في كتاب «أصول دراسات الأمن القومي.. أصول إدارة الدولة»، يرى مؤلفه الدكتور إبراهيم محمود حبيب أن الأمن القومى ليس علمًا منفصلًا بذاته كعلم السياسة أو الأمن، وإنما هو مزيج من العلوم المختلفة تتوزع بحسب أهميتها إلى علوم تكوينية وعلوم أساسية وأخرى مساعدة. الكتاب يرى أن الأمن القومى ليس خطا حدوديا بقدر ما هو هيبة ونفوذ، ورغم أنه من الناحية النظرية هو علم حديث، فإن المراجعات التاريخية تشير إلى أن تطبيقاته العملية تعود إلى آلاف السنين من قبل زعامات وقيادات تاريخية أدركته وفهمته فهمًا عميقًا. يتناول الفصل الأول من الكتاب التطور التاريخى لدراسات الأمن، ويقسمه المؤلف إلى أربع مراحل.. هي: مرحلة ما قبل الإسلام، ومرحلة ما بعد ظهور الإسلام، ومرحلة عصر النهضة في أوربا، وأخيرًا مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت أول ظهور رسمى لمصطلح الأمن القومى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، عقب انتصارها في الحرب وتشكيلها لمجلس الأمن القومي. يذكر الكتاب أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لعبت دورًا رئيسيًا في التأصيل لدراسات الأمن القومى كعلم مدون، وكانت أول دولة على مستوى العالم تعد صياغة مكتوبة لإستراتيجيتها للأمن القومي، وقد تبعها في ذلك العديد من الدول المتقدمة والنامية التي سعت إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة. وعربيا، يرى الكتاب أن الأنظمة العربية لم تبد اهتماما بهذه الدراسات، نظرا لطبيعة أنظمتها الشمولية التي تحاول أحيانًا إلباسها أثواب ديمقراطية مرقعة. وترتبط دراسات الأمن القومى بحسب المؤلف بعلم الجغرافيا السياسية والطبيعية والجيوبوليتيكا والتاريخ وفلسفته أيضًا، كما تستند إلى العلوم السياسية، وتعد الدراسات الإقليمية والنظم السياسية والدبلوماسية والعلوم الأمنية بكل أنواعها من أهم الأدوات المستخدمة في دراسات الأمن القومي، بل وتدخل في صميمها. كما يعتبر أن العلوم الدينية هي الملهم الأساسى والمحرك الفعلى للأمن القومي، لافتًا إلى أن الدولة التي تمتلك أيديولوجيا واضحة تستند إليها في تطلعاتها لتحقيق غاياتها القومية لا يمكن أن ترتقى نحو الرفعة دون أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار. وبناء على ذلك يعرف المؤلف الأمن القومى بأنه مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة وفق خطة تنموية شاملة لحماية مصالحها الداخلية والخارجية من أي تهديد، وبما يضمن تحقيق أهدافها وغاياتها القومية. وفى الفصل الثانى من كتابه، يتناول المؤلف سمات الأمن القومى ونظرياته ومفاهيمه ومدارسه، ويشير إلى أن الأمن القومى له خصائص أربع أساسية، فهو مفهوم إستراتيجى لكونه يعالج مكونات حياة الأمة والدولة المادية والمعنوية على المستويين المتوسط والبعيد المدى، وهو أيضًا حقيقة نسبية يتأتى من خلال تحديد الغايات القومية للدولة، كما أنه متغير لقدرته على توجيه الدولة نحو البناء الإيجابي، متحديًا ثوابت التاريخ والجغرافيا السيئة. والخاصية الأخيرة التي يتمتع بها الأمن القومى هي أنه يصعب وضعه في إطار محدد لعدم وجود إطار عام يحدد مفهومه وغاياته التي عادة ما تستنبط من مشروع قيادة الدولة. ورغم تعدد خصائص الأمن القومى فإن المؤلف يركز على ركنين أساسيين، الأول مادى ويضم كل العناصر والمقومات المادية لحياة الأمة والدولة المتمثلة في المسكن والمأكل وكافة مقومات الحياة، بما فيها فرص العمل والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وغيرها. والركن الثانى معنوى ويشمل كل