من ملعب القرية.. انتقلنا إلى منزل أسرة الطفل الضحية محمد ماهر.. كل شيء فيه حزين كئيب.. حتى الجدران بدت وكأنها تبكى «الملاك الصغير».. التقينا بوالدته شيرين عبدالسلام وبعد أن قدمنا لها واجب العزاء سألناها عن الحادث فقالت: « فى البداية أؤكد اننى اعلم جيدا أن ما حدث لابنى قضاء وقدر، ولكن ما آلمنى وضاعف مصيبتى هو حالة اللامبالاة من الإخوان وأنصارهم الذين تركوا الطفل غارقا فى دمائه وانشغلوا بتهريب السائق المتهم، ثم واصلوا مسيرتهم بكل برود.. أنا الآن لا أثق فى أى منهم نهائيا وأخشى على مستقبل طفلى احمد ويحيى إذا وصل مرشحهم إلى كرسى الرئاسة.. فهم لا كلمة لهم ولا عهد ولا أمان وقد لمست هذا عن قرب وعن تجربة شخصية».. تنهدت الأم الثكلى فى حسرة وألم واستطردت: «ابنى محمد كان قرة عينى.. كان راجح العقل يدرك كل ما يدور حوله.. وقت الثورة فوجئت به يخبرنى بانه يرغب ان يكون ضابط شرطة عندما يكبر، حتى يدافع عنا ويحمينا من البلطجية ويدافع عن بلده ضد الأعداء غير أن القدر لم يمهله.. بكت الأم الثكلى بكاء حارا ولم تستطع قول المزيد، واكتفت باصطحابنا إلى حجرته.. قالت: هنا كان ينام محمد وهذه الصورة هى ما تبقى منه.. أحرص كل يوم على تنظيف الحجرة وترتيب سريره وكأنه ينام فيه، واشتم ملابسه لعلى أجد ريحه فيها». تركنا الأم داخل حجرة فقيدها وخرجنا لنواصل الحديث مع والده ماهر محمد صديق.. سألناه عن حقيقة تنازله عن القضية بعد ان دفع له الإخوان دية ابنه.. رد غاضبا: «هذا الكلام غير صحيح بالمرة.. فأنا لم ولن أتقاضى مليما واحدا وسأستمر فى القضية حتى أرى قاتل ابنى خلف القضبان.. الإخوان تملكهم الغرور وأصبحوا يتعاملون مع الناس بنوع من التعالى حتى أن مرشحهم محمد مرسى قال فى برنامج تليفزيونى إنه سيحضر للعزاء ومواساتنا ولكنه لم يفعل. تدخلت جدة الطفل فكرية قائلة: « لن ننتخب الإخوان مرة أخرى، فقد رشحتهم فى انتخابات مجلس الشعب ولم يفعلوا شيئا، وعندما تسببوا فى مقتل حفيدى لم يكلفوا انفسهم عناء العزاء.. أعطيت صوتى لأحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية، وفى جولة الإعادة سأتوجه مجددا للجان الاقتراع وسأعطيه صوتى مرة أخرى، ومعى كل أهالى القرية.. لن نسمح بأن يحكمنا الإخوان المتمسحين فى الدين، والذين لا يسعون سوى لمصالحهم فقط». خرجنا من منزل الضحية وتوجهنا إلى الحضانة التى كان يحفظ فيها القرآن، وهناك أكد اساتذته أن محمد ماهر كان متفوقا فى دراسته، ورفضوا تصرف الإخوان فى الحادث وعدم اهتمامهم به موضحين انهم لن ينتخبوا مرشحهم فى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وان بعض الأطفال أعدوا لوحات وبوسترات مضادة لهم وسيقفون بها مع صورة الطفل الضحية أمام اللجان يومى الإعادة.