ارتفع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الأحد    ارتفاع سعر الجنيه الاسترلينى بداية تعاملات اليوم الأحد 6-7-2025 فى البنوك المصرية    شهداء ومصابون فى قصف الاحتلال أنحاء متفرقة بقطاع غزة    حملات مرورية على الطرق السريعة لرصد المخالفات بالقاهرة والجيزة    روسيا: الحوار مع واشنطن جار ولا موعد جديدا للمحادثات.. بايدن وأوباما دمرا علاقات البلدين    ماسك يقرر تأسيس حزب أمريكا الجديد لمنافسة ترامب والديمقراطيين    السلطات الأمريكية: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 50 قتيلا على الأقل    برلماني أوكراني: واشنطن لن تدعم زيلينسكي في حالة اندلاع اضطرابات شعبية    صباحك أوروبي.. جنازة جوتا.. بديل نيكو ويليامز.. وصدمة موسيالا    أسعار العملات الرقمية اليوم.. البيتكوين يتراجع وسط استقرار في السوق    بدء اختبار الرياضة البحته للنظام الجديد الجيولوجيا وعلم النفس والاجتماع والجبر للقديم بالثانوية العامة    مصرع وإصابة 20 شخص في تصادم مروع على الطريق الإقليمي بالمنوفية    خبر في الجول - الزمالك يتفق مع عبد الله السعيد لتجديد عقده.. والتفاصيل المالية    خمسة لصحة عقلك| كيف تكتشف حقيقة الشائعات في 10 خطوات؟    مدارس النيل تُعلن انطلاق مهرجان مدرسي العام المقبل.. صور    ماهي شروط مزاولة مهنة المخلص الجمركي؟.. القانون يجيب    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    الأرصاد تعلن درجات الحرارة اليوم الأحد في مصر    تلاوات إذاعة القرآن الكريم اليوم الأحد    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    ماسك يُغيّر موقفه من ترامب و يُحذر: العجز الأمريكي يهدد بإفلاس وشيك    تنسيق الجامعات.. ننشر أماكن اختبارات القدرات لكليات الفنون التطبيقية    كيف حمت مصر المواطن من ضرر سد النهضة ؟ خبير يكشف    «اتباع وبيصور التقديم بتاعه».. الغندور يكشف مفاجأة تفريط الأهلي في وسام أبوعلي    إصابة 14 شخصًا في حادث انقلاب ميكروباص بالدقهلية    "زيزو كان بيمثل قبل القمة".. مصطفى يونس يكشف كواليس مثيرة عن توقعيه للأهلى    السقا وفهمي يكشفان كواليس «أحمد وأحمد»: حلم عمره 11 سنة.. وقدمنا مشاهد السقالات من غير واير    بالدش البارد ورمي الأدوية.. السقا يكشف تفاصيل تعديل سلوك أحمد فهمي لإنقاذ فيلمهما الجديد    "هاتوا استشاري يشوف الطريق".. عمرو أديب يرد على مقترح وزير النقل    طارق الشناوي يشيد بمخرج مسلسل "فات الميعاد": نجاح يعيده إلى بؤرة الخريطة    أحمد فهمي: «ابن النادي» ملوش علاقة برمضان صبحي.. ولا أتمنى منافسة بيراميدز    اللجنة القانونية ب"العدل": استكمال أوراق مرشحينا بالقاهرة.. وتقديمها خلال يومين    متى تعلن نتائج التعليم الفني 2025 الدور الأول بالاسم ورقم الجلوس؟.. آخر المستجدات والرابط الرسمي    إبراهيم صلاح: شيكابالا خرج من الباب الكبير    يتم تحديده فيما بعد.. «المحامين»: إرجاء تنفيذ الإضراب العام لموعد لاحق    في عطلة الصاغة.. سعر الذهب وعيار 21 اليوم الأحد 6 يوليو 2025    تغييرات جديدة بمركز البحوث الزراعية لرفع الكفاءة ودفع عجلة الإنتاج    صدق أو لا تصدق.. ميسي يُهدي هدفا لمنافسه بتمريرة كارثية "فيديو"    بعد ظهوره العائلي.. طارق الشناوي: الزعيم لا يزال في قلب الجمهور    «وصمة عار».. مصطفى يونس يهاجم «الدراع اليمين في الأهلي» ويكشف تفاصيل مفاجئة    مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال فى بيت لحم جنوبى الضفة الغربية    ياسر ريان: نجلى من أفضل المهاجمين.. مصطفى شلبي يشبه بن شرقي    آل البيت أهل الشرف والمكانة    ابتعد عنها في الطقس الحار.. 