[email protected] يمكن وصف الرسالة التى وجهها 17 عالماً ومفكراً إيرانياً من بينهم مستشارو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية إلى الرئيس مطالبين فيها بتطبيق مذهب ولاية الفقيه، إلا أنها تمثل حماقة كبرى. وذلك لأنها محاولة خائبة لتصدير المذهب الشيعى الذى تبناه «الخمينى» زعيم الثورة الإيرانية وهو مذهب ولاية الفقيه. والذى بناء عليه تأسست دولة دينية فى إيران يتحكم فى نظامها السياسى فقهاء شيعيون لهم الكلمة العليا على القادة السياسيين. ورجال الدين هؤلاء يطلق عليهم فى التراث الشيعى المراجع الدينية، وهو نظام متكامل يكفل للفقهاء الشيعة أن يكونوا حكاماً على الملوك والرؤساء. وقد مرت الثورة الإيرانية بمراحل متعددة من الصراعات السياسية، وكان هدف قادتها الأوائل تصدير هذه الثورة لعديد من البلاد الإسلامية والعربية. مما أدخل الدولة الإيرانية فى مشكلات متعددة، لأن هذا السعى مثل اعتداء على سياسة الدول التى دعيت لتطبيق المذهب الشيعى الخاص بولاية الفقيه. وتجنباً لهذه المشكلات توقفت الدولة الإيرانية عن تصدير الثورة. غير أن الرسالة الإيرانية للرئيس «مرسى» تعد فى الواقع تجديداً خائباً لمحاولات تصدير الثورة الإيرانية! وقد شجع أصحاب هذه الرسالة لحث الرئيس «محمد مرسى» على التطبيق الكامل لمذهب ولاية الفقيه أن جماعة الإخوان المسلمين وإن كانت تؤمن بمذهب أهل السنة والجماعة، إلا أن القراءة الدقيقة لمشروعها الاستراتيجى هو إحياء الخلافة الإسلامية وتأسيس دولة دينية فى مصر. والدليل على ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة 25 يناير، وفى سبيل أن يندمجوا فى الحياة السياسية المصرية تخلوا عن التمسك بمبدأ الشورى، والذى كانوا يعتبرونه أفضل من الديمقراطية باعتبارها نظاماً غربياً مستورداً، وقرروا إنشاء حزب سياسى وطرحوا وثيقة تأسيسية على عدد من المثقفين كنت واحداً منهم. ولفت نظرى ونظر كثيرين أن هناك نصاً فى المشروع يقول ضرورة إنشاء «مجلس للمجتهدين» «بدون تعريف مؤهلاتهم» تعرض عليه قرارات رئيس الجمهورية والمجالس النيابية لإقرارها، بعبارة أخرى لو اعترض المجلس عليها فإنها لا تطبق. وقد كتبت فى «الأهرام» وقتها مقالاً قلت فيه إن هذا دعوة صريحة لتأسيس مذهب «ولاية الفقيه على الطريقة السنية»! وبطبيعة الحال ابتهجت الدولة الإيرانية بصعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم ومن هنا جاءت دعوتهم غير المشروعة للدكتور «مرسى» لحثه على تطبيق مذهب ولاية الفقيه على الطريقة الشيعية لأن فيه سعادة البلاد والعباد! وقد طالعت بدقة نص الرسالة المرسلة وهى تعرض بوضوح لا لبس فيه أسس إقامة دولة دينية، وهى تعتبر «أن مبادئ الإسلام تعتبر مرجعاً لمعالجة جميع المشاكل على الصعيد الوطنى والدولى وأن الولاية فى حقيقتها لله تعالى ولرسوله ولأوليائه». والمشكلة هنا أن هؤلاء الأولياء وتعنى بهم الرسالة المراجع الدينية الشيعية لهم اليد العليا على القيادات السياسية، حتى لو تم انتخابهم بالطريقة الديمقراطية. فهناك المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الذى يهيمن على البرلمان والوزارة وله حق الاعتراض على السياسات والقوانين التى يصدرها البرلمان بحكم مرجعيته المقدسة! وقد أفاضت الرسالة فى وصف التقدم الذى حدث فى مختلف جوانب الحياة الإيرانية ونسبته لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، بزعم أن هذه المبادئ فيها الحلول لكل مشكلات الحياة سواء فى الزراعة أو الصناعة أو البحث العلمى أو التكنولوجيا. وهذه مزاعم لا دليل عليها، لأن التقدم الاجتماعى حدث فى عديد من بلاد العالم لأسباب غير دينية، وتتعلق بقواعد تأسيس «الدولة المدنية» ونعنى دولة القانون، والاعتماد على مبادئ الحداثة، وأهمها أن العقل هو محك الحكم على الأشياء وليس النص الدينى. وقد استنكرت عديد من الدوائر السياسية والدينية فى مصر هذه الدعوة لتطبيق مذهب ولاية الفقيه. فقد استنكرت الرسالة «الجبهة السلفية» واعتبرت «الجماعة الإسلامية» وحزبها «البناء والتنمية» الرسالة الإيرانية تدخلاً شيعياً فى دولة سنية. بل إن القيادى الإخوانى المعروف «عصام العريان» كتب فى موقعه على «فيس بوك» قائلاً إن مصر لن تكون إيران ولا أفغانستان ولا باكستان، ولن تكون شبيهاً ببلد آخر فى نظامها السياسى ولا تطورها الاجتماعى. وهذا فى رأينا تعليق مقبول، ولكننا كنا ننتظر رداً صريحاً وقاطعاً ومستنكراً من رئيس الجمهورية الدكتور «مرسى» الذى وجهت إليه الرسالة يؤكد فيه أن هذا التدخل الشيعى فى الأمور المصرية مرفوض من ناحية المبدأ. غير ان هذا الاتجاه السلبى من قبل الرئيس يتفق مع عاداته فى الصمت المريب على عديد من الظواهر والأحداث وكأنه يعيش فى عالم آخر! مثال ذلك تصريحه لوفد من رجال الأعمال بأن الانفلات الأمنى لا يحدث إلا فى مساحة ثلاثة كيلو مترات من مليون كيلو متر! هل هناك تجاهل للواقع الفوضوى فى مصر المحروسة أكثر من هذا التجاهل؟ وهل هناك خداع للذات أعمق من هذا الخداع؟