البابا تواضروس الثانى يصلى الجمعة العظيمة فى الكاتدرائية بالعباسية..صور    500 جنيه بالمدن و125 جنيها بالقرى، اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في مخالفات البناء    وزير الخارجية الأمريكي: لم ولن نؤيد أي هجوم إسرائيلي كبير على رفح    كهربا يهدد بالرحيل عن الأهلي بسبب موديست، وكولر كلمة السر    توخيل يلمح لإمكانية استمراره مع بايرن ميونخ    انتشال جثتي شخصين غرقا في نهر النيل بالمنيا    فتح البوابة الإلكترونية الخاصة بالتعليم الفني للطلبة المتخلفين عن تسجيل بياناتهم    غلطت إني صورت الحلقة، تعليق صادم من حورية فرغلي على أزمتها مع بسمة وهبة    أبرزها فريد خميس.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدا في الجمعة الأخيرة من شوال    الذهب يرتفع 15 جنيها في نهاية تعاملات اليوم الجمعة    محافظ المنوفية: مستمرون في دعم المشروعات المستهدفة بالخطة الاستثمارية    حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    عضو «ابدأ»: المبادرة ساهمت باستثمارات 28% من إجمالي الصناعات خلال آخر 3 سنوات    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    نعم سيادة الرئيس    السفارة الروسية بالقاهرة تتهم بايدن بالتحريض على إنهاء حياة الفلسطينيين في غزة    المحكمة الجنائية الدولية تفجر مفاجأة: موظفونا يتعرضون للتهديد بسبب إسرائيل    حاكم فيينا: النمسا تتبع سياسة أوروبية نشطة    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    أمين اتحاد القبائل العربية: نهدف لتوحيد الصف ودعم مؤسسات الدولة    نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة التنمية المحلية.. إنفوجراف    تونس تدخل تعديلات على قوانين مكافحة المنشطات بعد صدور عقوبات ضدها    الغندور: حد يلعب في الزمالك ويندم إنه ما لعبش للأهلي؟    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    تشافي: نريد الانتقام.. واللعب ل جيرونا أسهل من برشلونة    "لم يحدث من قبل".. باير ليفركوزن قريبا من تحقيق إنجاز تاريخي    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    وزارة الصحة توضح خطة التأمين الطبي لاحتفالات المصريين بعيد القيامة وشم النسيم    كشف ملابسات واقعة مقتل أحد الأشخاص خلال مشاجرة بالقاهرة.. وضبط مرتكبيها    إعدام 158 كيلو من الأسماك والأغذية الفاسدة في الدقهلية    خلعوها الفستان ولبسوها الكفن.. تشييع جنازة العروس ضحية حادث الزفاف بكفر الشيخ - صور    برواتب تصل ل7 آلاف جنيه.. «العمل» تُعلن توافر 3408 فرص وظائف خالية ب16 محافظة    تعرف على توصيات مؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته ال90    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتراجع ويحتل المركز الثالث    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    عمر الشناوي ل"مصراوي": "الوصفة السحرية" مسلي وقصتي تتناول مشاكل أول سنة جواز    مواعيد وقنوات عرض فيلم الحب بتفاصيله لأول مرة على الشاشة الصغيرة    دعاء يوم الجمعة المستجاب مكتوب.. ميزها عن باقي أيام الأسبوع    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة.. فيديو    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    مديرية أمن بورسعيد تنظم حملة للتبرع بالدم بالتنسيق مع قطاع الخدمات الطبية    بعد واقعة حسام موافي.. بسمة وهبة: "كنت بجري ورا الشيخ بتاعي وابوس طرف جلابيته"    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    قوات أمريكية وروسية في قاعدة عسكرية بالنيجر .. ماذا يحدث ؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طة حسين.. الكفيف الذي علم المبصرين!
نشر في الصباح يوم 30 - 10 - 2013


يكتب:
العميد فى ذكراه الأربعين
طه حسين «بصيرة» وطن.. وعقل ضد الاستبداد
الملك فؤاد يطلب طه حسين لرئاسة تحرير صحيفة الاتحاد ثم يفصله حين كتب عن الدستور والحياة الديمقراطية!