5 مشروبات باردة ترفع الكوليسترول وتضر القلب    مهمة لتفادي الأمراض.. الطريقة الصحيحة لتنظيف الفواكه والخضروات من الجراثيم والمبيدات    يؤثر على الجهاز العصبي.. أبرز علامات نقص الكالسيوم    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا عاجلًا لتيسير إجراءات الكشف الطبي للطلاب الجدد    قبل مناقشته غدًا.. تعرف على الجهات التي يسري عليها قانون تنظيم المهن الطبية    7 مرشحين تقدموا بأوراقهم باليوم الأول لفتح باب الترشح لمجلس الشيوخ بكفر الشيخ    الصلح خير.. الكفن يُنهي خصومة ثأرية بين عائلتي «أبوسريع وأبو سته» بقليوب    4 أبراج «قوتهم في هدوئهم»: شخصياتهم قيادية يفهمون طبائع البشر وكلامهم قليل    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    فينجادا: سأتذكر تألق شيكابالا دائما.. والرحلة لم تنته بعد    «أفريكسيم بنك» يدعم شركات المقاولات المصرية لاقتناص مشروعات ب 6 مليارات دولار    مسيرة حافلة بالعطاء تدفع 8 سيدات لاقتناص جائزة «الإنجاز مدى الحياة» في نسختها الأولى    فيتامين الجمال، 10 مصادر طبيعية للبيوتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آهِ يا مِصرُ كم تعانينَ منهم

على مشارفِ الذكرى الثانيةِ لثورة الخامس والعشرين من يناير ، أتدحرجُ بين النقائضِ والغرائبِ والعجائبِ المُدهشة ، لكأنني أسبحُ في دوّاماتِ الوهمِ السوداء ، زورقي اليأسُ والإحباط ، ومجاديفي علاماتُ الاستفهام والتعجّب المفتوحة على الفراغ واللاشيء .. !!
عامانِ غريبانِ في حسابِ الأيام ، أحيانا أشعرُ أنهما مرّا أسرع من طيفٍ عابرٍ على حافةِ ليلةٍ شتائيّةٍ دافئة ، ومِرارًا أراهما أطول من الدهر وأثقل من الجبل ! عندما أرمي خيالي في بحور الخيال أجدني لا أصدّق أنّ ثورة بمثل هذا العنفوان وهذا النقاء وهذا الجمالِ وهذا التفرّد قد قامت ببلادنا ، وعندما أفتح عيني وأعود إلى أرض الواقع وأفيقُ على القُبحِ والخسّةِ والخيانات .. تلقيني الأيدي القاسية في بحور الأكاذيب والخداع وأجدني في دوّامات الفوضى وسوقِ التواطؤ مُحاصرًا بالسماسرة والنخّاسين ، وسارقي الثورة والشهداء ، والمتاجرين بالدين ، والمتاجرين بالوطن ، والدين والوطن بريئان يستجيران ويستغيثان ، وهناك .... من الشرُفاتِ المطرّزة بالألوان السوداء وملابسِ الحداد تطلُّ أطيافُ الشهداءِ تبتسم في حياءٍ ورقّة ، وترمي علينا الدموع وباقات الأملِ لتعطينا القدوة في كلّ ملمَّةٍ خانقةٍ وتوقظ فينا الإصرار والتحدّي ، بينما دماؤهم لا تزالُ موزّعةً بين القبائل فلم نرَ مجرمًا واحدًا، أو فاعلا معلومًا، من القتلةِ الأحرار الطلقاءِ ينالُ جزاءه المناسب، بل غرقنا في مهرجانات البراءة للجميع في أكبر مهزلة تشهدها أمّ الدنيا!
