سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"طه حسين" المعارض السياسي.. هاجم سعد زغلول.. عارض الملك فؤاد بسبب الدكتوراه الفخرية.. ساند ثورة يوليو.. تمنى رؤية مصر دولة ديمقراطية.. شارك في وضع الدستور.. وتصدى لفرنسا بعد العدوان الثلاثي
لم يكن طه حسين أديبًا مثقفا فحسب، بل كان أيقونة يحتفي بها دارسوها بكل فخر واعتزاز لمواقفه المشرفة ضد أعمال الفساد وهيمنة السلطات السياسية في عصره، فلا ظلم يقع بين يديه ويسكت عنه. وكان لعميد الأدب العربي، العديد من المواقف السياسية المعارضة، التي تكبد المشاق في مواجهتها، ولكنه كان أكبر منها بمعاونة محبيه ومريديه، في هذا السياق، نستعرض عددا من المواقف السياسية التي خاضها عميد الأدب العربي. سعد زغلول في مايو 1919، سافر الوفد المصري برئاسة سعد زغلول إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح، وكان طه حسين نال درجة الدكتوراه، ورأى أن يذهب إلى مقر إقامة الوفد ليلتقي أعضاءه، وكان باديا أن هناك فتورا من ناحية طه حسين في لقاء سعد زغلول، بسبب أن أستاذه "الشيخ جاويش" على خلاف سياسي مع زغلول، ولكنه أتم المقابلة والتقى عبد العزيز فهمي وصديقه المقرب لطفي السيد عضويّ الوفد. وفي المقابلة الثانية بعد نحو عام في باريس، كان الفتور هذه المرة من ناحية سعد زغلول، الذي عرف طه حسين سببه، وهو أنه وجماعة من تلاميذ الإمام محمد عبده عندما أحيوا ذكراه في الجامعة، خطب طه حسين في الحفل وقال إن مصر مدينة تعود يقظتها إلى ثلاثة رجال هم: "محمد عبده الذي أحيا الحرية العقلية، ومصطفى كامل الذي أحيا الحرية السياسية، وقاسم أمين الذي أحيا الحرية الاجتماعية، ولم يذكر سعد زغلول بشيء". وزاد الفتور بينهما حتى تحول إلى نفور وبغض مع مهاجمة الأستاذ لسياسة الزعيم بأسلوب اتسم بالأداء العنيف. معارضة الملك فؤاد عام 1932، قرر الملك فؤاد منح مجموعة من السياسيين الموالين له درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة المصرية، فتصدى الدكتور طه قائلا لوزير المعارف (حلمي عيسى): "إن الجامعة هي التي تمنح هذه الدرجات بوحي من نفسها، لا بوحي من الحكومة، ولا تستطيع أن تمنحها لأفراد حزبيين". وبعد الاحتفال بأربعة أيام، جاء في خبر صغير في جريدة المقطم بتاريخ 3 مارس 1932 ما نصه "حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية قد قرر نقل الأستاذ الدكتور طه حسين من كلية الآداب إلى وزارة المعارف العمومية، في وظيفة مساعد لمراقبة التعليم الأولي". وقام طلاب الجامعة وأساتذتها المصريون والأجانب بإرسال خطاب إلى الملك فؤاد يناشدونه عودة الأستاذ، حفاظا على استقلال الجامعة وحريتها، ثم اندفعوا في مظاهرة إلى منزل أستاذهم، لإعلان مساندتهم له، وعندما خرج لهم حملوه على الأعناق، وازدادوا حماسا به، وازداد صلابة بهم، ولقبوه ب "عميد الأدب العربي" وليس فقط "عميد كلية الآداب". إنذار بعدم العمل في 29 مارس 1932 أحيل طه حسين إلى المعاش، وفصل من عمله الحكومي، وأنذرت الحكومة المصرية البعثات الأجنبية حتى لا تقدم له عروضا للعمل. وخرج العميد من تلك المواجهة أقوى مما كان، وأصبح بطلا شعبيا كبيرا في نظر الجماهير، التي رأت أنه يتصدى لنظام ديكتاتوري قمعي بمفرده، فقررت أن تقف بجانبه، تؤيده وتسانده، وكانت تلك الوقفة الجماهرية نقطة تحول في حياة طه حسين وأفكاره، الذي أدرك أن انحيازه للجماهير البسيطة هو دائما الاختيار الصحيح، وأنهم القوة الحقيقية، ما انعكس على موقفه من حزب البسطاء "حزب الوفد" ولم يعد يناصبه العداء نفسه الذي كان من قبل. مع ثورة يوليو وكان طه حسين هو أول من أطلق لقب "ثورة" على أحداث يوليو 1952، وتبعه الناس بعده، وسيذكر أيضا أن العميد ساند الثورة وأيدها بكل جوارحه، ورأى في أحداثها حلمه القديم في أن يرى مصر دولة ديمقراطية، مدنية، يسودها القانون والعدل الاجتماعي لأبنائها، يحكمها أولادها لخير أولادها. فعندما هاتفه سفير مصر في روما ليخبره بما حدث في مصر، كان أول رد فعل للعميد أن هتف لزوجته "قامت الثورة في مصر، ثورة ضد الملك"، وكان من الانفعال أن سقط مغشيا عليه. واختير طه حسين ضمن لجنة الخمسين لوضع مشروع الدستور الجديد، وكتب في الأهرام بتاريخ 13 ديسمبر 1952 ليؤكد أهمية "ألا يكون الدستور منحة تهدى للشعب، فليست في مصر قوة تستطيع أن تهدي إلى الشعب دستورا، وإنما الشعب هو الذي يعطي نفسه الدستور الذي يريد". وكان رد فعل العميد جليلا عظيما عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فتنازل عن وسام "جوقة الشرف" الذي منحته له فرنسا، وتصدى لفرنسا بمقالاته التي هاجم فيها رئيس وزرائها، ووصفه بالمجنون، وذكره بهزائم فرنسا في تونس ومراكش والجزائر التي توشك على التحرر.