تلعب الأحزاب الحاكمة فى دول العالم المختلفة دورا مهما فى التأثير على الحياة السياسية.. وفى دول عربية عدة يزداد دورها ويتضخم، وتتحول أحيانا إلى لاعب أساسى واحتياطى أيضا، بمعنى أنها تظل مهيمنة على معظم مفاتيح الأمور. فى تونس تبدو المسألة الآن قريبة من الاستنتاج السابق، فهناك حزب مسيطر ومجموعة أخرى من الأحزاب الورقية أو الكارتونية، التى تقف على مسافة قريبة منه وإن اختلفت مسمياتها. بينما تظل أحزاب المعارضة الحقيقية تتصرف فى الخفاء، وإن ظهرت فى العلن لا تستطيع التأثير فى مجريات الأحداث، فدورها غالبا يكون بعيدا عن الحلبة السياسية. للتعرف على الخريطة الحزبية فى تونس من الضرورى إعادة قراءة هذه الخريطة من واقع التطورات التاريخية الرئيسية. فقد عرفت تونس الحياة الحزبية منذ حوالى قرن ونصف القرن من الزمان، ومن أبرز الضحايا المؤثرين في الأحزاب، الدكتور زياد الدولاتلي ومحمد النواوي. ومن أهم الأحزاب التي قادت الشعب التونسي حزب "تونس الفتاة" الذي تأسس عام 1908، وكان نضاله متصلا بالحركة الإسلامية التي كانت تنادي بالتحرر في نطاق الجامعة الإسلامية. كان من رجال الحزب البارزين عبدالعزيز الثعالبي، وهو من خريجي جامعة الزيتونة.. وقد أزعجت هذه الحركة فرنسا وسببت لها كثيرًا من المتاعب، فحلَّت الحزب سنة 1911، وتشتَّت شمل القائمين به ثم جرى تكوين حزب التجديد، وهو حزب شيوعي بعد بضع سنوات، ولم يكن مستقلاً بذاته، بل كان تحت لواء الحزب الشيوعي الفرنسي، وكان ارتباطه بالحزب الشيوعي الفرنسي ذا أثر سيئ على شعبيته.. لذلك لم يستمر طويلا، حيث كان موقفه سلبيا تجاه استقلال تونس ومتأثرا بالأفكار الشيوعية، وانتهي عام 1963، عقب اتهام عدد من عناصره بمحاولة الاعتداء على حياة الرئيس الحبيب بورقيبة في منتصف التسعينيات. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط الأنظمة الشيوعية في دول كثيرة، قرر النظام التونسى وقتها تغيير اسم الحزب الشيوعى ليصبح حزب التجديد. في عام 1920 أنشأ الشيخ عبدالعزيز الثعالبي حزب الدستور، الذى ضم مجموعة من الوطنيين التونسيين، وكانوا متمسكين بالثقافة العربية والبعد عن الثقافة الغربية، وكان الثعالبي وقتها يحارب الاستعمار الفرنسي.. لذلك تعرض أعضاء الحزب للاضطهاد من السلطات الفرنسية وانتهي الحزب بعد ثلاث سنوات عقب خروج الثعالبي منه. كان للحزب تأثير إيجابي ملحوظ، بعد استقلال تونس، فقد عارض كل الانتخابات التي أجراها الحبيب بورقيبة، وهاجم الاتجاه العلماني فى البلاد. وتطورت الأوضاع حتى أصبح الحزب الحر الدستوري من أبرز الأحزاب الجماهيرية التي ظهرت على الساحة التونسية خلال مرحلة النضال الوطني، وآلت إليه مقاليد الدولة بعد الاستقلال عام 1956. وسمي بعد ذلك الحزب الاشتراكي الدستورى، وتمكن من الوصول إلي السلطة، حتي أعلن النظام الجمهوري في العام التالي، وتحول اسمه وقتها إلي الحزب الاشتراكي الدستوري، ثم تحول اسمه مرة أخري في عام 1988 إلي التجمع الدستوي الديمقراطي وفاز بنسبة تتجاوز ال 80% من الأصوات في مقاعد مجلس النواب في انتخابات عام 1989. وفى انتخابات عام 2004 فاز الحزب الدستورى بكل المقاعد غير المخصصة لأحزاب المعارضة القانونية، حيث بلغت نسبة الأصوات أكثر من 90%، وبالنسبة لانتخابات المجالس البلدية في عام 2005 فقد حصل التجمع علي نحو أكثر من 4 آلاف مقعد وفاز مرشحوه ورئيسه زين العابدين بن علي في الانتخابات الرئاسية بنسبة وصلت لأكثر من 90%، وينتمي للحزب الآن كل أعضاء الحكومة الحالية. هناك مجموعة كبيرة من الأحزاب التى توجد على الساحة التونسية، تتفاوت درجات فاعليتها السياسية، وقد اعترفت تونس في أواخر العقد الماضي بالحركة الديمقراطية الاشتراكية قانونيا، التى كانت قد أنشئت في نوفمبر من عام 1983. كانت صحيفة المستقبل هي لسان هذا الحزب وفي الوقت نفسه أنشئ حزب الوحدة الشعبية، وكانت صحيفة الوحدة تمثله وناطقة باسمه. وفي عام 1988 اعترفت الحكومة التونسية بالحزب الاجتماعي التحرري وكانت تمثله صحيفة الأفق. وقد تزامن مع التطورات السابقة قيام السلطات التونسية بالاعتراف بصورة قانونية أيضا بالحزب الديمقراطي التقدمي، وتمثله جريدة الموقف، كما اعترفت الحكومة التونسية بحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، وظهرت معه جريدة الوطن لتكون ناطقة باسمه.. وفي أوائل العقد الحالي اعترفت السلطات الرسمية بحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. وإضافة إلى الأحزاب السابقة هناك نحو 8852 جمعية أهلية تلعب أدوارا سياسية مختلفة، خلال عام 2006.. من أهمها الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والاتحاد الوطني للمكفوفين والجمعية العامة للقاصرين عن الحركة العضوية ومنظمة الدفاع عن المستهلك والمنظمة التونسية للتربية والأسرة، وجمعية الصحفيين التونسيين والاتحاد التونسي لمنظمات الشباب والجمعية التونسية للمحامين الشبان وجمعية الدفاع عن التونسيين فى الخارج. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت هناك مساحة لاستقبال الجمعيات النسائية وتشكلت الجمعية النسائية "تونس 21" والجمعية التونسية للدفاع الاجتماعي والجمعية التونسية للأمهات "رابطة النساء"، إلي جانب جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان ومن بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وأنشئت فى عام 1977،أما الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة فقد أنشئت في عام 1987. وبعد حوالى عام افتتحت منظمة العفو الدولية فرعا لها فى تونس.