لم يكن بيننا متفائل واحد يتخيّل أن قوّةً بالعالم تستطيع إنهاء دولة السيد الرئيس المخلوع وشركاه، فقد وصل الظلم والاستبداد والتجبّر والتغوّل إلى شواشي النخيل، بينما تمكّن أمن دولة المخلوع من السباحة في شراييننا، وتسلل وسكن تحت جلودنا، وبين تجريف ممتلكات الدولة من أموالٍ وأراضٍ وآثارٍ، إلى تجريفِ العقولِ بفعلِ أقلامٍ مدادُها مياه الصرف الصحّي، وألسنةٍ تمّ تعتيقها في مصانع الكذب والتضليل، وقع الشعب المسكين تحت الأنياب والمطارق والكوارث، وعندما فاض الكيلُ وبدأت الأجيال الجديدة تخلع جلابيب الآباء وتتحرر منها، قوبلت دعواتهم بالاستهزاء والسخرية والاستهجان، وما إن لاحت شرارة الرفض من خلف ساتر العالم الافتراضي، الانترنت، حتى فوجئنا بالأقلام الرخيصة تواصل دورها المقدّس في تشويه الأفكار والنيّات وتقاتل لوأدِ الأفكار في عقول الرافضين والطامحين إلى النور وشعاع الحريّة، وعندما قام أحد الإعلاميين بتوجيه سؤالٍ، لم يلتفت إليه كثيرون، إلى الوريث المنتظر حول الدعوات التي يروّجها الشباب على «فيس بوك» من أجل التظاهر وإعلان الرفض، التفت المغرور مستهجنا مستهزئا قائلا قولته الشهيرة: رد عليه يا حسين! ولم يشأ حسين أن يردّ.. (أتعرفون مَن هو حسين؟)!
كان الكبارُ ومنزوعو الدّسم الثوري قد ألِفوا الخضوع أو ألجمهم القنوط وقنعوا بالذلّ على أساس «مفيش حدّ بيبات من غير عَشا»، بينما الطامحون الجدد كانت أعينهم على الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، وكان اختيار الخامس والعشرين من يناير من أجل التنكيد على الشرطة في عيدها، أبناء الشرطة من صميم هذا الشعب، غير أنّهم تحوّلوا إلى اليد الثقيلة للحاكم المستبد، تلك اليد التي تبطش بالأبرياء بلا وعي من أجل عيون هذا الرجل المُسن, الذي اكتشفنا فيما بعد أنه مستودّع للعديد من الأمراض المزمنة التي يكفي واحد منها لإبعاده عن مقعد قيادة توك توك، فما بالنا بقيادة دولة بحجم مصر! غير أن الأقلام السيّارة والوجوه المُستعارة على الساحة الإعلامية جعلوا من يوم ميلاده يوما لميلاد مصر، وفي كلّ 6 أكتوبر تصرف وزارة الإعلام الملايين من أجلِ فرعنته، وتسكب تحت قدميه الأغنيات الكاذبة التي تتغنّى بأمجاده باعتباره «صاحب أول طلعة جويّة فتحت باب الحرية»! وكأن الحرب العظيمة- أكتوبر- لم تشهد سواه في سلاح الطيران أو بقية الأسلحة!
بالمناسبة، كتب محمد وجدي قنديل بجريدة «الأخبار» أن الفريق أحمد شفيق شارك في إسقاط سبعٍ وخمسين طائرة في حرب أكتوبر (كتبتها بالحروف للتأكيد)، وهذا يعني أن مصر مدينة لشفيق بأغنية تقول: «تاني طلعة جويّة.. هيَّ الطلعة الحقيقيّة»، لكن، وللأسف، رحلَ الموسيقار عمّار الشريعي صاحب اللحن وصاحب المركز المتفرّد في تدليك بطولات السيد الرئيس غنائيا، الله يرحمه، ويرحم الذين ما زالوا يتباكون بأقلامهم على إنجازاته، وباعتباره رمزًا من رموز الثورة. كما كان اختيار الخامس والعشرين من يناير بسبب مهزلة محاكمة قاتلَيّ الشاب خالد سعيد الذي أسمته صحافة المخلوع: شهيد البانجو!
