«ماكو أوامر» هكذا رد القائد العراقى على الفلسطينيين الذين استنجدوا بقواته ضد عصابات الصهاينة في حرب 1948، إلا أن عدم وجود أوامر بالضرب والاشتباك لدى القائد العراقى منعته، ورغم التفوق العددى للجيوش العربية إلا أن القيادة المتفرقة للعرب أمام القيادة الموحدة للعصابات الصهيونية، أسفرت عن انتهاء الحرب بنكبة تزرع الكيان الصهيونى في قلب الوطن العربي، ليفيق الوطن العربى على ضرورة وجود معاهدة دفاع عربى مشترك تضمن صد أي عدوان محتمل على أي دولة. وطبقًا لموقع جامعة الدول العربية، فإن التحرك لوضع اتفاقية دفاع مشترك وتعاون اقتصادى جاء عن طريق اقتراح سعودى أفاد بأن مواجهة الخطر الصهيونى لا يكفله توحيد دولتين، وأن إنشاء قوة عسكرية موحدة من خلال الجامعة هو البديل عن الثنائيات وقد أيدت هذا الاقتراح مصر عام 1949 وهو ما عرف بمشروع معاهدة الضمان الجماعي. وقد قدمت العراقوسوريا ومصر ولبنان مشروعات للاتفاقية إلا أنه بعد المشاورات تم اتخاذ المشروع المصرى أساسًا للمناقشة والبحث. في نوفمبر عام 1949 تم وضع صيغة أولية للمشروع بعد التداول بين مندوبى الدول العربية، وبتاريخ 27 مارس 1950 تم عرض المشروع على مجلس الجامعة العربية الذي أحاله بدوره إلى اللجنة السياسية التي بدأت اجتماعاتها في أبريل من نفس العام. كان تفسير بنود المعاهدة هو أولى مهام اللجنة ومنها أن الاعتداء الذي تتكفل المعاهدة بصده هو أي اعتداء يتم على الدولة العربية، لا الاعتداء الذي تجره الدولة على المنطقة. في يونيو من نفس العام تم عرض المشروع على مجلس الجامعة العربية، ورأت الحكومة العراقية إضافة بروتوكول عن انشاء هيئة استشارية تضم أركان حرب جيوش الدول المشاركة بالاتفاقية، ولم تتم الموافقة عليه باعتباره ليس له داع مما تسبب في عدم توقيع العراق على الاتفاقية حينها، في الوقت الذي تخلفت عن الجلسات الأردن بسبب أزمة الضفة الغربية، مما جعل الدول المشاركة هي 5 فقط: مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية ولبنان واليمن. في فبراير من العام 1951 عدلت الدول الموقعة على الاتفاقية موقفها من البروتوكول العراقى وتمت الموافقة عليه وتوقيعه مما انعكس على الموقف العراقي، حيث وقعت العراق على الاتفاقية. جاءت الاتفاقية لتكفل إقامة التنظيم العسكري العربى ولتنشئ الأجهزة اللازمة لاستخدام هذا التنظيم، كخطوة أولى في طريق الوحدة العسكرية. نصت المعاهدة على إنشاء مجلس للدفاع المشترك يضم وزراء الدفاع والخارجية للدول المشاركة في الاتفاقية، بالإضافة إلى لجنة عسكرية من ممثلى رؤساء الاركان، وكذلك هيئة استشارية من رؤساء هيئات الأركان. لم تنص المعاهدة على وجود قيادة موحدة للجيوش العربية وقت السلم، وإنما في زمن الحرب فقط، وتكون القيادة للدولة التي تشارك بقوات أكثر عددًا. إلا أن الاتفاقية لم تشر من قريب أو بعيد إلى مناصب ممثلى الدول في مجلس الدفاع المشترك، كما تركت تشكيل القيادة الموحدة للقوات المقاتلة في الميدان وجعلت فقط منصب القائد العام للقوات بالتراضى بين الدول. كما منعت الاتفاقية بتشكيلها للقوات المشتركة في وقت الحرب، مسألة التنسيق والتدريب بين القوات المختلفة، ولم تشر أيضا إلى اجتماعات بين اللجنة العسكرية. بسبب