بالرغم من أن معظم الفصائل الفلسطينية خاصة تلك التي تطلق علي نفسها اسم فصائل الممانعة أعلنت رفضها المطلق لقرار السلطة الفلسطينية بالاستجابة الي الدعوة الأمريكية للدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل. إلا أنه من غير المتوقع أن يكون لمواقف تلك الفصائل بما فيها حركتا حماس والجهاد الاسلامي أي تأثيريذكر علي مستقبل تلك المفاوضات المقرر أن تبدأ في واشنطن خلال أيام معدودة. فالواقع يؤكد أن استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني قد قلص إلي حد كبير من تأثير حركتي حماس والجهاد علي قرار السلطة الفلسطينية علي عكس ماكان يحدث في السابق عندما كانت مواقف كل من الحركتين وبخاصة حماس تؤخذ في الحسبان ولو بشكل غير معلن حيث كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات( أبوعمار) يحاول التفاهم مع قيادة حماس بعيدا عن الانظار وكان يستخدم موقفها الرافض للمفاوضات والعملية السلمية بشكل عام كورقة ضغط علي الجانبين الاسرائيلي والأمريكي معا. ولعله ليس من قبيل الاسرار أن نعلن اليوم أن أبوعمار كان ينسق مع حماس في الكثير من مواقفها بل وكان يشارك في تمويل انشطتها المقاومة في الوقت الذي كان يجلس مع الاسرائيليين علي مائدة التفاوض وذلك بهدف واحد هو العمل للحصول علي أكبر مكاسب ممكنة للقضية الفلسطينية وقد دفع ثمن ذلك حياته عندما اثبت الاسرائيلين للعالم أن الرئيس الفلسطيني الذي يتفاوض معهم علنا يمارس المقاومة المسلحة سرا ولو عن طريق الفصائل الأخري وكان ضبطهم لسفينة الأسلحة كارين أيه وعلي متنها أحد مساعدي أبوعمار وهو السيد فؤاد الشوبكي أكبر دليل علي التنسيق بين السلطة والفصائل الأخري رغم أن الأخيرة وأصدقائها كانوا علنا يتهمون ابوعمار بالخيانة والتواطؤ مع الاسرائيليين ضدهم. أما الان ونتيجة للانقسام السياسي الفلسطيني وانفصال حماس بغزة عن الضفة الغربية والذي حدث في يونيو2007 فقد انقطعت الاتصالات بين السلطة وفصائل الممانعة وبالتالي باتت مسألة التنسيق ولو سرا ضربا من المستحيل وهو ماينعكس سلبا علي الموقف التفاوضي الفلسطيني وفي نفس الوقت يهمش دور حماس بقوة فقد بات بامكان الرئيس محمود عباس( أبومازن) أن يتوصل لاتفاق دون الرجوع للفصائل الأخري بعد أن اخرجت نفسها من لعبة السياسة الفلسطينية واكتفت بغزة والتي يعتبرها الاسرائيليون خارج دائرة التفاوض بدعوي أنهم انسحبوا منها نهائيا. واذا لاحظنا ردود الفعل العالمية علي تصريحات خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس يوم الثلاثاء الماضي عن المفاوضات المباشرة وجدواها فسنجد أنها تعكس عدم اهتمام جدي بموقف حماس لأنها لم تعد تلك الحركة صاحبة التاثير الكبير في القرار السياسي الفلسطيني بعد أن حصرت نفسها بنفسها في غزة وانشغلت بادارة الشئون الحياتية في القطاع ولكن الأهم من ذلك أنها فقدت مخالبها العسكرية فهي من ناحية تعيش حالة من التهدئة غير المعلنة مع اسرائيل بل وتمنع الفصائل الموجودة في غزة من ممارسة العمل العسكري وهي من ناحية أخري لم تعد قادرة علي شن عمليات كبري في الضفة الغربية وذلك بسبب الجدران والحواجز والتي بات معها تحرك نشطاءكتائب القسام الجناح العسكري للحركة شبه مستحيل علي عكس ماكان يحدث في الماضي عندما كان عناصر الحركة هم من يحددون مسار المفاوضات من خلال عملياتهم العسكرية خاصة الاستشهادية. وبالنسبة لبقية الفصائل الأخري والتي تشكل مع حماس جبهة الممانعة فانها عدا حركة الجهاد الاسلامي بلا تأثير ولو رمزي في الشارع الفلسطيني بل ان بعضها, لايضم أحدا سوي أعضاء قيادته ومعظم تلك الفصائل لاوجود لها أصلا في الشارع الفلسطيني ولاتجد لها صوت حقيقي في أي قضية لأنها في الغالب تعكس صوت حماس أو إيران وبقية ممولي الجبهة. وفيما يتعلق بالجهاد الاسلامي فان هذا التنظيم يكاد يكون ظلا لحماس رغم الخلافات الفكرية بين الجانبين ورغم معاناة عناصره من قمع حماس لرغبتهم في المقاومة علاوة علي أنه يعاني من انقسامات في قيادته خاصة بين مؤيدي الارتباط بحماس ومعارضي هذا التوجه والذين يشكلون الغالبية وبالتالي فلا تأثير يذكر علي حركة الجهاد علي مسار أي مفاوضات قادمة فالحركة قطعت كل الخيوط مع السلطة تقريبا في الوقت الذي جري تقييدها ومنعها من ممارسة المقاومة من جانب حماس بغزة. واذا كان المكتب الإعلامي لحماس قد قال في بيان له الأسبوع الماضي:' نرفض وندين قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية العودة للمفاوضات المباشرة مع الاحتلال الصهيوني, استجابة لدعوة الإدارة الأمريكية لاستئنافها في2 سبتمبر المقبل.., ونعد هذا القرار تفريطا بحقوق الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية, وصكا مجانيا لتبرئة الاحتلال وفك عزلته إثر جرائم الحرب والمجازر التي ارتكبها في عدوانه علي غزة واستهدافه لأسطول الحرية, كما أنها خطوة تمنح الاحتلال مظلة لاستكمال مشاريعه الاستيطانية في الضفة الغربية ومواصلة عدوانه علي شعبنا' فان الكثير من الفلسطينيين يعتقدون أن اصرار حماس علي استمرار السيطرة علي غزة وعدم توقيع اتفاق المصالحة هو التفريط الحقيقي لأنه أضعف المفاوض الفلسطيني من ناحية وأساء لسمعته من ناحية أخري خاصة مع تخلي الحركة عن المقاومة بشكل فعلي منذ وصولها للسلطة في اعقاب انتخابات يناير2006. واذا كانت حماس قد أكدت رفضها المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع اسرائيل, وقالت في بيانها أنها والشعب الفلسطيني' غير ملزمين بنتائج هذه المفاوضات العبثية.., التي لا تمثل إلا فئة قليلة ومعزولة وخارجة عن الإجماع الوطني الذي تمثل بالموقف السياسي المهم لأحد عشر فصيلا فلسطينيا عبروا عن رفضهم المفاوضات المباشرة وغير المباشرة, بينهم عدد من الفصائل الممثلة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية' فالواقع يقول ان مثل هذه المواقف باتت بلا تأثير كماهو الحال بالنسبة لغزة ككل بعد أن خرجت من المنظومة الوطنية الفلسطينية ولم تعد لاهي ولا الصواريخ التي تنطلق منها ذات تأثير حقيقي في الصراع العربي الاسرائيلي.