أزمة كتاب فى الشعر الجاهلى كان وراءها الملك فؤاد
سعد زغلول يدافع عن طه حسين سرا ويهاجمه علنا ويقول: وماذا علينا إذا لم تفهم البقر!
سر توقف طه حسين عن إكمال كتابه عن «الديمقراطية»!
لماذا رفض عميد الأدب العربى رئاسة تحرير أى صحيفة حكومية
طه حسين لرئيس الوزراء: هذا الوزير حمار ولا أحب التعامل معه
الملك فؤاد يتهمه بالتآمر ضده.. والعميد يرد برفض منح الدكتوراه لرجال الحكومة
د. طه حسين أسطورة مصرية وإنسانية يندر أن تتكرر أو تتشابه مع أحد!!
د. طه حسين الذى شغل الدنيا بكل ما يصدر عنه كلاما ومقالات ومؤلفات ومواقف عبر حياة حافلة ثائرة هادرة.
د. طه حسين عميد الأدب العربى: الذى سعى إلى كسب وده وقلمه وعقله حكام مصر: الملك أحمد فؤاد ثم الملك فاروق، وزعماء عصره من سعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهم، لكن طه حسين كان يؤمن بالمثل القائل: «البعيد عن السلطان سلطان» لكنه كان يؤمن بسلطان الشعب والديمقراطية وسلطان التعليم والثقافة، وسلطان وسلطة الدستور والقضاء.
ولم تكن حياة د. طه حسين ومشواره «1989 - 1973» إلا كفاحًا متصلًا ومستمرًا من أجل مستقبل أفضل لمصر.
انتصر د. طه حسين للمبادئ لا الأشخاص للأفكار لا الأحزاب، لهذا كتب مقالاته فى صحافة أحزاب الأقلية، كما كتب فى صحف حزب الأغلبية الوفد.
كان المهم عند طه حسين أن تصل أفكاره ومبادئه إلى كل الناس سواء كانوا مع حزب الأغلبية أو ضده حتى لو كانت مقالاته تنشر فى صحيفة حزب القش، أو حزب الشيطان، وهو الاسم الذى أطلقه الزعيم سعد زغلول على حزب الاتحاد الذى صنعه الملك فؤاد، ليقضى على شعبية حزب الوفد وزعيمه سعد زغلول.
لقد تألف هذا الحزب فى مكتب حسن نشأت باشا رئيس الديوان الملكى، وتقرر أن يصدر الحزب جريدة الوفد وبدأ البحث عن رئيس تحرير لها.
وطلب الملك فؤاد أن يصبح د. حسين رئيسًا لتحرير الصحيفة.
وفيما بعد روى د. طه حسين تفاصيل القصة فقال إن قصر عابدين اتصل به وأخبره أن الملك فؤاد يريده أن يتولى رئاسة تحرير جريدة الاتحاد، فقال د. طه حسين:
إننى أريد أن أسمع هذا من الملك نفسه.
ويضيف د. طه حسين: وفى اليوم التالى قابلت الملك، وتوليت بعد هذا رئاسة تحرير تلك الجريدة، ولكنه غضب على حين ناديت بالدستور وتحدثت عن الحياة الديمقراطية.
لقد كان الملك فؤاد يظن أنه بتعيين د. طه حسين فى هذا المنصب سيتراجع عن أفكاره بشأن الدستور والحياة النيابية، وقبل ذلك بعامين وأثناء مناقشات إعداد دستور سنة 1923، وكان د. طه حسين يكتب فى تأييد الدستور الديمقراطى، وحسب تعبيره فى كتابه الأيام غير ملق بالا إلى القصر ولا إلى صاحب القصر الملك فؤاد، الذى أحسن لقاءه ومنحه كثيرًا من العطف والبر والتشجيع، وفى ذات يوم ينبئ ثروت باشا، رئيس الوزراء صاحبنا بأن القصر ساخط عليه، وبأنه يحاول أن يصلح الأمر.
