسين، وأنا أراقب الخلق ثم اصطحب لى واحدة من «الركلام» لتقضى معى سهرة حمراء, ولا عجب فأنا نزهى وأحب أدلع نفسى. هاأنا فى الكباريه, مرتديا بدلة «سينيه» وقميص حرير مفتوح الصدر، لتظهر سلسلة ذهبية تتدلى من عنقى وبين أصبعى سيجار الثلج الكوبى, فهو لا يشتعل ولا يخرج دخانا إنما يخرج بخار يحسبه المغفل ناتجا عن احتراق التبغ. وفى الكباريه كانت المفاجأة, فقد كان المكان خاليا إلا من جارية فى الأربعين من عمرها، وساق، أو ركلام وجرسون بلغة عصركم, فاندهشت وأحسست أن كل ما قمت به فى عشرات الآلاف من السنين راح هدرا, وأدركت أن حكم جماعة الإخوان فى مصر قد أتى بثماره فأصبحت المواخير خالية على عروشها، وانتشر الإيمان والصلاح بين الناس. لم استسلم للإحباط والشعور بالفشل, وقلت استغل الفرصة بما أننى الزبون الوحيد لأتدلل واحصل على جرعة مضاعفة من الحنان و«اللى أنتوا عارفينه بقى...», لكن الغريب أن أحدا لم يستقبلنى أو حتى يقترب منى ليرحب بى أو يسألنى ماذا اطلب فاضطررت أن أنادى الساقى فأتاني على مهل، وكأنه بطة مسكوفى تتمشى فى ساعة عصرية. الساقى: نعم.. شوشو: ما هذه الجليطة! لماذا لا تأتى مسرعا إلى؟ الساقى: إذا كان عاجبك! شوشو: لا.. دا أنا صايع قوى.. وهنا جاءت السيدة, التى اتضح إنها صاحبة الكباريه واسمها منى القادرة, لتقطع ذلك الحوار الساخن ، قبل ان يتحول الى تشابك بالأيدى بين الشيطان والساقى, فهدأت الأمور وراح «شوشو» يحملق بعينيه فى جسدها البض النابض بالحيوية رغم سنوات عمرها الأربعين, فلاحظت هى ذلك لترقع ضحكة زلزلت المكان .. ذاب معها الشيطان وكأنه عاشق ولهان فعلق قائلا: أموت أنا وأعيد السنة! منى القادرة: ههيئ.. شكلك سكرت يا مدهول.. شوشو: ومن ذا الذى يراك ولا يسكر ويذهب عقله يا جميل! منى القادرة: تسلم يا أبو الرجال. شوشو: ألاحظ عدم وجود زبائن.. المحل أوف النهاردة؟ منى القادرة: أوف؟ عيب يا أستاذ أنت فى كباريه محترم! شوشو: لا.. لا تسيئين فهمى, «اوف» يعنى إجازة بالانجليزية يا سيدتى. منى القادرة: آه, فهمت.. لكن اليوم هو يوم عمل, بل اليوم المحل كله «كومبليت». شوشو: كيف وأنا أرى المناضد خالية وليس هناك من يعزف أو يغنى ويرقص؟ منى القادرة: يبدو انك غريبا عن مصر. شوشو: بالعكس فلم أغادر القاهرة منذ ولدت. منى القادرة: طيب تعالى معى.. شوشو: إلى أين؟ منى القادرة: بعد قليل تعرف. قالتها القادرة وانطلقت ومعها الشيطان شوشو داخل سيارة بزجاج «فاميه» توقفت أمام احدى الوزارات, وبعدها توقفت امام مستشفى ثم امام ناد ومبنى احد الاحزاب ومدرسة وجامعة شركة ومصلحة حكومية واماكن اخرى, فتعجب شوشو وطلب منها تفسيرا لكل ما يحدث، وذلك من خلال الحوار التالى. شوشو: لماذا توقفت فى هذه الاماكن؟ منى القادرة: فضلت أن اريك أماكن عملنا، والتى ينتشر فيها من يعملون معنا ومن يعملون لنا. شوشو: لا افهم ما تقصدين.. منى القادرة: يبدو أنك شيطان غبى! شوشو مندهشا: أو كشفتى شخصيتى؟ هل خرج ذيلى من البنطلون أم لاحظت القرون أسفل القبعة التى أعتمرها؟ منى القادرة: لا هذا ولا ذاك, فأنت شيطان غلبان لا تعى أن بين البشر من يفوقك ذكاء وفسادا. شوشو: أنت محقة, لكننى اعتقدت انه بوصول الإسلاميين إلى حكم مصر سوف تتحول بلدكم الى وطن يأخذ فيه العدل مجراه فتتحسن احوال الناس. منى القادرة: فال الله ولا فالك.. فهم لا يعنيهم من الشريعة سوى اطلاق اللحية واستخدام السواك بدلا من معجون الأسنان أما حاجات الناس وأمراضهم وأرزاقهم فهم يؤمنون بأنها أقدار وربك عليم ستار. شوشو: اذن اشهدي باننى أعلن بلوغى سن المعاش، وسوف أتقاعد من الآن والبركة فى الإخوة المجاهدين. وهكذا سار الشيطان المجنون فى إشارات المرور, منكوش الشعر ممزق الملابس وهو يصرخ « شوشو أوف.. شوشو أوف».