"ممر الصفصاف" هي إحدى الروايات التي تأهلت للقائمة القصيرة في جائزة البوكر، للكاتب أحمد المديني، حيث تسرد الرواية سيرة حيٍّ جديد يبدأ بالظهور والتشكّل في مدينة الرباط، يتم إنشاؤه بعيدًا عن ضجيج المدن الكبيرة، في هذا الحي، وتحديدًا في «ممر الصفصاف» ثمة شخص غامض يعيش في أحد شقق بناء «السعادة»، يخرج كل يوم صباحًا ليركض في خط سيرٍ ثابت لا يتغير. يتخذ الروائي إذن من الكلب «جاك» بطلًا لروايته التي يحكي فيها عن مدينةٍ ضاقت بأبنائها الفقراء فطردتهم وشتّتتهم. في "دوار ادليم"، حيث تقيم مجموعة من الناس، تأتي أوامر "المخزن" بإفراغ الأرض كي يقيم عليها مشاريعه. وبما أن القاطنين فيها لا يملكون مكانًا آخر يذهبون إليه، فإنهم يعتصمون في خيمة كبيرة يعدّونها لهذا الغرض، رافعين لافتة عليها عبارات الولاء للملك طالبين الإنصاف منه لتبقى الأرض لأصحابها المقيمين فيها، مما يدفع ب"المخزن" للجوء إلى القوة والعنف لإجلائهم. "نزلوا من جميع الجهات، وتفرقوا، مجموعة هاجمت الخيمة، من ينزع الأوتاد، من يرمي الأواني والحصر، من يمزق أطرافها، ولما تهاوت أشعلوا فيها النار،وبعدها عبروا إلينا حاملين العصي والبنادق كأنهم في حرب، ونزلوا يا سيدي يخبطون، لا يفرقون بين الرأس والظهر والأرجل". يصوّر الكاتب على امتداد الرواية سلطة "المخزن"، وهي أجهزة الأمن والمخابرات في المغرب، وكيف أن أول الأبنية التي يبدأ بناؤها في الحي الجديد هو بناء خاص بهم، إذ "لا يهم أن تتوفر للحي المدارس والسوق البلدي والمستشفى وأي منشأة حيوية أخرى، هذه المؤسسة أهم منشأة في المدينة، هي وأخواتها". هكذا، يصف الكاتب عمل هذه المؤسسات المكلفة بالاستبداد وحشر البشر في المعتقلات، مؤسسات متعطشة لاضطهاد الآخرين والتنكيل بهم. هذا هو واجبهم الذي يؤدونه بإخلاص، يتدخلون في حياة البشر، يزرعون مخبريهم في كل مكان، يستعينون بنواطير وحرس الأبنية، كي ينقلوا لهم أخبار الساكنين، يهددونهم: "عليكم أن تعرفوا النملة من أين تبول وإلا استبدلناكم". لا يجرؤ أحدٌ على أن يتجاسر عليهم، فهم "الشرع" والقانون في بلادٍ محكومة بالخوف والرعب. يروي الكاتب كيف بدأ يتشكّل الحي الجديد، يتنامى عمرانه، ويزداد الساكنون فيه، ثم يُبنى ثلاثة مساجد في حيٍّ صغير عدد سكانه لا يحتاج أكثر من مسجد واحد، في حين أن الحيّ ما زال يفتقد الكثير من المنشآت الأخرى. ينتقد الروائي مظاهر التديّن الزائف والتبتّل المصطنع، فاضحًا التجارة بالدين، فبناء مسجد يضمن للمتبرع بيتًا في الجنة، بينما بناء مدرسة أو مشفى أو دار للعجزة لا يضمن شيئًا، وكأن الأمر "مباراة مفتوحة للتسابق على الجنة". تلعب الرواية بين عالمي الواقع والخيال، توهم القارئ أن "غانم" هو الكاتب، ثم يتدخل المديني في النص، ليحاور "غانم" ويطلب منه الإذن في أن يعطي بطولة الرواية للكلب. تستمر اللعبة وتتأرجح الرواية بين العالمين. لكن "المخزن" المسئول عن الحقيقة والخيال أيضًا، عن الصحو والمنام، يكشف تلك اللعبة، يتهم "غانم" أنه ينتحل اسم "المديني"، وأنه يتخيّل أشياء يصدّقها ويعتبرها الحقيقة، ومنها مثلًا أنه لا وجود في كل الرباط لمكان اسمه "ممر الصفصاف"، فيمنعونه من العودة إليه، ومن استعادة مخطوط الرواية. إنه الاستبداد حين يطغى، لا يكتفي بتشويه الواقع فقط، بل يخرّب الخيال أيضًا! أحمد المديني كاتب مغربي من مواليد 1947، حاصل على دكتوراة الدولة من جامعة السوربون في الآداب والعلوم الإنسانية. يعمل برتبة أستاذ في مجال التعليم العالي. حصل على جائزة المغرب الكبرى للكتاب عام 2006 في فرع النقد والدراسات الأدبية، وعلى الجائزة نفسها عام 2009 في فرع السرديات (الرواية والقصة). له عدد كبير من المؤلفات في القصة القصيرة والشعر وأدب الرحلات والدراسات النقدية. وله 14 رواية، منها: "وردة للوقت المغربي"، "حكاية وهم"، "مدينة براقش"، "رجال ظهر المهراز"، "نصيبي من باريس" المرشحة ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد فرع الآداب لعام 2014-2015، و"ممر الصفصاف" المرشحة ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2015.