يحكى أن أسدًا عظيمًا كان ملكًا للغابة، ولأنه أسد "ابن ناس" فقد رأى أن تربيته لشبله الوحيد المتفرد له، والذي لم يوهب غيره على مدى سني عمره المديد لا بد أن تكون متفردة هي الأخرى، وذلك حتى لا يختلط الشبل اليافع بأي من رعاع المملكة أو سباع بلاطه البلهاء؛ لذا فقد عهد بتربيته بعيدًا عن الغابة إلى معلمه النمر العجوز الذي أشرف على تربيته شخصيا قديمًا أيام حكم والده الراحل الأسد الملك الكبير، وقد ربى النمر العجوز الشبل الصغير في جبل عال بعيدًا عن الدنيا بأسرها وعلمه فنون القتال، كما طلب منه مليكه حتى شب عن الطوق وصار أسدًا قويا لا يشق له غبار، ولكن عزلته عن حيوانات الغابة وبعده عن أقرانه من الأسود أثرت في نفسيته بدرجة كبيرة وخلفت عتهًا ملحوظًا على تصرفاته عزاه معلمه إلى قلة الخبرة وندرة الاختلاط، ولما كانت أيام الأسد الصغير ولياليه في جبله العالي متشابهة فقد قطعها بصحبة فأر صغير أوقعه حظه العاثر بين براثنه في يوم من الأيام ليقرر عدم الفتك به أو التهامه في قضمة واحدة، وأن يتركه ليسلي وحدته معه، وبين عشية وضحاها وجد الأسد الصغير نفسه ملكًا متوجًا للغاب مكان والده الراحل وهو لا يدرك من أمور الدنيا شيئًا، ولا يمتلك من أدوات الحكم سهما، ما خلا قوة عضلاته وسرعة غضبه، وبعد مراسم التنصيب قرر الأسد الملك الصغير أن يخرج هو وصديقه الفأر الذي أضحى جرذًا في نزهة يستطلعان فيها أرجاء المملكة ويقفان على حدودها وعلى أحوال رعيتها، وبينما هما كذلك إذ لاحظ الأسد أن صديقه الجرذ يفر مرارا وتكرارا كلما لاح لهما طيف من بعيد، ولما لم يكن الأسد الملك الصغير يعلم أن تلك طبيعة أصيلة في الفئران بجميع فصائلها فقد أخذ يضحك كثيرًا من فعل صديقه ويعايره بجبنه وخوفه، حتى أثار بشدة حفيظته وتغيرت عليه نفسه، واتخذ قرارًا جازمًا مفاده ألا مناص من تربية هذا الوحش المغرور، وأنه لا بد أن يعطي هذا الأسد الأحمق درسًا لن ينساه، وفيما كان الفأر يتداول الأمر مع نفسه إذ ظهر طيف من بعيد جعله يزأر إلى الأسد ويختبئ بين رجليه ليستلقي الأسد على ظهره ضاحكًا وهو يقول: مش عيب يا فرفور تبقى خواف وجبان كده وإنت مع ملك الغابة ؟!! فرفور متخابثًا: أبدًا يا ملك أنا مش ممكن أخاف من أي حيوان طول ما جلالتك معي بس أنا خايف على جلالتك إنت مش على نفسي.. الأسد الملك وقد احمرت عيناه من الغضب: إزاي تقدر تقول الكلام المتخاذل ده وإنت في حضرتي؟!! مين ده اللي ممكن الأسد الملك يخاف منه ده لسه ما اتخلقشي أصلا فرفور متمسكنا: العفو والسماح يا مولاي.. بس للأسف المخلوق ده موجود فعلا من زمان وخطره عظيم جدا.. واسمه الإنسان أو بني آدم ربنا يكفيك شره يا مولاي ويبعده عننا. الأسد وقد طار صوابه: إيه التخاريف اللي إنت بتقولها دي؟!! إنسان مين وبني آدم إيه اللي ملك الغابة يخاف منه إنت أكيد اتجننت.. طيب أنا بأمرك أول ما يظهر المخلوق ده تشاور لي عليه بس وأنا هافتك بيه وأخليه