لقاء نادر تم بالصدفة البحتة بين الدكتور "بديع" المرشد العام للإخوان المسلمين و"الزعيم" الفنان الكبير "عادل إمام" الذى أمتع الملايين بطول العالم العربى وعرضه بفنه الرفيع المستوى. لماذا هو لقاء نادر؟ لأنه بين ممثل صريح للدولة الدينية التى تطمح جماعة الإخوان المسلمين إلى تأسيسها فى مصر، ونشرها فى مختلف ربوع العالم الإسلامى، عن طريق إحياء "الفردوس المفقود" ونعنى نظام الخلافة، وبين فنان يمثل الفكر الليبرالى، وخير تمثيل من زاوية التشبث بالقيم الديموقراطية، والإيمان بمبدأ المواطنة، والذى لا يقبل التمييز بين المسلم وغير المسلم، بالإضافة إلى الانفتاح الحضارى على الآخر بغير عقد، والإيمان بالتسامح الإنسانى، ونبذ تيارات التعصب، والنقد الجسور للإرهاب فكراً، وسلوكاً وتنظيماً. المرشد العام أستاذ جامعى، لكنه مسكون بالفكر الدينى المتطرف، وحتى لو تأملنا لغة خطابه لاندهشنا من استخدامه لعبارات دينية، لوصف مواقف اجتماعية معاصرة، لا تستدعى إطلاقاً استخدامها، ولو على سبيل الاستعارة أو المجاز. فلننظر مثلاً إلى نقده العنيف للصحفيين والإعلاميين عموماً، ووصفه لهم بأنهم "أشبه بسحرة فرعون". كان يستطيع أن يمارس نقد الإعلام بعبارات معاصرة ليست مستمدة من القرآن، لكن يبدو أن مرجعيته الفكرية محصورة بشكل بالغ الضيق. أما خياله السياسى، فهو بالغ الشطط فى الواقع! ويدل على ذلك هذا الحلم المثالى غير الواقعى، بإعطاء البيعة لخليفة مسلم واحد يحكم كل البلاد الإسلامية فى العالم، وتحويل كل الدول الإسلامية إلى مجرد ولايات! ويدل على شطط وتطرف هذا الحلم أن أحد قيادات الجماعة ممن يتسم سلوكهم السياسى بالغوغائية صرح قائلاً: "سيقوم نظام الخلافة، وتصبح مصر ولاية إسلامية، وعاصمة الخلافة لن تكون القاهرة، لكن القدس الشريف"! ما هذه الخيالات غير الواقعية، وما هذه الدعوات التى تجهل تركيبة النظام الدولى الراهن، والتى لا يقبل إطلاقاً تأسيس كيانات دينية أممية مثل الخلافة الإسلامية، التى لابد لها- لو أقيمت- أن تعتدى اعتداءً صارخاً على السيادة الوطنية؟ وأخطر من كل ذلك أن دعاة إحياء الخلافة الإسلامية لم يجيبوا على الأسئلة الحاسمة التى وجهناها لهم من قبل، فى الحوار الذى دار بينى وبين الشيخ "يوسف القرضاوى" على صفحات الأهرام عام 1994. فقد سألته: هل الخليفة بالتعيين أم بالانتخاب؟ وهل إذا جلس الخليفة على مقعد الخلافة سيقبل بمبدأ تداول السلطة أم سيبقى فيه إلى الأبد؟ وما هو مصير رؤساء الجمهوريات والملوك فى البلاد الإسلامية هل سيفصلون من وظائفهم لتمهيد الطريق للخليفة؟ أجاب الشيخ القرضاوى أنه ليست لديه إجابة على هذه الأسئلة، لأنه لم يدرس الموضوع دراسة مفصلة! إذن هو مجرد حلم من الأحلام الكاذبة التى ليس لها أساس فى الواقع. أما الفنان العظيم "عادل إمام" فقد استطاع بعبقرية نادرة أن يصور مشكلات الإنسان البسيط فى المجتمع، وأن ينقد نقداً عنيفاً السلبيات المتعددة التى تراكمت نتيجة طغيان الأنظمة الاستبدادية، وأخطر من ذلك كله نقده العنيف للإرهاب كاتجاه وممارسة، مما أسهم إسهاماً بالغاً فى إلقاء الأضواء على مخاطره الجسيمة، وأهم من ذلك ضرورة المواجهة الثقافية لاقتلاعه من جذوره. جميل أن يقابل المرشد الزعيم، ويرحب به قائلاً "أهلاً بالفنان الكبير"، وأجمل منه أن يغير المرشد أفكاره العتيقة المعادية للفن والتى تدعو إلى حصار المبدعين والرقابة على إنتاجهم!