حرب أكتوبر أحدثت زلزالًا في المجتمع الإسرائيلي، ولا تزال توابعه مستمرة رغم مرور 41 عامًا على الحرب، وأنها هدمت كل المفاهيم الأمنية التي بنيت عليها إسرائيل منذ إقامتها، بهذا يقول الدكتور حسن على حسن –خبير الشئون الإسرائيلية، مدير الإذاعة العبرية الموجهة السابق، ويؤكد أن أبناء وأحفاد من حاربوا في أكتوبر 1973 يحاولون تضميد جراحهم، والتغلب على الآثار النفسية السيئة لانتصار المصريين، والمزيد في سياق الحوار... كيف ترى إسرائيل حرب أكتوبر 1973 الآن؟ يشير ما نشرته الدولة العبرية في الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر 1973 إلى أن هذه الحرب مازالت الغصة في حلق كل الإسرائيليين، وأن نتائج هذه الحرب مازالت علقمًا في أفواه الإسرائيليين، ووفقًا لما نشر العام الماضي فقد هدمت هذه الحرب كل المفاهيم الأمنية التي بنيت عليها إسرائيل منذ إقامتها، والتي تتمثل في ثلاثة عناصر، وهي: التحذير ثم الحسم ثم الردع، وهذ المراحل الثلاث اعتمدت عليها القيادة الإسرائيلية حتى حرب 1967. ومن وضع هذه العناصر هو أول رئيس وزراء في إسرائيل "ديفيد بن جوريون"، كما أن هذه الحرب كانت بمثابة المفاجأة التي هزت الكيان الإسرائيلى بالكامل بشقيها السياسي والعسكري، حتى أن لجنة "أجرانات" التي شكلت في أعقاب حرب 73 وجدت من الصعب تحديد مسئولية القصور الإسرائيلى وتحديد العنصر الأساسى لهذا القصور، لسبب بسيط، وهو أن اللجنة وجدت أنها إذا حملت الجانب السياسي مسئولية هذا القصور ستنهار الدولة بالكامل، ولهذا وضعت مسئولية هذا القصور في حرب 73 على القيادة العسكرية، على الرغم من أن اللجنة تدرك تمامًا أن الجانب العسكري ينفذ تعليمات وقرارات القيادة السياسية. ومازالت إسرائيل ترى - حتى الآن - في حرب أكتوبر73 أنها هدم الهيكل الثالث أمام أعينهم، وأن هذه الحرب كانت على وشك القضاء على حلم الفكرة الصهيونية، لدرجة أن رئيس العمليات أثناء حرب 73 قال: إن المعجزة وحدها هي التي أنقذت تل أبيب من الانهيار، وهذه الأقوال تؤكد مدى الصدمة التي أصيب بها المجتمع الإسرائيلى مع اندلاع حرب 73. ما هي رؤية القادة الإسرائيليين الذين خاضوا حرب أكتوبر بعد مرور 41 عامًا عليها؟ بيَّنت التقارير الإسرائيلية - التي نشرت مؤخرًا- أن القادة الذين خاضوا الحرب قالوا: إنه كان يمكننا تجنب حرب 73 لأننا لم نقبل العروض التي طرحها الراحل أنور السادات بشأن تنازل إسرائيل عن كل شبر وحبة رمل في سيناء مقابل السلام مع إسرائيل، وفى هذا الصدد يقول عضو الكنيست "عميرام متسناع" -كان لواء احتياط في 73 - بعد الحرب وبعد سقوط القتلى والجرحى الإسرائيليين تنازلت إسرائيل بالفعل عن كل شبر وكل حبة رمل في سيناء مقابل السلام مع مصر، وكان من الممكن منع حرب 73 التي مازالت آثارها قائمة ومازال المجتمع الإسرائيلى يعانى مرارتها، ويتساءل: هل القيادة الإسرائيلية استوعبت الدرس من 73 أم لا، بمعنى هل يمكن لها أن تمنع نشوب حروب مقابل السلام أم لابد أن تكون هناك حروب بكل نتائجها المفزعة حتى يحل السلام ؟ وهو يقصد من هذه المفاوضات الجارية حاليًا بين إسرائيل والجانب الفلسطينى حول تسوية القضية الفلسطينية، ويجيب بقوله: لا أعتقد أنه تم استيعاب هذا الدرس. هل أدت حرب أكتوبر إلى زعزعة الثقة بين الجنود وقادتهم ؟ هناك تصريحات نشرت مؤخرًا لأحد القادة الإسرائيليين في حرب 73 وهو يعقوب بروبيسكى، الذي كان نائبًا لقائد كتيبة 13، فقال: إن الحرب كانت قوية وعنيفة، وإن هذه الحرب تسببت في فقدان الثقة التام وكسر شوكة وحدوث شرخ كبير بين المحاربين وبين قياداتهم أو مع أي مسئول آخر، فأصبح الشك قائمًا في هذه القيادات الإسرائيلية، وإن فقدان الثقة الناتج عن هذه الحرب تطرق أيضًا إلى الحلم الصهيونى الذي انهار مع اندلاع تلك الحرب وبدايتها العنيفة. وأضاف "بروبيسكى" أن حرب أكتوبر زعزعت الثقة بصورة مازلت مستمرة حتى يومنا هذا لكل من شارك في تلك الحرب التي فقدنا فيها الأصدقاء والرفاق، وفقدت فيها الأسر أعز ما لديها وفلذات أكبادها بعد أن كانت تخطط في ذلك الحين التوجه إلى أوربا للمشاركة في مباريات المونديال في ألمانيا سنة 1974، ولكن اندلاع الحرب أثر ثأثيرًا كبيرًا في معظم الأسر في إسرائيل وعلى قطاع الشباب في ذلك الحين. هل هناك أسرار لم تكشف بعد عن حرب أكتوبر لدى القيادة الإسرائيلية؟ نشر مؤخرًا في الصحف الإسرائيلية أنه لدى مكتب وزير الدفاع الإسرائيلى "صندوق أسود مغلق" منذ حرب 73، ويخشى كل وزير دفاع جاء بعد هذه الحرب - حتى الآن- أن يفتح هذه الصندوق كى لا تحدث صدمة كبرى في إسرائيل، لأن به أسرارا رهيبة، وأن إسرائيل مازالت تتحفظ على نشر تلك المعلومات التي تعد نتائجها غير مرغوب فيها. كيف ينظر جيل الشباب الإسرائيلى لحرب أكتوبر الآن؟ إنه يتأذى مما تأذى منه آباؤه وأجداده الذين عاصروا الحرب، هم يتحدثون عنها حاليًا بمرارة بالغة بفعل ما رأوه في ميدان الحرب وساحة القتال، ويصف هؤلاء القادة حرب "يوم كيبوريم" بالقصور البالغ الذي نتج عن المفاجأة التي هزت أركان إسرائيل، وهدمت كل النظريات الأمنية، وقضت على التفاخر والتعالى الذي كان سائدًا بين قادة إسرائيل منذ حرب 67. كيف تنظر الجماعات المتطرفة دينيا إلى حرب أكتوبر الآن؟ الحريديم (الدينيون) كانوا منذ شهور لا يجندون في الجيش، لأنهم يقومون بدراسة التوراة، ولكن لهم رؤية تتعلق باستمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية المحتلة، ولا ينظروا إلى هذا على أنه احتلال وانما استعادة أرض الآباء وتراث الأجداد في هذه الأرض، وهم لم يشاركوا في حرب أكتوبر 1973، ولم يشعروا بما شعر به من كانوا في ميدان القتال أثناء الحرب، وبعض الجنود المتدينين الذين أرغموا على المشاركة في حرب 73 فروا هاربين بفعل التقدم المصرى في تلك الحرب.