عبرة لجميع الحيوانات.. فرفور: أمرك يا ملك.. وفجأة ظهر جمل كبير يجرى ناحيتهما برعونة وما أن لمح الأسد من بعيد حتى فر هاربا، وبعد قليل ظهر إنسان نحيف الجسم قصير القامة رث الثياب يجرى خلفه قاصدا استعادته وهنا صرخ الجرذ قائلا: أهوه يا مولاي بني آدم أهوه أنا هاهرب بسرعة. لم يكن ما فعله الجرذ بالنسبة للأسد بأعجب من بنى آدم نفسه فقد وجده ضعيف البنيان صغير الحجم لا يمكنه بحال من الأحوال أن يقوم بما يسمعه عنه من المعجزات التي لا يرى لها أي أثر، وهنا قرر الأسد أن يواجه هذا المخلوق ويعرف سر قوته فحصره بعد مطاردة قصيرة ووثبة قوية بين مخالبه قائلا: إنت بني آدم أنت؟!! تعجب الرجل بعد أن ظن أن الأسد قاتله وآكله لا محالة ليجيب بصوت ضعيف: أيوه أنا بني آدم. ليسأله الأسد متعجبا: تمام.. أنا سمعت كتير عن قوتك وجبروتك وسطوتك وأنا مش شايف من الحاجات دي شيء خالص.. أما تتحداني يا بني آدم أنت؟!! أدرك الرجل نوك الأسد وخفة عقله فقال له: أتحداك يا أسد بس خلى بالك أنا شايل صحتي وقوتي في الدار ومش هاقدر أتحداك إلا لما أروح أجيبهم ولا أنت خايف؟! نظر إليه الأسد مليا ثم قال: وماله هاتهم وأنا مستنيك هنا عشان أوريك شغلك.. وهنا ضحك الرجل قائلا: يا سلام يا خويا أروح أجيب عافيتي وأرجع ألاقيك هربت، أنا لازم أربطك كويس جدا في الشجرة دي عشان ماتهربش وآجي أوريك مين فينا هايغلب التاني. وافق الأسد الغبي المغرور على اقتراح الجمال وتركه ليربطه في الشجرة بحبل الجمل القوي الذي فر منه، وذهب الرجل إلى بيته وزوجته "ورد" التي أمرها أن تحضر قدر ماء كبيرًا وأن تغلي فيه ماءً كثيرا وتنتظر إشارته، رجع الرجل إلى الأسد حاملا معه عصا غليظة وأخذ يضرب الأسد ضربا مبرحًا إلى أن كسرها عليه والأسد يضحك قائلا: هي دي كل قوتك دا إنت غلبان خالص ولما ييجي دوري خبطة واحدة بس هاتجيب أجلك.. وهنا فاجأ الرجل الأسد قائلا: صبي المية يا ورد... لتصب زوجته قدر الماء المغلي كله فوق رأس الأسد المغرور ليحرق شعره الكثيف ويشوي جسده القوى ويقطع الحبل الذي كان مربوطًا فيه ويترك الأسد صارخًا مولولا من شدة الألم فارا إلى غابته لا يلوي على شيء. وما أن علمت سباع البلاط بما حدث لمليكهم حتى قرروا الانتقام من الجمال وزوجته ثأرا له، وبينما هم يطاردون الجمّال وزوجته اللذين لجئا إلى شجرة عالية لا تدركهما الأسود فيها، قررت الأسود أن تقفز واحدًا فوق الآخر إلى أن تصل للجمّال وزوجته فوق الشجرة، وقد قرر الأسد الملك أن يكون هو الأسد الذي يحمل الجميع انتقاما لشرفه وما حدث معه، قفزت الأسود فوق بعضها البعض وتمكنت من اصطياد الجمال وزوجته ولما لم يكن لدى الجمال وزوجته أي أمل للفرار فقد هداه تفكيره إلى حيلة قديمة فصرخ قائلا: صبي المية يا ورد.. وما أن سمع الأسد الملك تلك الجملة التي وتركهم بين قتيل وجريح ليفر هاربا وهو يقول: معليش يا جماعة سامحوني.. هي الداهية كلها جات غير من "ورد" !!