ولم يستمر د. طه حسين، طويلًا فى جريدة الاتحاد التى كان كل همها وهدفها هدم زعامة الوفد وزعيمه سعد زغلول، وهو الأمل والحلم الذى فشل فى تحقيقه الملك فؤاد!
**
إننى أكره طه حسين ولا أحبه، لكننى أحترمه!
هكذا قال الملك فؤاد: ذات يوم «لسيلاكوه» مدير المتحف المصرى، وللدلالة على هذه العبارة قال د. طه حسين: لما أصبحت الجامعة الأهلية، جامعة حكومية ناقش مجلس الجامعة موضوع هيئة التدريس، وكان من رأى بعض أعضاء المجلس أن أظل فى درجة مدرس، ولكن الملك فؤاد، لم يوافق على هذا على الرغم من أن الخلاف بينى وبينه قد بدأ، ومما قاله: إن طه حسين يجب أن يكون أستاذًا.
وحينما ذهب إليه أحمد لطفى السيد مدير الجامعة يعرض عليه أسماء الأعضاء الذين اختارهم للمجمع اللغوى قال الملك فؤاد كيف تضع كل هذه الأسماء وتنسى أحسن واحد عندنا.. تنسى طه حسين.
هذا كلام فارغ ضع اسم طه حسين أقول لك ذلك برغم إننى أكرهه إننى أكره طه حسين ولكننى أحترمه!
يؤكد د. طه حسين: الملك فؤاد كان يكرهنى لأنه ضد الديمقراطية السياسية التى أدعو إليها.
وفى نفس العام كانت تجرى الانتخابات النيابية عام 1925، وتوسل حزب الأحرار الدستوريين إلى د. طه حسين أن يخوض هذه الانتخابات، لكنه رفض هذه الفكرة وكما يقول د. طه حسين بعد ذلك كان الملك يريد برلمانا لا سلطة ولا حقوق له ولم يكن يريد سيادة وطنية ولا مسئولية وزارية، فالملك محاط بحاشية رديئة ومن الطبيعى إنى مع الحكومة، ولست أنطلق فى ذلك عن روح حزبية، وإنما عن وعى إننى لن أؤيد الاستبداد على الإطلاق.
وذات صباح تستيقظ مصر على أزمة سياسية وفكرية ودينية بالغة الخطورة فقد أصدر الشيخ على عبدالرازق القاضى الشرعى كتابه، الإسلام وأصول الحكم وقرر فيه أن الخلافة ليست أصلًا من أصول الحكم فى الإسلام، وأنها طرأت على الحكم الإسلامى، فى عصور متأخرة عن العصور الأولى.
تمت محاكمة الشيخ على عبدالرازق، وتم إخراجه من زمرة العلماء، لكن الهجوم الشديد والمفزع استمر على الرجل، لكن جريدة السياسة لسان حال حزب الأحرار الدستوريين وقفت معه مساندة ومؤيدة بعشرات المقالات، وكان من بينها مقال كتبه د. طه حسين عنوانه «سلام على الشيخ على عبدالرازق».
ولم يكن د. طه حسين يدرى أنه بعد عام واحد فقط يكون قد وضع نفسه فى نفس المكان عندما يصدر كتابه فى الشعر الجاهلى، وقامت القيامة، الملك والحكومة والإنجليز بل ومصر كلها.
الكل هاجم د. طه حسين وكتابه، الأزهر، الجامعة، الصحافة، البرلمان وتلقى تهديدات بقتله مما اضطر البوليس أن يفرض الحراسة الدائمة حول بيته لمدة شهرين.
