من يخشى لدغات الأفاعي لا يدخل شق التعبان.. «فيتو» خاضت المغامرة لكشف أسرار تلك المنطقة الصناعية التي تحولت إلى مصنع كبير لإنتاج المليارديرات الجدد.. لكنها أموال حرام قوامها تجارة سلاح ومخدرات وسرقات وفرض إتاوة واستيلاء على أراضي الدولة عبر وسطاء ينتمون لقبائل عربية تسكن الجوار, فتحولت المنطقة إلى مقاطعة لا تخضع للسيادة المصرية ويغلفها الخوف والموت وروائح المخدرات . قبل الدخول فى تفاصيل المغامرة المثيرة تجدر الإشارة إلى أن حوادث قتل غامضة وبلطجة كانت السبب الرئيسي فى الإقدام على محاولتنا اختراق شق الثعبان رغم خطورة الأمر الذي كان من الممكن أن يكون ثمنه الموت, فهنا قلوب بلا رحمة وضمائر لفها الكفن منذ زمن بعيد! الوسيط و الرخام عبر وسيط – عامل – تمكن محرر «فيتو» بملابس رثة وهيئة غير مهندمة معتمرا قبعة تشبه تلك التى يعتمرها هواة الصيد, مدعيا بحثه عن عمل من الالتحاق بإحدى الورش المملوكة لأحد أشهر حيتان شق الثعبان مقابل 40 جنيها – يومية – للعمل فى تكسير الرخام من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء لتبدأ المغامرة. صرخات فى عز «الضهر» مرت الساعات الأولى من اليوم دون شيء يذكر غير أن صرخات مدوية خرجت من مصنع مجاور يملكه رجل أعمال يدعى «جمال عبده» كانت كفيلة بأن نترك ما بأيدينا حيث كنا نقوم بنقل مخلفات التكسير إلى خارج الورشة, فتوجهنا نحو الصوت لعل احدهم فى حاجة للعون, فاكتشفنا أن صاحب المصنع هو من يصرخ بعد اكتشافه سرقة احد الأوناش من داخل المصنع.. و بعد فترة عاد الونش الذى يستخدم فى عمليات التكسير بعد دفع «المعلوم», و اتضح أن وراء سرقته مجموعة من أبناء إحدى القبائل المسيطرة على المنطقة ممن يفرضون إتاوات على أصحاب المصانع ومن لا ينصاع يكون جزاؤه السرقة وأحيانا الإيذاء البدني وقد يكون الموت!! مرة أخرى عدنا إلى الورشة و هنا راح ماجد عواد – عامل – يسرد تفاصيل الواقعة , فقال: إن صاحب الورشة كان قد رفض دفع «الغفرة» للعرب , و يقصد ب«الغفرة» مبلغاً مالياً مقابل الحراسة يحصل عليه بعض من أبناء القبائل من ملاك المصانع والورش عنوة بشكل شهرى.. مضيفا بأن «العرب» أرادوا تأديب الرجل بسرقة الونش وتوثيق العاملين لديه بالحبال كرسالة له ولكل من يحاول عدم دفع الإتاوة, والتى تقدر بحوالى ألف جنيه عن كل مصنع أو ورشة. حكايات من داخل الغرزة فى منتصف النهار حل موعد الغداء, فذهبنا – مجموعة العمال – إلى مكان أشبه بالغرزة , يمتلكه شخص اسمه مروان , ورغم رداءة الطعام والمشروبات إلا أنه لا مفر من تناول لقيمات يقمن صلب الرجل منا كى يستطيع مواصلة العمل الشاق الذى يقلل من صعوبته برودة الجو.. داخل الغرزة سجلت فى ذاكرتى مجموعة من القصص التى راح يرويها العمال ومروان – صاحب الغرزة – كنوع من تبادل الحديث ومحاولة للتغلب على ملل روتين العمل المتكرر كل يوم.. إحدى القصص – الواقعية – تدور حول عامل واحد أبناء «العرب» وقعت بينهما مشاجرة انتهت بإصابة الثانى ما استلزم خياطة الجرح بعشرة غرز, وبعد جلسة عرفية سريعة حكم على صاحب المصنع الذى يعمل لديه الطرف الأول بدفع ألف جنيه عن كل غرزة فى جسد المصاب, رغم أن الأخير هو من بادر بالشر, لكن لم يكن أمام صاحب المصنع سوى الاستسلام للأمر الواقع وتسديد المبلغ. لا تكاد