أخطط للكتابة عن.. أخطط للكتابة ولا أعرف عما أكتب.. الحقيقة أنى أسمع صوت لحن كتابتى فى أذنى معظم الوقت، لكنى لا أمسك جملة موسيقية. لا يحرضنى كل ذلك الجنون والسياسة المقيتة على الغضب. ربما أغضب، لكن ذلك الشعور لم يكن محركا أبدا ولا دافعا للكتابة.. الحب والحزن هما ألوانى التى أرسم بها جدارية حياتى.. لا شىء يمس شهوتى وشغفى للكتابة قدر الإحساس العميق بالفقد واللقا بالحب وغيابه.. لا تحرضنى قطعة المشبك التى يخر منها العسل فى يد موظفة الشهر العقارى التى جلسنا أمس ساعة ونصف الساعة ننتظر أن تفطر وتحلى بالمشبك هى وزملاءها ثم يفردون سجادة الصلاة لصلاه الظهر بعد وقتها بساعتين. لم يحرضنى ذلك على الكتابة. لكن وداع العام مشهد مهيب، يكسر كسلى وتوترى ويعزف لحنا يخصنى فى الهواء، أنا التى اعتادت أن تفتح فيلم الساعات وتترك النساء الجميلات داخله بكل حالات اليأس والانتحار والعبوس والحب والألم داخلهن، أترك كل ذلك وأعيد مشهد الممفتح مائة مرة.. صوت الماء يتحرك فى النهر.. صوت يجتاح المشهد والصورة ويقطعه صوت فيرجينا ولف وهى تكتب لزوجها خطاب انتحارها. أقف هناك وأعيده مرة أخرى، وفى المساء أجلس جوار محمد على الأريكة وأمسك بأناملى طرف أنامله فى حنان طفولى وأطلب منه وأنا منهكة أن يستمع معى لصوت الماء ثم الصمت. محمد الذى يبدو قاسما جديدا ومشتركا فى كل أحداث العام الأول لوجوده فى حياتى .. مازلت أستيقظ كل صباح فألمس خاتمه وأشعر بحروف اسمه تمس جلدى فأنتبه أنه حقيقى.. العام الجديد، ومحمد، وأيام تفصلنى عن أن أرتدى فستان الزفاف كلها تجعلنى أتشبث بالصمت.. صوت دقات قلبى الذى يوقظنى فى ساعات متأخرة من الليل لأجلس على طرف الفراش وأتأمل العالم والحياة.. فأكتشف أننى مشوشة تماما.. سعيدة بخبل.. ومشوشة فى حالة فوضى مثل الطرق فى مصر بعد عشر دقائق أمطار. أفكر أنى أرغب فى الكتابة عن مشاعرى ومخاوفى.. عن رجل أحبه.. وعن بوابة كبيرة سأعبر منها نحو الغد.. فلا أعرف ماذا أكتب ولا لم! عقلى يعرض لقطات بتقنية سينمائية يستخدم المونتاج والفوتوشوب.. لقطة من هنا ولقطة من هناك.. نهاية العام التى توصمها ذاكرتى بذكرى رحيل أمى السابعة. احتفالات أعياد الميلاد.. والبرد الذى يعيد تجسيد الفقد والحزن فى قلبى.. مشاهد كتبتها كثيرا وحزنت بسببها سنوات. قاومت برغبة خالصة فى الفرح، وبقلوب تمنحنى دفقات الحب بلا حساب.. لكن شيئا من كل ذلك لم يغير من الحياة التى تسكن ذاكرتى. الموت الذى كان وسيبقى رفيقا للميلاد استعدادات ذكرى أمى التى تجىء قبل يومين من ميعادى للبروفة الأخيرة لفستان زفافى. فى مشهد عبثى اسمعنى أردد لنفسى أنى سأذهب يوم الاثنين صباحا للمقابر وبعدها بيومين لتجربة الفستان. كل تلك الفوضى تؤلم روحى وتملؤها بالحيرة والحزن والفرح. حنينى لبيت أبى، وشوقى للبيت الجديد بيتى.. وحدتى وأوراقى ووسادتى.. وشغفى بمحمد ومحبته المفرطة الدموع التى تسيل من عينى فى كل مناسبات السعادة والحزن بذات القدر والحماسة، الغد الذى يحمل لى أحلام العمر ويمضى مثقلا بأوجاع القلب. الغد الذى أنتظره برهبة لم أجربها أبدا، فأزيح كل ذلك جانبا وأترك لله تدبير الأمور، وأضغط زر التشغيل لينساب صوت الماء قبل أن تقطعه فيرجينا وولف وهى تكتب لزوجها خطاب الانتحار.