كانت ليلة من الليالي السرمدية التي لا تنتهي ولا تتكرر، كنت أجلس في حانة درب المهابيل «لا بيا ولا عليا» أجلس وحدي أعب من الشراب الرخيص، شراب الجعة المحلي الذي لا يسكر ولا يغيّب العقل ولا ينوبني منه غير وجع البطن، وإذا برجل طويل القامة عريض المنكبين يهبط عليَّ كما يهبط النسر على كتكوت مهيض الجناح، من أنت أيها الزائر الغريب وماذا تريد؟ قال لي: أنا الشاطر خيرت الشاطر. قلت: وماذا تريد مني أيها الرجل الغريب عريض المنكبين؟ قال: سمعت عن قدراتك في اختراع البرامج فجئتك على عجل لعلك تنقذني مما أنا فيه يا أبو يكح الجوسقي. قلت: لكنني لا أعرف شيئا في برامج الكمبيوتر، أعرف أنك بارع فيها والعهدة على الراوي، يقولون إنك «وديت» الإخوان في داهية عندما صنعت برنامجا كمبيوتريا وضعت فيه أسماء كل الإخوان، وفجأة «طبت» الحكومة عليك في شركة سلسبيل وانكشف المستور. قال خيرت الشاطر وهو يتصعب: لست عن هذه أسأل، أنا أسأل عن البرامج السياسية. قلت له مستفهما: وما الذي ستفعله بالبرنامج السياسي، أليس لديكم حزب الحرية والعدالة وله برنامجه؟! . قال مستغبيا إياي: لقد عزمت النية وتوكلت على الله أن أرشح نفسي لمنصب رئيس الجمهورية بما لا يخالف شرع الله، وأريد أن يكون لديَّ برنامجا سياسيا أخوض به الانتخابات. قلت له مستغبيا إياه: ألا يوجد لديك برنامج لحزبك، اجعله برنامجك الانتخابي، هذا هو الشيء الطبيعي، فالمرء يرشح نفسه على برنامج حزبه، والذي في حزب ويبحث عن برنامج سياسي غير برنامج حزبه إنما يقول للناس إن حزبه بلا برنامج. قال مستغبيا إياي: طبعا يا ناصح لا يوجد برنامج لحزب الحرية والعدالة، إنما مجموعة مواد تم تلفيقها وقلنا عنها أنها برنامج حزب، هذه مسألة واضحة شديدة الوضوح بحيث يفهمها الغبي، لذلك أريدك بفكرك الإبداعي أن تبدع لي برنامجا أخوض به انتخابات الرئاسة. قلت له مستعطفا إياه: وكم ستمنحني يا أخ خيرت؟ قال بفراغ صبر: ما تريده سيكون لك. قلت فارضا شروطي: أول هام أن تحضر لي جعة أصلية من طراز «استرجل» يا خيرت. قال: لك هذه، غالي والطلب رخيص. قلت مستغبيا إياه: المسألة ليست سهلة يا أخ خيرت، لأن الاسترجال ليس أمرا سهلا هينا. قال مستغبيا إياي: ولكن الجعة أمرا هينا يا أخ أبو يكح الجوسقي. المهم استمهلته أياما ثم عاد إليَّ وهو يتوق شوقا إلى برنامج الانتخابات، وفي الحانة أجلسته مع بعض أصدقائي، حيدر بن بيدر، وفتلة بن نملة، وصلعت بن ملعت، وأحمد أبو ازدحمد، فقال لي خيرت: ما هو البرنامج، هل انتهيت منه؟. قلت له مؤكداً: نعم وقد سهر عليه معي مجموعة من الخبراء الكبار وها أنت تراهم يجلسون معنا الآن. قال وقد استبشر خيرت خيرا: هيا اشرحوا البرنامج. قال حيدر بن بيدر: يجب أن نضع فيه كلاما عن التعليم. وقال أحمد أبو ازدحمد: وجانبا من الزراعة والتنمية الزراعية. وقال فتلة بن نملة: ونضع فيه كثيرا من الاقتصاد وحل مشاكل الطعام ومشاكل البطالة. وقال صلعت بن ملعت: ونهتم بالشباب ومشاكلهم. وختمت أنا: ونقول بعد ذلك كله إن هذا بمرجعية إسلامية. انشرح وجه خيرت الشاطر، وافتر ثغره عن ابتسامة عريضة، ثم قام بكتابة هذه المحاور العبقرية في ورقة كانت معه ثم وقف وقال: سأنهض الآن للانصراف، ولكن أريد أن نطلق على هذا البرنامج اسما عبقريا لا مثيل له. قلت له وقد ألهمني الله: أنت قلت أنك ستنهض، لذلك من المثالي أن نسمي البرنامج «برنامج النهضة». رد خيرت متخوفا: سيظنونه برنامجا لحل مشاكل حي النهضة الذي بجوار حي السلام. قلت له مستغبيا إياه: خذ من عبد الله وتوكل على الله يا أخ خيرت، هذا اسم عبقري. وعلى الفور خرجت الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان وهي تتحدث عن برنامج النهضة الذي سهر ألف عالم عليه لعدة سنوات، والذي قدموه لحسني مبارك عام 2005 ولكن مبارك الكنود الكئيب رفضه، وزاد راوي الربابة الإخواني فقال: إن خيرت الشاطر سافر