أحيا التونسيون اليوم الذكرى ال77 لأحداث 09 أبريل 1938 حين واجه المتظاهرون التونسيون أعوان الأمن والجيش الفرنسيين في شوارع تونس العاصمة ما أسفر عن شقوط العديد من الشهداء بينهم برصاص المحتل. وكانت فرنسا قد استعمرت تونس عام 1881 بموجب معاهدة استعمارية سميت معاهدة الحماية بين الفرنسيين وحاكم تونس آنذاك محمد الصادق باي ( 07 فبراير 1813 – 29 أكتوبر 1882 ). وبعد سنوات المقاومة الأولى من قبل بعض القبائل التونسية للاستعمار الفرنسي، استقر الوضع لفرنسا ولم تستطع الحركة الوطنية التونسية تنظيم صفوفها سوى سنة 1907 عندما تم تأسيس حركة الشباب التونسي عن طريق زعماء تونسيين، مثل على باش حانبة، وعبد العزيز الثعالبي. وحاولت الحركة رفع مطالب إصلاحية لتحسين وضع التونسيين تحت الاستعمار الفرنسي ولكن بعد مصادمات أحداث مقبرة الزلاج سنة 1911 واحداث الترامواي سنة 1912 ( بين التونسيين وقوى الأمن الفرنسية) تقلصت أنشطة الحركة خاصة بعد أن وجهت السلطات الاستعمارية تهمة التحريض لقياداتها وتم نفي عديد الزعماء خارج البلاد، ومنهم على باش حانبة الذي توفي في إسطنبول سنة 1918. وإثر انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، أسس التونسيون وفي مقدمتهم عبد العزيز الثعالبي، الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920 وتمحور برنامجه حول كتاب "تونس الشهيدة" الذي تضمن توضيحا للنتائج السلبية لنظام الحماية (الاستعمار الفرنسي) مركزا على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين بسبب افتكاك أراضيهم واقصائهم من المناصب الإدارية والتمييز بينهم وبين الجاليات الأخرى، قضلا عن انتهاك الحريات الأساسية. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، تجذرت أكثر مطالب الحركة الوطنية التونسية ووسائل عملها إثر انخراط شباب من خريجي الجامعات الفرنسية في الحزب الحر الدستوري التونسي، وكان من بينهم المحامي الشاب آنذاك الحبيب بورقيبة. وعلى اثر اعتقال السلطات الاستعمارية الفرنسية قيادات كانت تتحرك للدعاية للقضية الوطنية التونسية، قرر الحزب الحر الدستوري التونسي "الجديد" بقيادة بورقيبة - الذي انشق عن الحزب الدستوري الذي أسسه الثعالبي - تنظيم مظاهرة احتجاجية ضمت قرابة 2500 متظاهر يوم 7 أبريل 1938 توجه على اثرها القيادي منجي سليم إلى قصر الباي بحمام الأنف، قرب العاصمة، حتى يتدخل لدى السلطات الاسعمارية للإفراج عن المعتقلين. وأمام تصلب السلطات الاستعمارية، قررت قيادة الحزب الدستوري التونسي الجديد تنظيم مظاهرة أخرى يوم 8 أبريل 1938 أمام مقر الاقامة العامة ( الحاكم الفرنسي لتونس) رفعت شعارات أهمها "برلمان تونسي" و"حكومة وطنية " و"تسقط الامتيازات " ( امتيازات اقتصادية واجتماعية للفرنسيين أمام التونسيين ) وتجمع نحو 10 آلاف متظاهر قادها على بلهوان أحد رموز الحزب (13 أبريل 1909 - 10 مايو 1958). وحين انتهت هذه المظاهرة باعتقال على بلهوان، انداعت مظاهرة أخرى أكبر يوم 9 أبريل 1938 أمام قصر العدالة بمدينة تونس للمطالبة بالإفراج عنه وحدثت اشتباكات مع قوات الأمن والجيش الفرنسي أسفرت عن سقوط 22 شهيدا برصاص المحتل الفرنسي، وإصابة 150 آخرين، كما أعقبها اعتقال بورقيبة وعديد القيادات الأخرى. ولم تذهب دماء هؤلاء الشهداء هدرا، إذ ظلت الشعارات التي رفعوها في مظاهرات أبريل 1938 قائمة حتى بعد حصول البلاد على استقلالها ذلك أن الاستقلال سنة 1956 لم يؤد إلى تركيز الديمقراطية وبرلمان حقيقي ولم تنظم أول انتخابات ديمقراطية تعددية حقيقية سوى في أكتوبر 2011، أي بعد مرور ثلاثة أرباع القرن على مطالبة التونسيين المحتل الفرنسي بحقهم في "برلمان تونسي" حقيقي، حيث شاركت كل الأحزاب التونسية في تلك الانتخابات ولم تشكك في نزاهتها أي منظمة تونسية أو أجنبية. وجاءت انتخابات 23 أكتوبر 2011 لانتخاب أعضاء لمجلس وطني تأسيسي يضع دستورا جديدا لتونس ما بعد ثورة 14 يناير 2011، بمثابة تأكيد من قبل القوى السياسية التونسية على أن دستور الجمهورية الأولى بعد الاستقلال (1959) لم يؤد إلى ترسيخ الديمقراطية وتشكيل برلمان ديمقراطي مثلما نادت بذلك مظاهرات أبريل 1938 التي سقط فيها الشهداء منادين ببرلمان تونسي وحكومة. وطنية واتخذت الدولة في عهد بورقيبة من يوم سقوط أكبر عدد من الشهداء على يد المحتل ( 9 أبريل 1938) يوما للاحتفاء بشهداء مقاومة الاستعمار. وشهدت تونس في أكتوبر 2014 أول انتخابات لتشكيل برلمان تونسي ديمقراطي وتعددي وأعقبها انتخابات رئاسية تعددية أيضا، لتدخل بذلك تونس مطلع العام الجاري في ما اطلق عليه كثير من السياسيين والإعلاميين عصر "الجمهورية الثانية" التونسية القائمة على ديمقراطية حقيقية.. دون أن ينسى شعبها شهداءه ومطالبهم من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية، ودون أن تتأخر حكومتها ورئيسها المنتخبين عن الاحتفال بعيدهم اليوم، الدي يوافق الذكرى ال77 لاستشهادهم.