أصرّ جيل خالد سعيد على الانتقام، بينما حملة المباخر يطوفون حول القصر الجمهوري، يمسحون بأقلامهم سيئات البطل المغوار، وينظفون ملابس شجرة الضّرّ، وينحنون إجلالا واحتراما للننوسَينِ اللذين لم يتركا شيئا في بلادنا إلا ولعبا في مفاصله، كّتاب ومفكّرون وصحفيون وشعراء وموسيقيون ومطربون وممثلون وسياسيون وحزبيون وووو... إلى آخر القائمة، زحفوا على بطونهم كحشرات الليل الجائعة، تقودهم أطماعهم وطفاستهم، وارتضوا أن يمتهنوا مهنا أخرى غير التي يعرفهم الناس بها، وتسابقوا، طواعية في دخول حظيرتي الثقافة والإعلام، وتم تدجينهم واحدا وراء الآخر، وفي مثل هذا الموعد من كلّ عام كانوا يصطفون في سراي 6 أكتوبر بأرض المعارض، في معرض الكتاب, ليبادلوه الابتسام والنفاق والنكات الباردة، فلما شاءت إرادة الله العليّ القدير أن تكون الثورة التي تقلب الموازين وتقتلع كل جذور الفساد والإفساد، فوجئنا بهؤلاء يتحوّلون- في سرعة البرق- لنجد كُلّا منهم أول مَن أوذيَ في عهد المخلوع؛ لأنه كان دائما يعارض ويقول: لا! وأوّل مَن حرّض على الثورة وأول مَن نزل ميدان التحرير! وأوّل مَن أيّد هذه الحركة المباركة لشبابنا قادة المستقبل! ألا تخجلون؟ ألا تستحون؟ ألا تعلمون ما يدّخره لكم أرشيف الصحف والإذاعة والتليفزيون ومواقع الانترنت؟
كانت الثمانية عشر يومًا هي أجمل أيام تاريخنا المعاصر بعد انتصارات أكتوبر، وبعد الحادي عشر من فبراير، يوم الخلع رسميا والله الموفق والمستعان، عدنا إلى ما هو أسوأ, وأسود من أقذر هزائم تاريخنا المعاصر.. هزيمة يونيو 1967م التي يدلعها الأستاذ هيكل وشركاه ب»النكسة»! منذ يوم الخلع أخذتنا النشوة والفرحة إلى ما فوق السحاب، بينما انطلقت الذئاب والضباع الجائعة والمدرّبة لتحتل مقدمة المائدة، وبدون أن ندري ضاعت الثورة، وضاعت دماء الشهداء سُدى, مثلما تضيع قطرات المطر أو الندى عندما تسقط- في لحظة استثنائية- على صخرِ صحراءَ موحشةٍ قاحلة، وبدلا من أن تتكاتف القلوب والأيدي من أجل تحقيق أهداف الثورة والانطلاق بمصر إلى المستقبل، تكاتفت من أجل تمزيقها وإعادتها إلى العصور الوسطى، وانهمك كلّ فصيلٍ في سرقة ما يقدر على حمله من الثورة، في ظلّ قيادة مرتبكة عديمة الخبرة من مجلس عسكري مكانه الجبهة, وليس مقعد القيادة، ولأنه مجلس طيب وعلى نياته، فقد تركها خرابة تلعب فيها كل أجهزة الاستخبارات لعبة الاستغماية، وراحت الأصابع تتحرّك في الظلام وتحرّك الدٌّمَى التي تشعل وتدمّر وتخرّب، وقام «اللهو الخفي» بدوره على أكمل وجه، فحصد- ولا يزال- أرواح زهرة شبابنا وأجمل ما فينا، وكانت سلسلة من المغامرات أو المقامرات خسرنا فيها جميعا، وآلت بنا الثورة إلى أن تصبح مصرُ دولة متهالكة ملقاة في حفرة عميقة معصوبة العينين بدستور باطل معيب, يفتح الباب للأجانب والأعداء لأن يصبحوا أعضاء بمجلسي نواب الشعب، لمجرد أن هؤلاء أنجبوا من مصريات أولادا يحق لهم ذلك لأنهم مصريون بحكم القانون الآن، ومجلس مرفوض من الشعب, والدستور يقوم بالتشريع على السريع- مثل الدستور المسلوق- فيسن لنا قوانين تسمح للمتهربين من التجنيد أن يصبحوا- أيضا- ممثلين للشعب في مجلسيه! وحكومة ذكية جدا استطاعت أن تحيي قانونا رفضه الأزهر الشريف بأن تمحو كلمة واحدة فقط، وأعني قانون أو مشروع الصكوك الإسلامية، فقد قامت الحكومة المبجلة بحذف كلمة «الإسلامية» ليمر المشروع على رقابنا وأقفيتنا كالطيف أو الخيال، وهذا إنجاز رهيب، فالصكوك- بعد حذف الكلمة- ستصبح جميلة ولذيذة ولن تؤدي إلى ضياع ممتلكات الوطن ومستقبله، وهذا معناه أن هذه الحكومة ستتفرغ لحل كل مشكلاتنا بحذف بعض الكلمات فقط، وهذا غير مسبوق في التاريخ (ألا تكبّرون)؟!