إلى عشرين بلدا من بلاد العالم عبر السنوات الماضية، كلها ليطلع على برامج نهضت بهذه الدول، والحقيقة أن غاية ما ذهب إليه خيرت الشاطر هو درب المهابيل ليقابلني ويسمع مني، وكان من غباء الآلة الإعلامية الإخوانية أنها أصرت على أن خيرت سافر في السنوات الماضية للعديد من دول العالم ليخرج علينا بهذا البرنامج الذي وضعته أنا ورجالي في الحانة في حين أن خيرت كان محبوسا طوال السنوات الماضية ولم يسافر خارج مصر منذ عام 1992 إلى أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير ومن بعد الإفراج عنه لم يسافر إلا إلى قطر وتركيا ودولة أخرى معهما أو دولتين!. ولكن حينما كنت أجلس في أحد الأيام في الحانة بدرب المهابيل، جاء لي خيرت الشاطر باكيا ناعيا حظه النكد، قلت له ما الذي حدث لك يا أخ خيرت؟. قال والدمع يترقرق في عينيه: تكون في بقك وتقسم لغيرك يا جوسقي، سبقني إليها عكاشة. قلت مستفهما: ومن عكاشة هذا؟! . قال باكيا: محمد مرسي المرشح الاحتياطي للرئاسة أصبح هو المرشح الأصلي، وخرجت أنا من سباق الرئاسة، وأصبح برنامجك الجميل «النهضة» الذي وضعته لي برنامجا لمحمد مرسي . قلت متعجبا: ليس المهم الأشخاص يا أخ خيرت فالدعوة تستمر والأشخاص تفنى، المهم أن الإخوان لديهم مرشح للرئاسة. رد خيرت بعصبية: نعم نعم، ويخطب هو في المناسبات، ويقابل الرؤساء ويركب الطائرة الهليكوبتر ليزور اخته، قل لي بالله عليك، كيف أظهر بين أهلي وعشيرتي دون أن أكون رئيسا. استمر الأخ خيرت في البكاء ثم قال لي: أين الراس، اريد الراس. قلت له متعجبا: راس إيه سلامة راسك! قال متوجعا: رأس الاختراع، أريد أن أعرف تفصيلات برنامج النهضة، ماهو بالضبط، أريد معرفته حتى أحرج الإخوان وأحرج ميتين الإخوان، وأحياءهم . قلت له: النهضة يا صديقي مثل الفنكوش، تستطيع أن تخبر الشعب أن النهضة هي نبات اسمه الفنكوش يشبه نبات الملوخية سيجعل مصر في مقدمة العالم كله. أومأ الأخ خيرت وقسمات وجهه تدل على أنه انتوى شيئا ما، ثم خرج من مجلسه معي وغادر الحانة وانصرف عن درب المهابيل وهو يردد: أنا الرئيس أنا الرئيس، أنا ستين رئيس في بعض، والفنكوش هو الحل. ولكن يبدو أن الحالة تطورت معه فمنذ أيام قال لي الرفاق في الحانة أن خيرت قال في ندوة من الندوات: إنه لا يوجد برنامج من الأصل اسمه برنامج النهضة ، أقر خيرت بالحقيقة التي كانت مخفية عن الناس، قال بصراحة: لقد كنا بعض الرفاق نجلس سويا وتناقشنا حول الأفكار وتحدثنا عن العناوين والإطار العام، لكننا إلى الآن لم نضع برنامج النهضة، وكاد خيرت أن يقول لهم إنه الفنكوش، لكنه أحجم في اللحظة الأخيرة. يا نهار أسوخ، أتعترف بالذي كان بيننا يا خيرت وتفضح نفسك وتفضح رئيسك وجماعتك، أتعترف بالذي حدث في حانة درب المهابيل؟! نعم لقد قلتَ الحقيقة، لكنك بهذا جعلت جماعتك كاذبة ورئيسك كاذبا، فكلهم سايروك في قصتك، وقالوا إن هذا البرنامج وضعه ألف عالم وهم لا يعلمون أن الذي قال أفكاره اللوذعية كل من: صلعت بن ملعت، وفتلة بن نملة، وحيدر بن بيدر، واحمد أبو ازدحمد، وابو يكح الجوسقي، فأنا بخبرتي في الإسلاميات صاحب اللفتة التي تقول «بمرجعية إسلامية». وزاد عن ذلك وغطى أن خيرت لم يرتدع، بل خرج بعد هذا التصريح الغريب وقال: إن مشروع النهضة يحتاج إلى شعب مؤهل، وللأسف اتضح بعد الانتخابات أن الشعب المصري غير مؤهل، وأنا من خلال خبرتي بالشاطر، وخبرتي بالإخوان أفهم لماذا قال الشاطر هذه العبارة، قال إن الشعب المصري غير مؤهل لفهم لوذعية مشروع النهضة والتفاعل معه والاستجابة له، لأن هذا الشعب انتخب الإخوان، إذن بالعربي الفصيح هو شعب غير مؤهل على رأي خيرت، وليس لي أنا أبو يكح الجوسقي إلا أن أقول بعد أن دلق خيرت على الشعب المصري حلة التصريحات المليئة بنبات الفنكوش نفس القول المأثور لعبد السلام النابلسي «يارب انهضها، بس كفاية كده، ما تنهضهاش أكتر من كده».