هذه البنود فقد فرغت المعاهدة من فكرة التحالف العسكري لغياب عنصرى القيادة المشتركة التي تضع الخطط وتدرب القوات، والقوات المشتركة التي تنفذ هذه الخطط مابيعنى أنها ولدت ميته. استقت الجامعة العربية تفاصيل معاهدتها من معاهدة شمال الأطلسى التي وضعت عام 1949، حيث تتشابه المادة الثانية من المادة الخامسة الأطلسية، والمادة الثالثة عربيًا مأخوذة من المادة الرابعة الأطلسية. ومن المشكلات التي واجهت المعاهدة كان حلف بغداد الذي أضاع من عمر المعاهدة 7 سنوات، حيث اعتبرت اللجنة السياسية للجامعة انضمام العراق إلى حلف بغداد أنه يهدد مفهوم الضمان الجماعى العربي. وعقب قرار اللجنة السياسية دعت مصر الدول الموقعة على الاتفاقية دون العراق إلى اجتماع في القاهرة في 1955، وتم خلال الاتفاق على إقرار قرار اللجنة السياسية وتشكيل قيادة مشتركة في وقت السلم بحيث تكون قيادة مستديمة ونواة للقيادة المشتركة وقت الحرب. وبسبب حلف بغداد، وتهديد تركيا لأمن سوريا وكذلك معارضة الولاياتالمتحدة لتسليح الدول العربية، والاعتداءات على الأراضى الفلسطينية نشطت الدول العربية في مجال الاتفاقيات الثنائية مما أوقف عمل هيئات المعاهدة. وكان أهم التحديات أمام الاتفاقية هو العدوان الثلاثى على مصر، إلا أن الاتفاقية لم يتم تفعيلها واقتصر القتال على الجبهة المصرية فقط. رغم توقيع الاتفاقية عام 1951 بصورة رسمية، إلا أنها لم تفعل رسميًا إلا مرة واحدة وهى لصد العدوان العراقى على دولة الكويت، وهو التفعيل الذي تمت مهاجمته باعتباره تفعيلا للاتفاقية لخدمة هوى الولاياتالمتحدة فقط، ورغم أن العراق هي إحدى الدول الموقعة رسميًا على الاتفاقية إلا أن الجامعة العربية لم تجتمع لتفعيل الاتفاقية لصد العدوان الأمريكى عليها بعد ذلك. وفعلت أيضا الاتفاقية لكن بصورة ودية في حرب أكتوبر عام 1973 حيث شاركت قوات عربية أخرى مع الجيش المصرى منها قوات جزائرية بالإضافة إلى القوات السورية التي حاربت على جبهة الجولان التي لم تحرر حتى الآن ولم يتم تفعيل الاتفاقية لتحريرها، وكان التفعيل الودى ناتجا عن أن موعد العبور كان سريًا وبالتالى لم يكن هناك سبيل لعقد اجتماع للجامعة العربية. إلا أن الضربة التي قصمت الاتفاقية كان توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 التي جعلت الاولوية لاتفاقية السلام على أي اتفاقية أخرى، كما تنص الاتفاقية على أن «يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كل المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية». أعقب اتفاقية كامب ديفيد توقيع اتفاقية «وادى عربة» بين الأردن وبين إسرائيل في مادتها الرابعة على أن «يتقبل الطرفان التفاهم المشترك والتعاون بينهما في المسائل المتعلقة بالأمن. سيكون جزءا مهما من علاقاتهما وسيؤدى أيضا إلى تعزيز أمن المنطقة، انهما يأخذان على عاتقيهما أن يؤسسا علاقتهما في مجال الأمن على الثقة المتبادلة وتطوير المصالح المشتركة والتعاون وأن يهدفا إلى إقامة بنيان إقليمى من الشراكة في السلام». وتعد الاتفاقيتان السابقتان الضربة التي تنهى الاتفاقية من أساسها، خاصة أن الاتفاقية كانت في الأساس موجهة ضد الدولة العبرية المعقود معها اتفاقية السلام.