القصة الأولى تنتهي حتى تبدأ قصة أخرى, بطلها سائق تاكسى شاب سرد حكايته مع بلطجية خرجوا عليه بطريق الأوتوستراد واخذوا منه سيارته, وبعد بحث علم أنها لدى بعض العرب والذين طلبوا منه دفع 15 ألف جنيه «حلوان» عودة سيارته إليه, و لم تفلح محاولاته فى تخفيض المبلغ خاصة وأن الأجهزة الأمنية رفضت مساعدته !! المحمية.. سوق السيارات المسروقة «المحمية».. اسم تردد كثيرا داخل الغرزة قبل أن يخبرني احدهم بأنه اسم المنطقة – زرتها مع نهاية اليوم - التى يبيع فيها بعض العرب سيارات وموتوسيكلات مسروقة مقابل 500 جنيه فقط للواحدة منها, على أن تستخدم داخل نطاق المنطقة لأنها ببساطة لا أوراق لها وحتما ستصادر ويقبض على من يقودها إذا ما وقعت في قبضة الشرطة, ومع ذلك فزبائنها كثر. ترامادول.. وبانجو قبل انتهاء العمل بساعات, وجدت «م.ج» - احد العاملين - يدس فى يدى «برشامة» وقال :«خد دى هتريحك».. سألته :«إيه دى؟».. رد :« يعنى مش عارف.. حباية ترامادول هتخليك ماتحسش بالتعب».. تظاهرت بأننى ذاهب لإحضار كوب ماء لأتناول «الحباية» ثم عدت لأعرف منه تفاصيل تجارة الترامادول والذى لا يباع الا عن طريق «روشتة» الطبيب قبل أن يصنف قبل أيام داخل مصر على أنه مخدرات يحظر بيعها. بدأ يحكى تفاصيل تلك التجارة الرائجة فى شق الثعبان بين العاملين وأصحاب الورش والمصانع فقال إن هناك العديد من صنوف الترامادول ما بين سليم و»مضروب» , ومنه الصينى والأمريكي والمصرى, و رغم ارتفاع سعره إلا أنه الأرخص بين أنواع المواد المخدرة الأخرى, فسعر الشريط الواحد 20 جنيها للمضروب و 50 جنيها للأصلى, ولا مانع من البيع القطاعى «بالحباية» مقابل 2 إلى خمسة جنيهات للبرشامة. ويتولى عملية ترويج الترامادول وباقى أصناف المخدرات من بانجو وحشيش مجموعة من «العرب» الذين يستخدمون «الموتوسيكل» للتنقل ما بين المصانع والورش والمناطق الجبلية التى تأويهم. سوق السلاح قبل أن ينتهى اليوم العصيب كنت قد اتفقت مع الوسيط على أن يمكننى من التعرف على احد تجار السلاح بالمنطقة بحجة شراء سلاح لاستخدامه فى الدفاع عن نفسى وبالفعل تم الأمر بعد عدة مكالمات هاتفية وتحدد الموعد بمساء ذات اليوم.. عدت إلى المنزل و استبدلت ثيابى بعد أن خلدت لبضع ساعات للنوم, وفى الميعاد المحدد اصطحبنى الوسيط إلى «المحمية» .. مركز تجارة المخدرات و السلاح والسيارات المسروقة بمنطقة شق الثعبان, وقدمنى إلى احد الأعراب فطلبت منه شراء «طبنجة» بأى ثمن.. دقائق تناولنا فيها الشاى ثم اصطحبنا التاجر إلى منطقة «المقلب» حيث تتجمع قمامة القاهرة كلها , فتفرز وتوجه لمقاصد مختلفة.. وهناك قابلنا شخصاً آخر فى أواسط عقده الرابع من العمر.. سألنى عن دوافعى لشراء السلاح فأخبرته واسلت لعابه بأن لى تجاراً أصدقاء يريدون شراء أسلحة للدفاع عن أنفسهم, فأخذنا الرجل فى رحلة مثيرة دخلنا فيها إلى عمق الصحراء عبر مدقات وعرة.. فى تلك البقعة المظلمة وعلى أضواء مصابيح السيارات قدم لنا الرجل مجموعة من الأسلحة لنختار منها: فهذه فرد روسى ثمنه 20 ألف جنيه, و آخر أمريكى من النوع الجرار مقابل 16 ألف جنيه فقط, و تلك باريتا إيطالي 50 طلقة 90 ملى ثمنها 32 ألف جنيه, أما «الجروتون» فمقابل 30 ألفا فقط. قائمة المعروضات اشتملت أيضا على أسلحة آلية مختلف بلد