الدكتور علي السمان، رجل مليئ بالعطاء، توفي والده عندما كان عمره عامين ووالدته عندما كان عمره أربع سنوات، وتولت تربيته جدته لأمه، التي منحته الحنان وعلمته العمل الوطني منذ نعومة أظافره، واعتقل عندما كان عمره 16 عامًا، ولم يثنيه ذلك عن الاجتهاد والعمل الجاد للالتحاق بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، ومواصلة العمل الوطني. لعبت الصدفة دورا كبيرًا في حياة الدكتور علي السمان، وساعده ذلك للمجيء بالفيلسوف جان بول سارتر وسيمون دى بوليفار؛ لمقابلة الرئيس الراحل عبد الناصر، وما زال عطاء الدكتور السمان مستمرا حتى الآن. متى ولدت وكيف كانت طفولتك؟ ولدت في 18 ديسمبر عام 1929 بالمنيل في القاهرة، ثم توفي والدي عندما كان عمري عامين، وانتقلت لمدينة طنطا، التي ولدت فيها والدتي وهي من عائلة الخطيب، وعشت مع والدتي لمدة عامين آخرين، وتوفيت والدتي عندما كان عمري أربع سنوات، وتولت تربيتى جدتى لأمى، ودائمًا الجدة تمثل جانب الحنان، وقد أعطتنى نموذجا للعطاء، وطلبت الوصاية علىَّ، وحتى تشجع قاضي المحكمة الشرعية أن يعطيها الوصاية - خاصة أن الوصاية كانت لجانب الأب - فقد وعدت أن تربيني على نفقتها الخاصة، حتى آخذ أموالى عندما أصل سن الرشد. كيف أثرت فيك شخصية الجدة؟ العطاء الثاني لجدتى، وأعترف أنها كانت أمية، ورغم ذلك علمتنى أول درس أعطته لى كان في العمل الوطنى ضد الإنجليز، وكان عمرى 16 عامًا، وعندما اعتقلت وسجنت في قسم أول مدينة طنطا، وكانت جدتى آتية من سيدى مجاهد بجوار السيد البدوي، وكان رجال الشرطة والبوليس يريدون أن يسترضوها بأى شيء، وكانوا يذهبون إليها كل ليلة ليطمئنوها علىَّ، وكان لديها نفس العبارة التي تكررها عليهم، هل على خائف بداخل السجن؟ وكانت الرسالة التي تريد أن ترسلها لى "طالما عملت ما أنت مقتنع به فلا تخف"، وظل هذا الدرس في ذهني على مدى عمرى، وتوفيت جدتى عندما كنت في الصف الأول بالجامعة. وماذا عن فترة الدراسة الأولى وماذا تعلمت فيها؟ كان من حظى أن التحقت بمدرسة الأقباط الابتدائية في طنطا، وأحببت من حولى وكانوا من الأقباط، وهنا تتم تآلف المجتمع ومحبته، وارتبطت ارتباطا كبيرا برجل جاءت به الصدفة في طريقى، المطران مسيحة، وكان يستقبلنى كلما خرجت من الحصة فيقدم كل ما أود أن أشربه، وتولدت، رغم فارق السن، محبة ومودة. ثم تأتي صدفة تاريخية، أن ابن المطران مسيحة هو المسئول عن الكنيسة القبطية في باريس بعدها بنصف قرن، وحينما أقمت في باريس بصفتى رئيس الحوار، وكان هناك حفل استقبال للبابا شنودة، فاجأنا جميعًا عندما أعلن أنه ابن المطران مسيحة الذي ساهم بمحبة في تربيتي، وقال إنه احتفظ بهذا السر، لكي يقولها أمام قداسة البابا. هل شعرت بالحاجة لوجود الأب أو الأم في وقت ما، خاصة أنهما توفيا في وقت مبكر من حياتك؟ أصارحك، بوجود جدتى لم أشعر بذرة حزن لليتم ولم أعرفه ولم أكتشفه. وماذا عن فترة الشباب في حياة الدكتور علي السمان؟ التحقت بمدرسة طنطا الثانوية، اكتشفت أن اهتمامي بالعمل الوطنى بدأ مبكرًا، وكان أهلي من حولى كثيري القراءة في الصحف عما يحدث عن النشاط والعمل الوطنى، وجلسات ومناقشات البرلمان، وأذكر أن خالي مصطفى الخطيب، محتمل أنه كان يتعمد ألا يقرأ، ويتركنى أقرأ له حتى أعرف، كما أذكر المجموعة التي كوناها في تنشيط العمل الوطني ضد الإنجليز في ذلك الوقت، وبالرغم من أن الوقت كان بالنسبة لى مبكرًا لكنى قمت بذلك، وشاركت في شراء قنابل ضد الإنجليز، وكل ذلك كان لا ينفصل عن الالتزام الكامل بواجبي المدرسى، لذا أذكر أن رئيس البوليس السياسي عندما بدأ التحقيق معى، قال لى جملة لا أنساها: "شوف يا ابني أخطر ما فيك أننا عندما ذهبنا للقبض عليك، وجدناك تذاكر، يعنى عايز تفرقع القنابل وتروح بيتك تذاكر علشان تنجح"، هذا النوع من البشر خطر، كما أسماه رئيس البوليس السياسي، لأن لديه هدفا وأملا وحلما. كيف كان هدف وحلم الجامعة لدى الدكتور السمان؟ منذ أن كنت في الثانوية، وأنا أعرف أنى سأذهب إلى الجامعة، وكان خط السير بالنسبة لى يأخذ جنوب شمال، فقد ولدت في القاهرة، ثم ذهبت إلى طنطا، ثم إلى الإسكندرية حيث التحقت بالجامعة، وفضلت الإسكندرية لعلمي أن بها كثيرا من الأجانب، كما أنه كان يعيش في طنطا، وأثناء الحرب العالمية الثانية، عدد من "الطلاينة" واليونانيين، واكتشفت أني أحب الاختلاط بالأجانب، وبعد ذلك انتقلت للإسكندرية، وشعرت بأن هذا هو العالم الذي أريده لأكتشفه وأعرف لغاته بقدر الإمكان. هل انقطع العمل الوطني بعد التحاقك بالجامعة، وخاصة أنك قد اعتقلت في فترة ثانوي؟ استمررت في العمل الوطنى، والنضال ضد الإنجليز لكن على مستوى ثان، كونا في عام 1951 مع زملاء الجامعة كتيبة "أحمد عرابي"، وتدريب الكتيبة لإرسال الفدائيين لقناة السويس حيث الإنجليز، واستمر ذلك العمل حتى جاءت الثورة في 1952، وكنت من أوائل من أيدوا الثورة، وانضممت للثورة بإعلان رسمي مع 40 شابا جامعيا و5 أساتذة من الجامعة، وانضممنا لها في 24 يوليو، أي في اليوم التالي لقيام الثورة. لكن لماذا اختلفت مع ثورة يوليو؟ ما حدث يأتي من استقلالية الفكر والقرار، فأنا من الشباب الذين أيدوا هذه الثورة، لكنى مستقل الفكر والقرار، وما حدث أن بعد قيام الثورة بأشهر اعتقل زعيم المعارضة فؤاد سراج الدين باشا، وعندما قرأت في الصحف قائمة الاتهام توقفت أمام شيء يتعارض مع الذي أعرفه، وهى أنه كان من الخونة، أي المتعاونين مع الإنجليز، وما أعرفه عكس ذلك تمامًا، لأننا عندما أنشأنا كتيبة "أحمد عرابي" بالجامعة، كانت الحكومة حكومة وفدية، وكان فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد، وأيضًا وزير الداخلية والمالية، وكنا قلقين من أن من يدربونا في كتيبة أحمد عرابى عليهم أحكام ضدهم من الإنجليز، وخشينا في الكتيبة أن يُعتقل هؤلاء، لأن ذلك يعني أننا لن نتدرب. بعدها ذهبنا إلى جاردن سيتى شارع النباتات حيث يسكن، لنلتقى بفؤاد سراج الدين، وقلنا له ماذا سنفعل، ويشهد الله أنه قال: "العلاقة مع الملك لا تسمح بالحصول على قرار عفو لهم الآن، ولكن أعدكم بشرفي أنه لن يمسهم أحد لا من رجالى في الإسكندرية أو هنا"، ونفذ هذا الوعد، وما لم أنساه ما قاله سراج الدين في آخر الوقفة، "أعطونى دقيقة واحدة أطلع فوق" وعندما نزل أعطى المجموعة (500) جنيه عام 1951، وقال لنا: "علشان تكملوا شراء الأسلحة" فكيف لا يكون وطنيا؟ إذن فؤاد سراج الدين في ضميرى الباطن هو وطني، وهنا اكتشفت بنفسى حينما لا تتفق عبَّر عن رأيك. وماذا فعلت للتعبير عن رأيك في تلك القضية؟ أرسلت إلى المدعى العسكري الذي يحاكم عنده فؤاد سراج الدين، وقلت: "أضع تحت تصرف سيادتكم معلومات خاصة بفؤاد سراج الدين فيما عمله معنا وقت كتيبة أحمد عرابى عام 1951"، وجاء إلى قائد المنطقة العسكرية وقال لى: "يا علي أنت فهمتنى غلط يا ابنى، إننا لا نحاكم رجلا إنما نحاكم عصرا"، وقلت له: "آسف العدل عدل"، واكتشفت أن كلمة العدل مؤثرة فيَّ جدًا، لأن القدوة والنموذج لى كان عمر بن الخطاب. هل تغير حلم الجامعة بالنسبة لك، أم كان قرارك منذ الصغر الالتحاق بكلية الحقوق؟ كنت دائما أحب أن أدرس القانون، فالقانون بالنسبة لي يساوى "عدل"، ودخلت كلية الحقوق وأنا مقتنع تمامًا أن هذا هو المكان الذي أريده، وكان لى اثنان من الزملاء أحمد رجب والمرحومة حسن شاه، التي كانت أول الدفعة، وانتخبت رئيسة اتحاد الطلبة. ماذا عن الحب والمرأة في حياة الدكتور علي؟ في الجامعة أحببت أخت صديق وزميل لي اسمها "سوسن حافظ"، وكانت رياضية وعصرية جدًا، وكانت تدرس رياضة بدنية، وكان ذلك أول حب في حياتي، لكن كان هناك حب قبلها عندما كنت في الثانوية العامة، وكانت بالصدفة البحتة قبطية، لكني ارتبطت بسوسن حافظ لأنه كان لديها جرأة وشجاعة، وكان ذلك نادرًا في جيلها، وأذكر عندما اعتقلت جاءت حتى قسم البوليس، وطلبت أن تزورني، وعندما اعتُرِض على الطلب قالت لهم: "أبي رئيس محكمة وخالي رئيس نيابة"، ولم يكن ذلك الطلب بالأمر العادي في ذلك الوقت. هل تزوجت من السيدة التي أحببتها؟ بالفعل تزوجت من سوسن حافظ، لكن عندما سافرت أوربا عندما كنت في الجامعة كان معي زميلة أمريكية "جوليا" وكانت أول زوجة لي، وأنجبت منها ابني الوحيد "سام"، ثم انفصلنا، وتزوجت سوسن حافظ، وبعد نحو ثلاث أو أربع سنوات انفصلنا، لكن ظلت لها مكانة ومعزة حتى الآن.