فى محافظة أسيوط وتحديدا فى قرية «بنى فيز» التابعة لمركز صدفا.. لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.. الأهالى قابعون فى منازلهم خشية التعرض لمكروه، وأجهزة الأمن تحاصر القرية وتمنع دخول الغرباء إليها.. بينما نصب طرفا المعركة مدافع الجرانوف والهاون أعلى منازلهم وكأنهما فى حالة حرب.. أما سبب هذا الوضع المتأزم فهو مقتل امرأة فى الستين من عمرها على يد أبناء شقيقها على قضبان السكة الحديد أخذا بالثأر، فى سابقة هى الاولى من نوعها وتتنافى مع الأعراف الصعيدية والعادات المتأصلة فيهم والتى تمنع أخذ الثأر من امرأة ثم حاولوا منع دفنها.. محقق «فيتو» استطاع اقتحام القرية عن طريق أقاربه فيها ويرصد فى السطور التالية تفاصيل وحكايات غاية فى الإثارة: ما أن وصل المحقق الى القرية، حتى لاحظ علامات القلق والترقب فى كل العيون.. حاول أن يعرف حقيقة ما حدث على لسان شهود العيان ولكن الجميع رفض الحديث فى البداية.. واصل تجوله الحذر فى القرية إلى أن تقابل مع أحد الأهالى وسأله عما حدث فقال: « هى مأساة حقيقية أشعلت الحرب بين الأشقاء والأقارب وحولت القرية الى ساحة للمعارك الضارية».. قاطعه المحقق: «وما هو سبب تلك المأساة ؟».. أجاب الرجل فى حسرة: «كانت البداية قبل شهرين عندما حدثت مشادة كلامية بين الشقيقين عبدالستار، وأحمد بسبب قيام زوجة الثانى بضرب ابن الأول، فحمل بندقية آلية وتوجه غاضبا الى منزل شقيقه وهدده بالقتل إذا لم يأخذ له حقه من زوجته، وأطلق رصاصة فى سقف المنزل.. وهنا خرجت الزوجة ووقفت فى وجه عبدالستار وقالت: «لو كنت راجل اضربنى أنا بالنار».. لم يتردد وأطلق عليها وابلا من الرصاص فأرداها قتيلة فى الحال هى وجنينها ثم فر هاربا.» وعندما سأله المحقق عن كيفية تطور الأحداث قال: « أثارت هذه الجريمة استياء أهل القتيلة خصوصا أشقاءها، وعقدوا العزم على الانتقام والأخذ بالثأر رغم أن القاتل هو ابن عمتهم.. رفضوا أن يتقبلوا العزاء وراحوا يبحثون عن عبدالستار فى كل مكان ولكنهم لم يجدوه فقرروا قتل والدته والتى هى عمتهم.. بدأوا يراقبون تحركاتها ويتحينون الفرصة للنيل منها.. علموا أنها تستعد لزيارة ابنتها فى الاسماعيلية، حمل شقيقا القتيلة «محمد»،و«أحمد» وعمهما «قصدة» أسلحتهم الآلية وتوجهوا فجرا إلى محطة القطار وانتظروا ضحيتهم.. دخلت «أم عاطف» المحطة هى وشقيقتها وجلست على أحد المقاعد الخشبية انتظارا لقدوم القطار.. وفجأة ظهر أمامها الثلاثة وصوبوا بنادقهم إليها.. أسرعت بالهروب وهم خلفها وسط دهشة عدد قليل من الاهالى تصادف وجودهم فى المحطة.. نزلت على قضبان السكة الحديد فنزلوا خلفها.. تعثرت وسقطت على الأرض.. توسلت إليهم أن يرحموها وأن يتركوها تعيش.. ذكرتهم بأنها عمتهم ومن دمهم ولحمهم كما أنها امرأة وعار على الصعيدى أن يأخذ ثأره من امرأة.. لم يستمعوا إليها، وأمطروها بوابل من الرصاص أصابها فى الصدر والبطن والرأس وتركوها جثة هامدة على القضبان وفروا هاربين.» واصل المحقق بحثه عن تفاصيل وأسرار هذه الجريمة البشعة وتحدث مع شاهد عيان آخر عما حدث بعد مقتل «أم عاطف» فقال: « بعد ان أجرت النيابة المعاينة وأمرت بدفن الجثة، تسلمها أولادها من المستشفى وعندما اقتربو بنعشها من المقابر فوجئوا بسيل من الطلقات النارية ينهمر عليهم من مدافع جرانوف وهاون نصبها أقارب القتيلة- أصحاب الثأر- أعلى مبنى الجمعية الشرعية القريب من المقابر فى محاولة منهم لمنع دفن الجثة.. اضطر المشيعون الى التراجع ووضعوا النعش جانبا وتبادلوا إطلاق النار مع الطرف الآخر لعدة ساعات، ولم تتوقف هذه الحرب إلا بعد حضور قوة أمنية ضخمة يقودها مدير أمن أسيوط، واستطاع إقناع الطرفين بوقف إطلاق النار مراعاة لحرمة الموتى».. سأل المحقق عما حدث بعد ذلك وسبب توتر الوضع فى القرية حتى الآن؟.. استطرد شاهد العيان: «بعد دفن الجثة تجمع عدد كبير من أقارب أم عاطف حاملين أسلحتهم وهاجموا منازل الجناة، وأحرقوا 3 منها وأصابوا 3 أشخاص بينهم امرأة.. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وقف عاطف وسط القرية وأعلن على الملأ انه لن يهدأ له بال حتى يقتل عشرة رجال من أقاربه ثأرا لوالدته، ثم قام مع أشقائه وأنصاره بنصب 10 مدافع رشاشة من نوع الجرانوف، وحمل بعضهم قذائف ال آر بى جى، وراحوا يتجولون بها بالقرب من منازل خصومهم، وبين الحين والآخر تتجدد الاشتباكات بين الطرفين وكأنها حرب أهلية، ولا يجرؤ أحد من أهالى القرية على الاقتراب من المنطقة خوفا من الرصاصات الطائشة. عاد المحقق يسأل شاهد العيان عن موقف احمد الذى قتلت زوجته على يد شقيقه عبد الستار، وهل هو مع أهل الزوجة أم وقف مع أشقائه ضدهم فأجاب: «بالطبع انحاز لأشقائه حسب الأعراف والتقاليد الصعيدية، على الرغم من حزنه الشديد على وفاة زوجته الحامل وضياع أسرته فى لحظات».. انتقل المحقق إلى شاهد آخر وسأله عن علاقة أم عاطف بأهل القرية فقال فى تأثر واضح: « كانت كالنسمة.. تحب الجميع وتسعى للصلح بين المتخاصمين، وكانت تؤدى الصلاة فى اوقاتها خصوصا صلاة الفجر، وعلاقتها بزوجة ابنها القتيلة كانت رائعة جدا فهى عمتها وحماتها فى نفس الوقت.. ودائما ما كانت تحاول ان تبعد أولادها عن المشاكل خوفا عليهم من التورط فى خصومات ثأرية، ولم تكن تدرك أنها ستكون سببا فى اشتعال الحرب الأهلية بين عائلتها». قبل أن يترك المحقق قرية «بنى فيز» سأل بعض الأهالى عن موقف الشرطة من تلك الأحداث الدامية فأكدوا أن قوات الأمن لم تتدخل لوقف إطلاق النار واكتفت بالوقوف على مداخل ومخارج القرية لتأمينها.