25 فبراير 1986.. يوم فاصل فى تاريخ الأمن المركزى.. فى مثل هذا اليوم انتفض مجندون فى وجه الظلم، وخرجت حشود بالآلاف على قلب رجل وعبارة واحدة "لا" للرئيس "مبارك" ووزير الداخلية أحمد رشدى، بهدف توصيل رسالة ضمنية للنظام مفادها أننا بشر ولسنا عبيدا، بعدما تسرب إليهم خبر زيادة سنوات الخدمة من ثلاث إلى أربع سنوات.. راح ضحيتها آنذاك 107 مجندين أمام أعين المعارضة التى هنأت الرئيس بما فعل.. ولم تمت تلك الانتفاضة فى قلوب المصريين على مدار 27 عامًا ، بل إنها فجرت بركانا من الغضب اجتاح طغيان النظام وأسقط أركانه فى ثورة 25 يناير المجيدة. ففى مساء 25 فبراير 1986 خرج الآلاف من الجنود من معسكرين للأمن المركزى فى منطقة الأهرامات مندفعين بخوذاتهم ورشاشاتهم وبنادقهم فى مظاهرات مسلحة إلى فندق "الجولى فيل" الذى يقع فى مواجهة أحد المعسكرين، حطم الجنود وجهاته الزجاجية ثم اقتحموا الفندق وأحرقوا محتوياته، كما أحرقوا فندق هوليداى سفنكس، ومبنى قسم شرطة الهرم، وفندق ميناهاوس، وبعض المحال التجارية الكبيرة فى المنطقة.. وخلال ساعات نجح الجنود فى احتلال منطقة الهرم بأكملها بما فى ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوى وطريق الفيوم وترعة المنصورية، وفى الثالثة من صباح الأربعاء 26 فبراير أعلنت حالة الطوارئ وتم فرض حظر التجول فى تلك المنطقة. وفى السادسة صباحاً انتشرت قوات الجيش واحتلت عدداً من المواقع التى يتواجد فيها الجنود المتمردون، ونجحوا فى حصار الجنود.. وبعد معارك ضارية نجحت قوات الجيش فى السيطرة على المنطقة، وانتقلت بعدها الإضرابات إلى باقى معسكرات العاصمة، حتى إن كتلة من الفواعلية وعمال التراحيل والشحاذين والطلاب والعاطلين فى شارع الهرم انحازوا إلى جنود الأمن المركزى، وشاركوهم تحطيم الكباريهات والفنادق الموجودة فى المنطقة ومنها "كازينو الليل"، والأهرام، وبرج الهرم، والأريزونا، مما أزعج الطبقة الحاكمة وتم إعلان حظر التجول فى كافة مناطق العاصمة، و تحذير المواطنين من البقاء فى شوارع المدينة بعد ساعتين من قرار الحظر، خوفاً من أن تشجع حركة الجنود فئات أخرى على التحرك ضد النظام، خاصة أن عناصر من المهمشين والعاطلين بدأت تشارك جنود الأمن المركزى الفارين فى الهجوم على السيارات والمحال التجارية فى منطقة الدقى. الوضع خارج القاهرة كان أقل حدة، حيث انحصرت انتفاضة الجنود فى القليوبية والإسماعيلية وسوهاج داخل المعسكرات، واستطاعت قوات الجيش أن تحاصرهم وتنزع أسلحتهم بسهولة.. وكان الاستثناء الوحيد فى أسيوط حيث كانت الأحداث أشد عنفاً. ويقول مركز الدراسات الاشتراكية إن محافظ أسيوط آنذاك زكى بدر فتح الهويس (القناطر) فى أسيوط للحيلولة دون وصول جنود الأمن المركزى من معسكرهم فى البر الشرقى الذى أحرقوه وخرجوا منه، وذلك على غرار حادثة كوبرى عباس الشهيرة، واستخدم الجيش الطائرات لضرب جنود الأمن المركزى، مما رشحه لتولى وزارة الداخلية لجهوده فى مواجهة