وعن تلك الأزمة تقول زوجته سوزان طه حسين فى مذكراتها البديعة «معك»: الهزات التى سببها كتاب الشعر الجاهلى قد أساءت وضعنا، فالضجة التى اقترنت بهذا الكتاب وثورة الجهل والتعصب التى أعقبت صدوره، لقد بدأ كتابة هذا الكتاب فى يناير 1926 وأنجزه فى مارس من العام نفسه، كان يعمل به فى النهار ويحلم به فى الليل مدفوعا بحماسة بلغت به درجة أنه شرع فور إنجازه بتأليف كتاب عن الديمقراطية، لكن ما حدث له أرهقه ولم يكن يفهم هذا الحقد والرياء وتلك البراعة التى نجحوا بها فى تحريض أناس طيبين ضد إنسان شريف وفى جره إلى المحكمة بعد أن صادروا كتابه، والحملات القاسية فى الصحافة والشتائم، ومع ذلك فقد احتمل كل شىء بصلابة ورأس مرفوع.
وفوجئ رئيس الوزراء وقتها عبدالخالق ثروت باشا بالسفير البريطانى يزوره دون استئذان ويقول له: إيه حكاية طه حسين دى السنة اللى فاتت كانت حكاية على عبدالرازق والسنة دى حكاية ثانية لطه حسين لازم تشوفوا لكم حل!
ويرفع البوليس السياسى تقريرا إلى الملك فؤاد جاء فيه أن المنهج الذى اتبعه الشيخ طه حسين قد استعاره من ديكارت الفيلسوف الفرنسى وهو منهج الشك فى كل شىء.
وراحت الصحف خاصة القريبة من الملك تصور د. طه حسين للناس والعامة على أنه كافر، ملحد، زنديق، خائن، ينكر الإسلام ويهاجمه، ولم يكن ذلك صحيحًا على الإطلاق، ولم يكن غريبا أن يتظاهر طلبة الأزهر الشريف ضد طه حسين واتصل رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا بشيخ الأزهر الشيخ أبا الفضل الجيزاوى يسأله عن هذه الحملة التى يقوم بها الأزهر ضد طه حسين فقال الشيخ الجليل له الأزهر غير مسئول عن هذه الحملة فسأله ثروت باشا ومن المسئول إذن؟
فقال شيخ الأزهر إنه الملك فؤاد.
ووصلت المظاهرات الغاضبة التى تريد رأس طه حسين إلى بيت الأمة وخرج الزعيم سعد زغلول يخطب فى الجماهير مهدئًا سخطهم وغضبهم فقال لهم كلماته الشهيرة:
إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر فى الأمة المتمسكة بدينها، هبوا أن رجلا مجنونا يهذى فى الطريق فهل يضير العقلاء شىء من ذلك؟
إن هذا الدين متين وليس الذى شك فيه يقصد طه حسين زعيما ولا إماما نخشى من شكه على العامة فليشك من يشاء وما علينا إذا لم تفهم البقر.
وبعد سنوات طويلة يعترف د. طه حسين للكاتب الكبير محمود عوض معلقا على كلام سعد زغلول، فيقول: إن سعد هاجمنى أمام الجمهور مرة، اعتبرنى بقرًا ثم هاجم من هاجمونى، أمام أحمد لطفى السيد مرة وقال له: يا أخى يعنى طه حسين بتاعك ده، مش كان لازم يفتكر أن البلد مازال لا يتحمل بعد مثل هذا الكتاب.
وفى تفسير د. طه حسين أن سعد زغلول أراد تهدئة الجمهور لأن سعد دافع عنى أكثر من مرة قبل صدور الكتاب وبعده، وحينما تجدد عرض موضوع الكتاب على البرلمان بعد ذلك رفض سعد السماح بمناقشة الموضوع مرة أخرى، وقال للنواب:
هذا الموضوع انتهى ولا نريد أن نعود إليه من جديد.
وتنتهى تحقيقات النيابة مع طه حسين بقرار شجاع جاء فيه: تحفظ أوراقه إداريًا لأن القصد الجنائى غير متوافر والعبارات الماسة التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها.
العميد والملك
استشاط الملك فؤاد غضبا عندما طالع فى صحيفة الأهرام الصادرة بتاريخ 8 أغسطس سنة 1922 مقالًا عنوانه: أوصلونا إلى الدستور لنرتاح، وكان ما أكثر ما أغاظ الملك فؤاد أن الصحيفة الوقورة المحايدة كتبت تقول بصراحة ودون لف أو دوران إن الإبطاء فى إصدار الدستور يسئ إلى الجميع دون استثناء أحد، كبيرًا أو صغيرًا، حاكمًا أو محكومًا.