منشأها من إسرائيل إلى روسيا وأمريكا والعراق, بينما تتراوح أسعار طلقات الرصاص ما بين 7 إلى 12 جنيها, تنخفض قليلا إذا ما تم شراء كمية كبيرة منها.. و من بين السطور عرفت أن معظم هذه الأسلحة تأتى إلى شق الثعبان لحساب بعض أبناء قبيلة عربية تسيطر على المنطقة عبر الصحراء من السويس و سيناء,وانتهى اللقاء المرعب بتوصيل الرجل لنا لمنطقة نستطيع العودة منها إلى الديار, على وعد بالعودة مرة أخرى بعد عرض الأسعار على زملائي التجار لشراء ما يحتاجونه من أسلحة. مافيا الأراضي أما ملف الاستيلاء على أراضى الدولة فى منطقة شق الثعبان فالقائمة فيها تطول وتضم أسماء أباطرة ومسئولين وكوادر سابقين بالحزب الوطنى المنحل ممن استفادوا من النظام السابق بمساعدة بعض أبناء القبائل العربية ممن يمكنون رجال الأعمال من وضع أيديهم على أراضي الدولة بعد «تعريقهم» وهو ما يعنى منح هؤلاء الأعراب مبالغ مالية بدعوى أن تلك الأراضى ورثوها عن أجدادهم.. أبناء « أبو بكر .ح» ..عضو مجلس الشعب سابقا عن دائرة مصر القديمة والذي رحل قبل ثلاثة أعوام .. كان والدهم قد جاء إلي المنطقة في أوائل التسعينيات بعد أن كون ثروة من تجارته القديمة في الأعلاف بمنطقة الساحل , ثم اقترض من البنوك وكاد يشهر إفلاسه بسبب عشقه للسلطة حيث رشح نفسه في ثلاث دورات انتخابية لم يفز سوى فى دورة واحدة لم يكملها بسبب القدر .. و تسلم أبناؤه الإرث وهو عبارة عن مصنع علي 5 آلاف متر بيع نصفها تقريبا لسداد ديون الوالد للبنوك. «أحمد .س» صاحب مجموعة صناعية وكان عضوا بمجلس الشوري .. يعد من أوائل واضعي اليد علي منطقة شق الثعبان.. كون إمبراطورية عظيمة من مصانع الرخام والجرانيت واستطاع بعد ذلك توسيعها وتقنين الأوضاع من خلال النفوذ والعلاقات.. ويقع مصنع« أحمد » بجوار البوابة الرئيسية للمنطقة علي مساحة أربعة أفدنة كاملة. الشقيقان «طلال و حامد . ح» .. استطاعا من خلال قربهما من الدوائر السياسية بالحزب الوطني المنحل الاستيلاء على مساحات شاسعة عن طريق شخص غيرهما يدير اللعبة في الخفاء من خلال نفوذه الذى كان وهو رئيس اتحاد عمالى سابق, ولم يكتف الرجل بذلك بل مكن الشقيقين من تبوء مناصب محلية وحزبية نافذة , وذلك بالطبع قبل ثورة يناير, حيث ذهبت المناصب و بقيت الإمبراطورية!! كما يحتكر الشقيقان تجارة المعدات الثقيلة والجرانيت في منطقة شق الثعبان ولديهم خمسة أوناش عملاقة تكلفة الواحد خمسة ملايين جنيه واستطاعا ربح 12 مليون جنيه من توسطهم فى بيع أراضي الدولة لحساب العرب. أحمد . ج .. صاحب شركة للرخام والجرانيت .. تقدر استثماراته في المنطقة بمبلغ 40 مليون جنيه كما أنه صاحب أول خط انتاج ألواح الرخام والجرانيت والذي افتتحه وزير التجارة والصناعة قبل نحو خمسة سنوات إرضاء لجمال وعلاء مبارك نجلى الرئيس المخلوع بصفتهما صديقا الرجل, الذي استولى على الأرض التى يقيم عليها إمبراطوريته بشكل غير مشروع. مجدي . ع .. بدأ حياته في تجارة الخردة وقد ساعدته تجارته القديمة في ترويج منتجات مصنعه الذي أسسه في منطقة شق الثعبان لإنتاج الرخام والجرانيت علي الأرض التي استولي عليها بوضع اليد وقام بعد ذلك بتقنين الوضع من خلال علاقته الوثيقة برئيس حي المعادي وسكرتير عام سابق بمحافظة حلوان , قبل ردها لعصمة العاصمة.