لعبة الصكوك فسّرها البعض تفسيرا لغويا معناه الصكّ على القفا، وكأننا لم نعرف هذا الصك إلا اليوم، الصك «على ودنه» طوال العامين اللذين غابت فيهما الدولة وتركت الفرصة لدولة موازية تتشكل وتتمدد بداخلها لتحلّ محلها، كما أصبح بوسع دولة بحجم دودة الإنكلستوما أن تمرح بأمعاء مصر وتفعل بها ما تشاء.
فالأطباء والحكماء في إجازة مفتوحة، والحرّاس الوهميّون تركوا بنايتهم على الشاطئ الآخر للترعة، أما الأقلية المسكينة المسمّاة الشعب، فلها الله لا عاصم إلاه من كلّ النيران التي مضت، ومن كلّ النيران التي تتأهّب تحت الرماد, لتهبّ وتلتهم قوت يومه وأحلامه ومستقبل أطفاله، بل والأجيال التي ستأتي على هذه الأرض الطيبة إلى يوم القيامة.
هل نيأس ونغسل أيدينا وننصرف ونغلق الأبواب من خلفنا؟ هل نعتذر لأرواح الشهداء ونقول لهم: كانت تضحياتكم خسارة فينا؟ لا.. لن نيأس، ولن نعتذر، الشعب الذي أسقط دولة أمن الدولة قادر على إسقاط الأعتى منها، قادر على إعادة صياغة مستقبله بالشكل الذي يليق بمصر وبكلّ المصريين، لا دساتير ولا انتخابات ولا صكوك ولا تواطؤات، كلّه إلى زوال مهما يطل الأمد ومهما يكن الاستبداد.
على قبر الثورة الموءودة يتباكى الكثيرون، بينما تنتشر الشعارات الفوضوية في كلّ الشوارع: انزل يوم 25 واعمل فوضى، هذه ليست مصر، وهذا ليس وجه ثورتها، الدعوة إلى الفوضى هي دعوة خبيثة يُراد بها الإجهاز على ما تبقّى منّا، لا بد أن تظلّ التظاهرات- توابع الثورة- سلمية نظيفة بيضاء تعيد إدهاش العالم بصحوة المصريين وتحضّرهم.. لا تكونوا كالأغبياء الذين يتصرفون كالبهائم الجائعة.. واصلوا الصمود والإصرار والتحدي.. لكن بروح الأيام الثمانية عشر وليس بالدعوات الخبيثة التي سنجني من وراءها الخراب والخسائر، لا تسمحوا للسارقين أن يواصلوا سرقة إنجازاتكم وشهدائكم، قفوا بنقاء وقوة، ردّوا الاعتبار للأرواح التي ترفرف فوقنا، ولتكن لكم القدوة في البطل أحمد حرارة، صاحب أجمل جوهرتين، ذلك المثل العظيم الذي وهب نور عينيه من أجل حريتنا وكرامتنا، وأصبح نموذجا في التضحية والإيثار، وفي الأخلاق الحسنة وأدب الاختلاف، لا أستطيع أن أقول فيه شعر ، فقد قطع نزار قبّاني الطريق علينا جميعا وهو يقولُ لطه حسين:
ضوءُ عينيكَ أم هما نجمتانِ
كلُّهم لا يرى وأنت تراني!
أهدي البيت إليه وإلىكم- كلّ مَن ينتمون إلى الثورة النقيّة الشريفة- كي لا تكونوا شتّامين مثل سارقيكم، ولا تمارسوا أي نوع من التجارة الرخيصة, مثل الآخرين، واصلوا اعطاء العالم دروسكم الخالدة، فالعالم- بالرغم من مآسينا- سيظل في شوقٍ إلى المفاجآت المصريّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.