الأحداث. راح ضحية انتفاضة الأمن المركزى أكثر من نحو 107 قتلى من خيرة شباب مصر معظمهم من الجنود 104 فى القاهرة و3 فى أسيوط، و719 جريحاً. بعد سيطرة الجيش على الأوضاع آنذاك.. قبض على آلاف من الجنود من مواقع الأحداث بالإضافة إلى أعداد من المهمشين، وتم طرد 21 ألف جندى من الخدمة. وفور انتهاء مذبحة الجنود سارع زعماء المعارضة من أحزاب الوفد، والتجمع، والعمل، والأحرار إلى لقاء "مبارك"، وأعربوا عن استنكارهم لانتفاضة الأمن المركزى، وتأييدهم المطلق لسياسة النظام فى مواجهة الأحداث. لم تكن هذه الانتفاضة هى الأخيرة لهم فى فترة "مبارك" ففى عام 2009 رفضت كتيبة الأمن المركزى بمعسكر ناصر بالدراسة..أوامر القيادات بالتوجه لرفح بعدما وصلتهم أنباء عن مقتل مجند على الحدود بنيران العدو الإسرائيلى والتكتم على الخبر، بعدها اعتقلت أجهزة الداخلية مجموعة من الضباط قرابة 250 ، وأحالتهم للاحتياط. وفى نفس العام سيطرت وزارة الداخلية على ثورة 6 آلاف مجند وعسكرى ضد رؤسائهم بسبب سوء المعاملة فى معسكر التشكيلات لقوات الأمن، ففى أثناء طابو التمام فؤجئت الإدارة بتمرد جميع المجندين بالمعسكر وحطموا مبانى إدارة المعسكر والاستراحة المخصصة للضباط وصالة الألعاب والسجن العسكرى، وكعادة نظام "مبارك" قمعوا جميعًا. وجاءت ثورة يناير لتحدث تغيرا فى انتفاضات مجندى الأمن المركزى وكأنهم استجابوا لما قال الشاعر تميم البرغوثى، وقت ثورتهم حينها:" يا عسكرى أنا أصلى بس باستغرب.. لو لاقى تاكل وتشرب..قوم يا عم اضرب.. اضرب عشان الوزير من ضربتك يطرب.. لكن هتشتغل إيه لما الوزير يهرب؟"، ليعرفوا بعدها أنه "ما ضاع حق وراءه مطالب". ففى عام 2011 شهد قطاع الأمن المركزى بمنطقة الدخيلة بالإسكندرية حالة تذمر بين الجنود بسبب تعدى أحد ضباط القطاع على مجند، استولوا على أثرها على الأسلحة وإطلاق عدة أعيرة نارية فى الهواء وحطموا كل ما قابلهم داخل القطاع ثم خرجوا إلى الشارع وحاولوا تحطيم عدد من السيارات حتى وصلوا إلى قسم الدخيلة المواجه للقطاع وأشعلوا النيران فى سيارتى شرطة أمام القسم، ولولا قرار اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية وقتها، بوقف الضابط المعتدى عن العمل، وأحال الواقعة إلى قطاع التفتيش بالوزارة للتحقيق فيها لما تم السيطرة على غضبهم. وفى 2012 تمرد قرابة 10 آلاف جندى بمعسكر الأمن المركزى بالعبور نتيجة شائعة بوفاة أحد زملائهم، فخرجوا من معسكرهم وقطعوا طريق النهضة وحطموا المعسكر ورشقوا المبانى بالحجارة حاملين أسلحتهم فى وجه الضباط وتم السيطرة على الموقف بعد نفى الخبر. وبعد أحداث بورسعيد الأخيرة واستشهاد النقيب أحمد البلكى، وأمين الشرطة أيمن عبدالعظيم، طردوا وزير الإخوان اللواء محمد إبراهيم من صلاة الجنازة فى سابقة هى الأولى ضد وزير الداخلية، ليجبروا الوزير بعدها ليذهب إليهم بصحبة رئيس الوزارء والتعهد بتنفيذ أوامرهم لينجحوا هذه المرة أيضا فى اقتناص ما أرادوا.