ما الذى كان يرغبه حقيقة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان حين شبه الصهيونية بالفاشية، معتبرا إياها إحدى الجرائم ضد الإنسانية!! فقد أراد على ما يبدو أن يقول إن سياسة الاحتلال فى الضفة الغربية والحصار غير الإنسانى على قطاع غزة هذا الذى سعى مواطنى بلاده إلى كسره حين صعدوا إلى سفينة مرمرة، يشبهان أعمال الإساءة التى تقوم بها الدول الفاشية بحق مواطنيها. يجب الاعتراف أن هذا الادعاء به كثير من التلميح إلى الحقيقة، فممارسة حرمان حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين فى الأراضى المحتلة فى ظل نظام استعمارى عسكرى - كما عبر عنها، على سبيل المثال، الاعتقال الإدارى وإخفاء الناس سنوات عديدة فى السجون الإسرائيلية بسبب مقاومتهم للظلم والاستبداد والإهانة- مماثلة على نحو مخيف لأساليب الاضطهاد والقمع التى استخدمها الأنظمة الدكتاتورية المظلمة فى القرن ال 20 ضد المعارضين. فمنذ أن ظهرت الصهيونية على مسرح التاريخ فى أواخر القرن التاسع عشر سعت لتحقيق حق تقرير المصير لشعب مضطهد وبلا مأوى، فى الفترة التى سيطرت فيها فى الشرق الأوسط الامبراطورية التى يتولى أردوغان اليوم المسئولية عن بقاياها، كان الصهاينة، وعلى رأسهم السياسيين منهم، مستعدون للاكتفاء بحكم ذاتى إقليمى قومى لليهود فى دولة إسرائيل، وذلك فى إطار دولة عثمانية متعددة القوميات . حتى بعد رحيل الأتراك من الدولة ظلت الصهيونية تؤمن بالرؤية المكبوتة لحق تقرير المصير، وذلك انطلاقا من الخوف الصريح من فكرة السيطرة على شعوب أخرى، والتى رأتها أمرا لا يطاق فى المبدأ العام للمساواة بين القوميات . معادلة أردوغان الصهيونية، الفاشية تعكس بالتالى جهلا يصرخ إلى السماء، ولكن دولة إسرائيل نفسها هى المسئولة المباشرة عن خلق التماثل المشكوك فيه والمدحوض بين اصطلاح الصهيونية والسياسة غير البعيدة فى أساليبها عن الفاشية. إذ أنها عندما تحث للعقد الخامس سياسة القمع المدنى والقومى لشعب كامل، والتى تتعارض جوهريا مع أسس الصهيونية وتتميز بمظاهر شمولية فإن إسرائيل تعرض نفسها المرة تلو الأخرى كدولة تحقق عمليا الأيديولوجيا الصهيونية، ونتيجة لذلك فإن الصهيونية تتماثل أقل فأقل مع مفهومها الأصلى كحركة تحرر وطنى لشعب مضطهد، وأكثر فأكثر مع نقيضها التام لتصبح خليطا من الاستعمارية العسكرية والقومية السادية، والتى تتمثل فى نظام يحرم رعاياه حريتهم وكرامتهم، لذا فيستدعى بذلك التشبيهات بالأنظمة الفاشية. كل يشع بشرف الصهيونية فلا يوجه احتجاجه إلى أردوغان، بل يوجهه ضد الإفساد الإسرائيلى للقيم الصهيونية، الإفساد الذى يسمح لأردوغان وأمثاله بطرح تشبيهاتهم المفندة. نقلا عن هاآرتس