في هدوء الليل وسكونه.. وعندما ينام الناس وتهدأ الأصوات والكائنات عندما تسمع عسعسة الليل.. وحفيف أوراق الشجر.. عندما يظهر ضوء القمر.. عندها يمكنك أن ترى نفسك على حقيقتها.. بعيدا عن الرياء والنفاق والمجاملات والمؤامرات والعبارات المنمقة والمعدة مسبقا.. بعيدا عن الخداع والغش.. فإن كنت قد استطعت أن تخدع جل الناس..فلن تستطيع أن تخدع نفسك.. في هذا السكون الصامت لن تستطيع أن تكون إنسانا آخر غيرك.. ولن تكون إلا نفسك.. وستخلع عنك كل المساحيق والأقنعة.. وحتما سترى نفسك بكل ما فيها من نقص وكمال.. وغش وأمانة.. وكذب وصدق.. وضعف وقوة.. وجبن وشجاعة.. ودناءة وطهر!! لا تحاول أن تهرب من نفسك.. فلن تستطيع الهروب مهماحاولت!! نعم لن يراك الناس.. ولكن يراك رب الناس.. قل لي أيها الإنسان المتعجرف.. ما غرك بربك الكريم؟! الذي خلقك فسواك فعدلك.. في أي صورة ما شاء ركبك.. الذي تسير على أرضه.. وتستظل بسمائه.. وتأكل من نعمائه..وتشرب من مائه.. وتأنس بوجوده.. وتلجأ إليه وقت الشدائد.. أنسيت أنك مخلوق من ماء مهين؟! فهل تراه كما يراك؟! وهل تسمعه كمايسمعك؟! أنت لا تستطيع أن تراه!!.. ولا تستطيع أن تسمعه!!.. ولكن يمكنك أن ترى قدرته في خضرة الزرع.. وقد تراها في دفء الشمس.. قد تراها في زرقة السماء.. وقد تراها في إبداع ألوان الزهور والطيور.. قد تراها في عجائب المخلوقات.. وقد تراها في جمال الربيع.. وقد تراها في ابتسامة طفل رضيع..وقد تراها في هدوء الليل وسكونه وجمال القمر.. وقد تراها في أنوار النجوم المتلألئة.. وقد تراها في زاك القلب الطاهر العفيف الذي يسكن أعماق وجوارح وكيان المؤمن.. وقد تراها في كل نبضة من نبضات قلب الهائم بحب الخالق المعبود.. وأنت لا تستطيع أن تسمعه.. ولكن تستطيع أن تسمع إبداعه في زقزقة العصافير وفى تغريد الطيور.. وفى خرير الماء.. وفى كل آذان ينادى على مدى الساعة في أرجاء المعمورة الله أكبر.. الله وأكبر.. وبعد كل هذا أما آن لك إيها المخلوق الضعيف أن تعود إلى رشدك؟! متى تستيقظ من غفلتك؟! بربك أخبرني؟! عندما تفاجأ بملك الموت يقبض روحك؟! عندما تترك في قبرك وحيدا ولا تجد عملا صالحا يشفع لك عند ربك؟! "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" صدق الله العظيم لمزيد من مقالات إسلام عوض