إن «الأهرام» يقصد الملك فؤاد ويتهمه ولابد من عقابه وأمر الملك فؤاد بتعطيل جريدة الأهرام، ورفض عبدالخالق ثروت باشا تنفيذ أمر الملك، وعلم المندوب السامى البريطانى «اللنبى» بالأمر وساند موقف رئيس الوزراء وتوصلا لحل وسط وهو إيقاف الأهرام عن الصدور ثلاثة أيام.
كان الملك فؤاد يعتقد أن المصريين لا يناسبهم الحكم البرلمانى هكذا اعترف للمندوب السامى البريطانى، ولم يخف عداءه وكراهيته لأى دستور سواء أكان حسنًا أم سيئًا.
ورغم مناورات ومؤامرات الملك فؤاد وثعالبه الصغيرة فى القصر أو الأحزاب الصغيرة فقد صدر دستور الأمة فى 19 أبريل سنة 1923 حيث نص فى مادته الثانية على أن جميع السلطات مصدرها الأمة.
كان الملك يصحو وينام على أمنية واحدة ووحيدة أن يتم إلغاء هذا الدستور ومحوه من الوجود، ولم يتحقق له هذا الحلم إلا بعد سبعة أعوام على يد إسماعيل صدقى باشا الذى تم تكليفه برئاسة الوزارة فى 20 يونيو سنة 1930، الذى قرر إلغاء الدستور فعلًا فى 22 أكتوبر من نفس العام، وأعلن بدلًا منه دستورًا جديدًا أهدر سلطة الأمة كاملة.
وسرعان ما قام صدقى باشا بتأليف حزب جديد أسماه حزب الشعب ثم قرر أن يصدر جريدة يومية اسمها الشعب، وراح يبحث عن رئيس تحرير لها حاول صدقى باشا إغراء د. محمد حسين هيكل باشا بالمنصب، لكنه رفض فتوعده صدقى باشا بالتهديد.
واتجه صدقى باشا إلى د. طه حسين الذى كان قد أصبح عميدًا لكلية الآداب بالانتخاب، ووافق على القرار وزير المعارف مراد سيد أحمد باشا، وبعد يومين ذهب طه حسين إلى وزير المعارف فى مكتبه ليشكره على صدور قرار التعيين، لكن المفاجأة أن الوزير يبلغه برغبة رئيس الوزراء صدقى باشا فى أن يتولى رئاسة تحرير جريدة الشعب، لسان حال حزب الشعب حزب صدقى باشا.
قال طه حسين للوزير إنه فى اليوم السابق، تحدث معه فى نفس الموضوع شخصان وزير المواصلات «توفيق دوس» باشا وعبدالحميد بدوى باشا رئيس قسم قضايا الحكومة، وكان جوابه هو الرفض بغير تردد: فهو لم يمض على انتخابه غير يوم واحد، وهو أول عميد مصرى للكلية، كما أنه لا يريد أن يترك دراساته ولا زملاءه الذين انتخبوه ولا كليته.
وعاد الوزير ليؤكد لطه حسين أن صدقى باشا لا يريده أن يترك دراساته بل يريده أن يتابع فى جريدة الشعب نشر مقالاته الأدبية وبحوثه إلى جانب المقالات السياسية، وأنه سيكون حرًا حرية كاملة، وأن صدقى باشا يؤكد لك استجابته مقدمًا لكل مطالبك مادية وغير مادية.
وتكرر رفض طه حسين فعاد الوزير ليقول له:
يظهر أن دولة رئيس الوزراء يعرفك جيدًا، فقد كلفنى أن أعرض عليك إذا لم ترغب فى التفرغ لرئاسة التحرير أن تبقى عميدًا لكلية الآداب على أن تكتب المقال الافتتاحى للجريدة فقط.
