إن رؤية اليسار الإسرائيلى لا تجتاز اختبار الواقع، كما أنه لا يفهم دوافع رئيس السلطة الفلسطينية "أبومازن"، ومن الصعب عليه رؤية المخاطر المرتبطة بالخروج من الأراضى المحتلة، إن الذين يقولون إنه بالإمكان التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين قريبا يضعون علامات استفهام ولا يفهمون الواقع. دولة إسرائيل لديها وفرة تجارب فى الخبرة الأمنية والسياسية التى تشمل سياسة عريضة تتمثل فى خطة فك الارتباط عن غزة وترك حماس تصل إلى سدة الحكم، ومنذ ذلك الحين يعيش سكان منطقة الطريق الدائرى حول غزة فى كابوس متكرر، وعلى الرغم من هذا فهناك من اليسار الإسرائيلى من اقترح خطة انفصال جديدة عن الضفة الغربية وذلك بعد خطة الانفصال الأولى عن غزة، حاولوا أن تتخيلوا ماذا كان سيحدث إذا فعلنا هذا، فإن الطريق الدائرى حول تل أبيب كان سيصبح مثل الطريق الدائرى حول غزة بكل ما يحمل هذا من معان استراتيجية، كما أن إسرائيل لديها تجربة سياسية تتمثل فى التهرب الدائم من جانب الفلسطينيين من التوصل لاتفاق. وبدلا من تحليل الدوافع والخلفية والخطوات التى تتم فى الشرق الأوسط وفى العالم فإن أبواق الدعاية تنشر شعارات جوفاء خالية المضمون تتناسب مع الضحالة التى تفشت فى عالم وسائل الإعلام الجديد، فالحملة الإعلامية التى خلقت أوهام التوصل إلى السلام خلقت معها خيبة أمل للجانبين الإسرائيلى والفلسطينى . فى السياق الشرق أوسطى العالم يمر بعدة عمليات غير مشجعة، أولا أن الأقليات المسلمة فى أوربا يعززون أنفسهم وهذا يزيد من الضغط المباشر على إسرائيل من جانب الدول الأوربية، ثانيا أن الإخوان المسلمين فى مصر وسوريا والأردن وغيرها من البلدان يعززون أنفسهم أيضا، والعدو الوحيد الذى يمكن أن تضعف شوكته بعد سقوط الأسد هو حزب الله، والقاعدة قد ضعفت قليلا لكنها تنجح فى أن تكون موجودة فى سوريا التى أصبحت فى مرحلة الانهيار، إن تعزيز جماعة الإخوان المسلمين التى لا تقبل بوجود إسرائيل يعرض معاهدات السلام الموقعة بين إسرائيل ومصر والأردن والفلسطينيين للخطر. ومصر حتى الآن تحظى بدعم سواء فى الميزانية أو فى الجيش، لذا فهى تتبع نهج التعامل بضبط النفس لكن عندما تدرك أنها لا تستطيع معالجة الفقر وحين يبدى شعب مصر الغضب والتذمر ضد سياسة الحكم فهناك احتمال أن توجه القيادة المصرية هذا الغضب نحو إسرائيل والذى قد يصل لدرجة إلغاء اتفاق السلام وشن حرب ضد إسرائيل كما حدث فى الماضى. أبومازن وحركة فتح يسيطران على الضفة الغربية بسبب الوجود العسكرى الإسرائيلى هناك، وأبومازن يدرك ذلك وهو يدرك أيضا أنه إذا تم عقد الانتخابات العامة فى السلطة فإنه سوف يسقط، فمن ناحية يريد أبومازن بقاء الجيش الإسرائيلى فى المناطق المحتلة لحمايته والحفاظ على السلطة، ومن ناحية أخرى يأمل أيضا فى تعزيز الخطوة السياسية التى تقدم بها إلى الأممالمتحدة وذلك من أجل الحفاظ على مظهر السلمية أمام العالم الغربى لكى يظهر أنه يرغب فى إنشاء حوار مع إسرائيل ولكنه كلما اقتربت المفاوضات نحو نتيجة إيجابية يعرضها أبومازن للخطر من أجل عدم التوصل إلى اتفاق نهائى بشأن رحيل إسرائيل من الضفة الغربية لأن هذا من شأنه سيؤدى إلى صعود حماس وسقوط "أبومازن"، حقا إن "أبومازن" يناور بطريقته الخاصة بشكل يستحق التقدير. لا أستطيع إلا التحفظ بشأن رؤية اليسار الإسرائيلى، فالسعى وراء فك الارتباط عن الضفة الغربية إلى جانب حماسة الربيع العربى الذى أدى إلى صعود جماعة الإخوان المسلمين فى المنطقة، وعدم فهم دوافع "أبومازن" والشعارات الفارغة حول مسيرة السلام تجعلنى أتوصل إلى استنتاج مفاده أن اليسار الإسرائيلى على خطأ. نقلا عن معاريف