وكأنهم الطير فى بكوره, خرجوا جماعات منذ السابعة صباحا ليقفوا على باب المحافظ اللواء صلاح المعداوى الذي رضي عنهم أخيرا, بعد شهور من المعاناة, ليقابلهم فى يوم مفتوح لتلقى شكاوى أبناء الدقهلية من المطحونين وأصحاب الحاجات, غير أن "الحلو" لم يكتمل! سكرتير عام المحافظة, وقف أمام الجمع لينظم تلك الأعداد الغفيرة التى جاءت طلبا للقاء اللواء المعداوى, وعندما وصل الرجل إلى الرقم 350 أمر بالكف عن قبول المزيد من الطلبات.. على باب القاعة الصغرى خرجت من بين جموع الشيوخ والعجائز والأرامل سيدة مسنة, سألت عن المحافظ فقالوا لها إنه لم يأت, فبدأت تحكى مظلمتها: عندي من العمر 50 عاما, ومن الأبناء 5, أسكن قرية الشراقوة بميت غمر, طلقني زوجي, فلم أجد بدا من العيش بمنزل ابنتي مع زوجها وأطفالها, ومنذ عشر سنوات وأنا أجاهد كي أقابل السيد المحافظ أملا فى منحى مسكنا أو يفتح لي باب رزق, لكن لا فائدة. وعلى مقربة من تلك السيدة, كان محمود غزى يقطع المسافة من باب القاعة إلى حيث يفترش الأرض جيئة وذهابا كلما سمع أحدهم ينادى على أسماء أصحاب المظالم والحاجات, لكن دون جدوى, ورغم ذلك راح يحكى قصته: اخذوا أرضي بالقوة وبنوا عليها مستودعا لأنابيب البوتاجاز لصالح أحد أعضاء مجلس الشعب السابقين, ذهبت للنيابة والمحكمة, وقالوا إن الأرض من حقي أنا وأن إقامة مستودع فى منطقة سكنية وبالقرب من محطة القطار بالمطرية, يمثل خطرا على الجميع, لكن أحدا لم يعد إلي حقي ومازال المستودع يتحداني ويهدد حياة مئات الأسر. سيدة أخرى تشق الصفوف وتصرخ: كلما قدمنا طلبا يقولون اذهبوا إلى الوحدة المحلية, ورئيس مجلس مدينة بلقاس يرفض مقابلتي من الأساس, فكيف لى أن أغير مكان الكشك الخاص بى من تلك المنطقة المهجورة والتى لا يرتادها زبون, ويعتبرها البلطجية مملكة خاصة لهم يفرضون الإتاوات. خارج القاعة كان معلمو جمعية تحفيظ القران يتجمهرون لتقديم مظلمتهم للمحافظ الذي بدا مثل "جودو" فى رائعة المسرحى الأيرلندي صامويل بيكيت, والذي طال انتظاره وأبدا لن يأتى, فراحوا يقسمون أنفسهم إلى فريقين, أحدهما يرابض عند المدخل "1" والثاني يحاصر المدخل "6", أملا فى الخلاص من اضطهاد رئيس مجلس إدارة الجمعية لقرابة 900 من المحفظين.. انتهى اليوم المفتوح, فلم يأت المحافظ, وبقى المتجمهرون يؤنسون وحدتهم بمظالم سكنت أوراقا بيديه وباتت حبيسة نفوسهم فالمسئولون صم وقلوبهم غلفت!