ويعتذر د. طه حسين لكن الوزير يعاود المحاولة، وينظر فى أوراق كانت أمامه قائلا: إن صدقى باشا يقترح عليك موضوع المقال الافتتاحى فى العدد الأول وهو «أن وجود حزب الشعب ضرورى لتحقيق المصالح المصرية الصحيحة»!!
يبتسم طه حسين قائلًا: دولة الرئيس يحسن اختيار العناوين!
وأخيرا يقترح الوزير كحل وسط أن «صدقى باشا» يرضى بأن تكتب المقال على أن ينشر بغير إمضاء.
ابتسم د. طه حسين وحسب ما جاء فى مذكرات د. محمد حسن الزيات زوج ابنته ووزير الخارجية زمن الرئيس السادات وعنوانها ما بعد الأيام وقال د. طه حسين للوزير.
«ليست المسألة يا معالى الوزير أن أكتب مقالا يملى علىّ موضوعه أو لا يملى وأن أمضيه أو لا أمضيه وأن تحكم فى مقابله المادى أو لا أتحكم أننى لا أستخفى إذا أردت أن أقوم بعمل من الأعمال، المسألة يا باشا أننى لا أعرف إن كان وجود حزب الشعب ضروريًا لتحقيق المصالح المصرية الصحيحة أم لا، ولكننى أعرف أن المصالح الصحيحة هى فى انصرافى إلى عملى فى كلية الآداب الذى لم يمض على تعيينى عميدا لها فى غير يوم واحد إن كتابتى فى جريدة الشعب تضرنا جميعا، ولا تنفع أحدا وليس من مصلحة الحكومة أن يعرف الناس أن الموظفين يكتبون فى صحيفتها، ولا ينبغى لعميد كلية الآداب أن يسخر نفسه للكتابة فى صحف الحكومة فيتعرض بذلك لازدراء الزملاء والطلاب جميعًا.
عند هذا الحد انتهى الحوار وفشل الوزير فى مهمته التى كلفه بها صدقى باشا رئيس الوزراء.
**
لم يكتف صدقى باشا فى حكومته التى ضمت عشر وزارات بأن يتولى منصب رئاسة الحكومة بل قرر فى نفس الوقت أن يتولى وزارتين هما الداخلية والمالية.
ويعلق د. طه حسين على ذلك الأمر بقوله: إن صدقى باشا يريد أن يحكم البلاد بسيف المعز -الداخلية- وذهبه -المالية-.
وأيقن د. طه حسين أن رئيس الوزراء لن يغفر له تلك الخطيئة أى رفضه رئاسة تحرير جريدة الشعب جريدة حزبه الذى هو حزب الملك فؤاد وصنيعته.
وأخيرا جاءت الفرصة الذهبية للانتقام من طه حسين فى أوائل عام 1932، وتولى وزارة المعارف وزير جديد هو حلمى عيسى باشا.
طلب الوزير الجديد من مدير الجامعة أحمد لطفى السيد تنظيم احتفال كبير يحضره الملك فؤاد حيث سيتم منح عدد من درجات الدكتوراه الفخرية لبعض الشخصيات الأجنبية والمصرية، ومضى الوزير يقول: إنه يريد أن تمنح الدرجة الفخرية له هو شخصيًا أولًا ثم لمدير الجامعة لطفى السيد ثانيًا ثم لرئيس مجلس الشيوخ يحيى إبراهيم باشا، ولرئيس مجلس النواب توفيق رفعت باشا ثم للوزير الحالى على ماهر باشا.
فوجئ مدير الجامعة بكلام الوزير وقال من غير المعقول أن تطلب درجة دكتوراه لنفسك، وينتبه معالى الوزير لهذه النقطة، ويقرر سحب اسمه واسم لطفى السيد الذى يعود ليؤكد له أن قانون الجامعة يقضى بعرض الموضوع على مجالس الكليات، ثم يلفت نظره إلى أن الأسماء المذكورة كلها من أنصار الوزارة ولا يوجد اسم معارض واحد.
