في زمن لا أعلمه، قد يفهم بعضهم أننا يجب أن نعبد الله لأننا نحبه، فهذه هي أرقى عبادة، فالله سبحانه يقول في القرآن الكريم (والذين آمنوا أشد حبا لله)، وقال (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله)، وقال أيضا ( فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه).. ومحبة العبد لله يجب ألا تكون لسبب أو لعلة، فأنت تحبه وكفى، فإذا أحببته وكفى أحبك، وهو يحبك بغير علة أو سبب، فأنت لن تنفعه ولن تزيد من ملكه كما أنك لا تستطيع أن تضره، أنت في الحقيقة لا شيء.. خفف الوطء أيها المغرور «فلا أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد»، هل تعرف أيها الإنسان حجمك؟ أنت بالنسبة لحجم الكون صفر، تكاد تكون عدما، وعمرك بالنسبة إلى عمر الكون صفر، وكأنك لم تدب على الأرض أصلا، فلنفترض أن الله بسط لأحد خلقه في الجسم فجعله في حجم الكون، ولنفترض أن الله جعل هذا المخلوق يعيش من بداية خلق الكون إلى قيام الساعة، ثم وقف هذا المخلوق ينظر إلى الكون فهل سيراك ويلحظ زمنا مر عليك؟ أنت أيها الإنسان مثل «قبض الريح». أنت أيها الإنسان جُبلت على حب الأشياء التي ترى أنها اقتربت من الكمال وتسامت في الجمال، فإذا علمت أن الكمال الحقيقى والجمال المطلق ليس إلا لله، وأن ما تراه من كمال أو جمال هو من كمال وجمال الله، ساعتئذ لا يمكن أن تعبد الله إلا لأنك تحبه ولأنه هو المستحق للحب، وسيصل بك الشوق له أن تتمنى أن تراه وترى جماله وبهاءه وتسبح في نعيم نوره، فقد تمنى موسى أن يراه وكان الداعى لذلك شدة حبه له وشدة شوقه لرؤية جماله، ولتعلم يا رجل أن الدرجة العليا في الجنة هي في رؤية وجه الله (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) وهى لمن عبدوا الله حبا. فتخيل أيها العبد أنك في حضرة حبيبك، بين يديه، فهل ستنمق الكلام أم ستنطلق بقلبك قبل لسانك؟ اعلم يا صديقى أن الله لا يأبه بمظهر الإنسان ولا كلامه، ولكنه ينظر إلى القلوب، فقبل أن تبحث عن أن يتجه جسدك إلى القبلة ابحث عن أن يتجه قلبك إلى ربك، واترك قلبك في معيته، فإذا ذقت حلاوة الحب فأنت في الجنة الحقيقية.