العوامل المعنوية المتمثلة في الثقافة والحضارة والدين والعقيدة. كما يتطرق الكتاب إلى ثوابت ومحددات ومتغيرات الأمن القومى التي تصاغ على أساسها الخطط الإستراتيجية للدولة، إذ إنه لا يمكن لأى مخطط أو صانع قرار في الدولة أن يغفل حقائق الجغرافيا وتراكمات التاريخ والثقافة والدين أثناء رسمه للخطط الإستراتيجية. ويذكر المؤلف أن الباحثين ميزوا بين مفهومين للأمن القومي: الأمن التقليدي، والأمن الحديث، ولكنه مع ذلك يرى أن دراسته المستفيضة للتعريفات والنظريات القديمة والحديثة لمفهوم الأمن القومى جعلته يميز بين خمس نظريات أساسية تختزل فيما بينها كل الاتجاهات التنظيرية للمفكرين والخبراء في المجال الأمني والسياسي، والنظريات الخمس هي: - النظرية العسكرية (التقليدية)، وثانيتها هي النظرية الاقتصادية، وثالثتها هي النظرية التنموية، ورابعتها هي النظرية الإسلامية للأمن القومى التي تنظر إلى الأمن القومى على أنه مفهوم إنسانى حضارى عالمي؛ يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار المادى والمعنوى للإنسان باعتباره القيمة الأساسية في هذا الكون، ولا تعتمد هذه النظرية على العدوانية كفلسفة عامة في تطبيقها، مراعية مصالح الآخرين أيا كان جنسهم وقوميتهم، وتكفل كل مقومات البقاء والاستقرار في إطار فلسفة أخلاقية راقية، وهى نظرية أمن عالمي، صاغها رب العزة بقوله لرسوله صلى الله عليه وسلم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، ويعتبر الكاتب أن منظر هذه النظرية هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي استطاع بفهمه وقدرته العالية في إدارة الدولة أن يطبق الأمن القومى بمفهومه الشامل والأخلاقي، وظهرت ملامح إستراتيجية هذه النظرية -بحسب المؤلف- منذ أن حل النبى صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة، في تعامله وأساليبه في نشر الدعوة وحماية المسلمين. أما النظرية الخامسة والأخيرة فهى النظرية الوجودية للأمن القومي، التي وضعتها إسرائيل لتحافظ على وجودها، وصاحب هذه النظرية ومنظرها هو ديفد بن جوريون أحد مؤسسى إسرائيل ورئيس وزرائها الأول. يستعرض الكتاب في نهاية الفصل الثانى مدارس الأمن القومي، ويرى أنها تتمحور حول أربع مدارس هي: المدرسة العدوانية وهى التي تنظر إلى الأمن القومى على أنه حالة صراع وتنافس، والمدرسة اللاعنفية وهى التي تنادى بالاهتمام بالأبعاد الثقافية والسياسية والاقتصادية للأمن القومي، والمدرسة البنيوية وهى التي تنظر للأمن القومى على أنه جزء من العلاقات الدولية يتطور بتطورها بشرط توافقه مع السياسة الدولية، وأخيرا المدرسة الواقعية الجديدة التي تنبنى على البعد الشمولى للأمن القومي، وترى أن محددات الأمن القومى ثابتة لا تتغير. وفى الفصل الثالث يتناول الكتاب إستراتيجية الأمن القومي، ويعرض لأسس التخطيط الإستراتيجى للأمن القومى ومقوماته السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والجيوبوليتيكية، التي من خلالها تحدد الدولة ملامح أمنها القومي. كما يتناول المؤلف في هذا الفصل عناصر الأمن القومي، ورغم إقراره بصعوبة حصرها لأنه قد تستحدث عناصر جديدة، فإنه بشكل عام ميز بين تسعة عناصر أساسية هي: الأمن السياسي بشقيه الداخلى والخارجي، والأمن العسكري، والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن الثقافي، والأمن الإداري، وأمن المعلومات، والأمن البيئي، وأخيرًا الأمن الفضائي. يختتم المؤلف كتابه بالفصل الرابع الذي خصصه للحديث عن تحديات الأمن القومي، ويتناول مصادر تهديد الأمن القومى وسبل حمايته.