واعترض د. طه حسين عميد كلية الآداب وقال ليس للوزير أن يقرر شيئا فى هذا الصدد أو أن يقترح شيئًا أن الحكومة تريد أن تمنح درجات دكتوراه فخرية لبعض أنصارها، ولا جانب لا تعرف حتى أسماءهم، وكأن المطلوب هو استعمال الجامعة فى إقامة مهرجان سياسى كبير للحكومة!
وطلب مدير الجامعة من عمداء الكليات زيارة وزير المعارف لبحث الأمر، وفيما بعد روى طه حسين للأستاذ الكبير محمود عوض ما جرى قائلًا: ذهبت إليه ومعى عبدالوهاب عزام رحمه الله، وفى أثناء الزيارة قال لى وزير المعارف يا طه حسين باعتبارك عميدًا لكلية الآداب نريد منك أن تقدم اقتراحا للجامعة بمنح الدكتوراه الفخرية لعدد من كبار الأعيان يحيى إبراهيم، وعلى ماهر، وعبدالحميد بدوى، وآخرين.
وقلت على الفور لوزير المعارف: يا باشا عميد كلية الآداب ليس عمدة تصدر إليه الأوامر من الوزير، أنا لا أوافق على إعطاء الدكتوراه الفخرية لأحد لمجرد أنه من الأعيان، لا أوافق ولا أستطيع حتى أن أعرض هذا الأمر على مجلس كلية الآداب لأن المجلس لن يوافق!!
وفى هذه اللحظة بدا التجهم والغضب كاملين فى صوت وزير المعارف ورد الوزير طيب أنت لا تسمع الكلام حنشوف مين ينفذ كلامه.
وفعلًا عرض الأمر على مجلس كلية الآداب الذى رفض ذلك الأمر كان لابد من عقاب د. طه حسين نتيجة مواقفه الحاسمة والرافضة، وجاءت المناسبة عند زيارة الملك فؤاد بعد أيام إلى الجامعة لحضور الاحتفال، ويروى د. طه حسين ما جرى وقتها فيقول:
كنت ضمن الذين استقبلوا الملك وقابلنى مقابلة طبيعية، وكان معه فى هذه الزيارة صدقى وعدلى يكن ووزير المعارف عيسى حلمى، وكانت عادة الملك أن يدخل المدرجات ويستمع إلى بعض المحاضرات، وقبل وصوله سألنى زملائى باعتبارى عميدا للكلية هل نلقى محاضرات خاصة بمناسبة زيارة الملك؟ قلت لا، كل محاضرة كما هى، وحدث أن دخل الملك محاضرة لأستاذ فى التاريخ، وكان موضوعها تطور الدستور الإنجليزى، ففهم الملك أن فى هذا تعريضا به لأنه كان قد عطل الدستور وطبعا فهم أننى الذى حرضت الأستاذ على هذا، وقوى هذا لدى الملك أن الطلبة قد هتفوا بحياة «عدلى يكن»، دون أن يهتفوا بحياة الملك أو صدقى، ولما سأل فؤاد عن سبب ذلك قال له وزير المعارف هذا من تدبير الدكتور طه حسين.
وبعد أيام أصدر وزير المعارف قرارا بنقل د. طه حسين إلى وزارة المعارف فى وظيفة مساعد لمراقبة التعليم الدولى، ورفض د. طه حسين تنفيذ القرار قائلًا: ليس من حق وزير المعارف أن ينقل أستاذًا جامعيًا، فالجامعة مستقلة ولا سلطان لأحد عليها.
ويكمل العميد قائلًا: حسب رواية د. محمد الدسوقى فى كتابه طه حسين يتحدث عن أعلام عصره طلبنى رئيس الوزراء وقال لى لماذا لا تنفذ قرار الوزير؟ فقلت له: هذا الوزير حمار، ولا أحب أن أتعامل معه، كما أنه ليس من حقه أن يصدر مثل هذا القرار فقال: لا تتعامل مع هذا الوزير وتعامل معى!
فقلت له: ولا أتعامل معك فقال إذن فأنا حمار مثله فقلت عفوًا يا باشا لم أقصد ذلك!! وانتهت المحادثة.
وانتفضت مصر كلها ضد الحكومة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.