يصرخ الحاملون لهمومهم.. أيها الطبيب.. ألا يوجد عندك دواءً يشفى العلةَ والداء.. فكفى من ذكريات تشجينا أيها الزمن.. ألا تخبئ في طياتك حكيما يداوينا من ذكرانا فلا تُدمينا؟ في حياتنا أشياءٌ لا تلزمنا، ولا تضيف لنا شيئًا.. ونجدنا مصرين على الاحتفاظ بها، فالاحتفاظ بالأشياء عادة ربما يُرغمك عليها حب التملك والاحتفاظ بالأحداث وسيلة ترغمك عليها ذاكرتك.. والاحتفاظ بالأشخاص سلوك تدفعك له مرجعية اجتماعية. فكم من أشياء تحتفظ بها في بيتك أو عملك لا داعي لها... وكم من أحداث تقبع في ذاكرتك لا تثير إلا شجونا.. وكم من أشخاص لا جدوى من معرفتك بهم.. كل ما في حياتك وليس له مردود إيجابى.. لابد أن تتخلص منها، إنها كراكيب تتناثر في أطراف نفسك.. وتتبعثر على جوانب عقلك.. وتقبع في حنايا قلبك، كلنا نحمل فوق قلوبنا أحمالا ثقيلة، ذكريات سيئة تلدغنا، أحزانا نجترها فتوجعنا.. إنها ليست إلا كراكيب تحتاج عزمًا لمن يلملمها.. ويدا قوية تنتشلها من أعماق النفس، إن الذاكرة لا تستقر في الدماغ فقط كما يقولون، لكنها تسكن القلب والضمير، إنها كراكيب تؤلمنا فتجعلنا نئن من الألم.. تشغل حيزا فتضيق نفوسنا بها.. فلا نستقبل الجديد بتلك الأريحية إذا ما كانت نفوسنا خالية يقولون إن الذاكرة مرتبطة بالنفس.. ولا يمكن انتزاعها إلا بانتزاع نفسك، فكيف تنتزع نفوسنا التي ترتبط بها ذاكرتنا! إننا أحيانًا ما نجد أن من ذكرياتنا كانت في يوم ما سعيدة، ومع مرور الوقت باكتشافنا لأبطالها أنها لم تكن إلا خدعة فيصبح الممتع في يوم سابق مؤلما في يوم لاحق، لكن عندما تحررك ذاكرتك من أسر الذكريات السيئة، فأنت تستمتع بجزء كبير من حريتك.. إن أفضل حل قد يكون عمليا أو واقعيا هو أن تتجاهل كل ذكرياتك فلا تركن إليها.. وتفسح مكانًا لأحداث أخرى تعيشها، ولا تعيش فيك، تتنزع كراكيبك.. وتلقي بها في حافلة ترحل إلى الماضى.. ولا تعد مرة أخرى فتُفسد الحاضر، وتُكدر المستقبل.. مثلما تتخلص من كراكيبك المادية التي لا تحتاجها.. فتسبب ضيقًا ولا تستخدمها بل هي من يستخدمك.. فتعهد إلى أثاث جديد تستخدمه وتستغنى عن آخر لتترك للجديد حيزًا، وجود الكراكيب لا يعطيك فرصة لتستقبل جديدا، ووجود ذكرياتك السيئة لا يمهلك وقتًا ولا زمنًا، لكي تسعد بالجديد أو حتى تستقبله، ثلاث مراحل لابد أن تمر بها ذاكرتك كل فترة.. غربلة.. فرز.. واختزال.. حين تصل لمرحلة غربلة ذاكرتك.. وفرز حياتك.. تترك فرصة لتلقي الجديد، عندها تدرك.. فن اختزال السعادة.