بمرور الوقت تتكشف الحقائق، وتظهر على السطح كواليس الأزمات، خاصةً مع تصاعد وتيرة الأحداث على الساحة السياسية، وتحديداً عقب أزمة النائب العام، والتي تصدرت المشهد منذ إقالة المستشار عبدالمجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت عبدالله، بديلاً له. فى نهاية الأسبوع الماضي، قدم «عبدالله» استقالته إلى مجلس القضاء الأعلى، مبرراً ذلك بالضغوط التي يتعرض لها من المعارضين لتوليه المنصب، وعدم قدرته على الاستمرار فترة أطول. تصور البعض أن المشهد السابق سينهي الأزمة تماماً، وبذلك يهنئ المعارضون، الرافضون لبقاء النائب العام، لكن بعد نحو 48 ساعة، فقط، خرج «عبدالله» معلناً تراجعه عن الاستقالة، ورغبته في البقاء بموقعه. مصادر قضائية وثيقة الصلة بالنائب العام، كشفت ل «فيتو» تفاصيل تراجعه عن الاستقالة التى وقعها فى حضور عدد من أعضاء النيابة العامة، الأسبوع الماضي، بعد مفاوضات استمرت ثماني ساعات. المصادر قالت، إن عبدالله عاد إلى منزله ليلة تقديم استقالته، رافضاً الرد على كل المكالمات الهاتفية التى حاولت الاستفسار عن موقفه، وخطواته المقبلة، وفى صباح اليوم التالي، تلقى النائب العام، اتصالاً هاتفياً من المستشار أحمد مكي، وزير العدل، حيث طلب منه الأخير الذهاب الى مكتبه فى التاسعة صباحا، ومباشرة مهامه الطبيعية، ولو تم توجيه السؤال له من قبل الصحفيين، يكون الرد بأنه يسير الأعمال حتى انعقاد مجلس القضاء الأعلى، والبت فى استقالته. وبالفعل توجه النائب العام الى مكتبه لمباشرة أعماله دون التحدث مع أحد من نوابه المساعدين، وبعد وصوله زاره مساعد وزير العدل لشئون الدراسات القضائية، المستشار أحمد سليمان، تبعه وفد من حركة «قضاة من أجل مصر»، على رأسهم المستشار وليد شرابي، المتحدث الرسمي باسم الحركة. استمرت المناقشات نحو ساعة، أكد خلالها ضيوف المستشار طلعت عبدالله، أنهم لن يقلبوا بانتصار الجبهة الأخرى – رئيس نادي القضاة أحمد الزند- لذا عليه أن يتراجع عن استقالته، خاصة بعد المكاسب الكبيرة التى حققوها خلال الفترة الوجيزة التى قضاها في المنصب، حيث تولى عدد من أعضاء «قضاة من أجل مصر»، منصب محامي العموم على مستوى الجمهورية، خاصةً الاسكندرية، والقاهرة، وبورسعيد. وفى تمام السادسة مساء نفس اليوم، وبعد انصراف الموظفين من دار القضاء العالي، ظل النائب العام فى مكتبه، انتظارا لزيارة نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، ومستشار الرئيس، الدكتور عصام العريان، حيث دار نقاش حول الاستقالة، وظروف كتابتها، وتداعياتها. أعرب عبد الله ل «العريان» عن أنه لم يعد يحتمل البقاء فى المنصب، نتيجة للضغوط التى يتعرض لها، خاصةً رفض وكلاء النيابة التعاون معه، حيث أبدى «العريان» عدم رضاه عن قرار الاستقالة، مؤكداً إمكانية تصعيد نائب عام لا تستطيع الجماعة أو مؤسسة الرئاسة التعاون معه. وخلال الجلسة اتصل الرئيس محمد مرسي على هاتف «العريان» للتحدث إلى النائب العام، حيث استمرت المكالمة ما يقرب من نصف الساعة، شدد فيها الرئيس على ضرورة تراجع المستشار عبدالله عن استقالته، وعدم الاستجابة إلى طلبات وكلاء النيابة، وعقب المكاملة، اتفق «العريان» و «عبدالله» على المبررات التى سيسوقها الطرفان للرأي العام، حول أسباب العدول عن الاستقالة. نهاية الأسبوع الماضي، طلب النائب العام الاجتماع بمفتشى النيابة العامة، وحضر 30 منهم، في لقاء استمر ست ساعات كاملة، أمر خلاله «عبدالله» بإحالة بعض وكلاء ورؤساء النيابة المضربين عن العمل، للتفتيش القضائي، واتخاذ إجراء بشأنهم، ليكونوا عبرة لزملائهم، لكن مفتشى النيابة رفضوا المطلب وانسحب بعضهم من الاجتماع. بعدها بساعات، التقى «عبدالله» المستشار أحمد سليمان، مساعد الوزير للدراسات القضائية، وتمت كتابة الطلب الذى سلمه عبدالله الى المستشار محمد عيد، أمين عام مجلس القضاء الأعلى، بالعدول عن استقالته، بعد مراجعة وزير العدل، المستشار أحمد مكي، وفقا لنص المادة 319 من قانون السلطة القضائية، والتى تنص على أن وزير العدل وحده المختص بطلب عدول رجال القضاء عن استقالاتهم