هل من المعقول أن أنجو فى الماضى من مخالب الأسد الجسور لأصبح الآن فريسة للقط المغرور؟! الكثير منكم يعرف حكايتى، أنا الفأر الذى وقع فى قبضة الأسد ملك الغابة، لكنه لم يفترسنى وتركنى حرا بعد أن سخر منى ولم يصدق أننى يوما قد أساعده. وتمر الأيام، وتأتى الفرصة لأرد للأسد الجميل وأخلصه من شبكة الصياد التى قرضتها بأسنانى، ومنذ ذلك اليوم البعيد صرنا أصدقاء برغم اختلافنا فى الكثير من الأشياء. كم كانت دهشة الأسد وأنا أحكى له كل يوم عن مغامراتى المتعددة؛ فأنا أتسلق الجبال وأسبح فى الأنهار وأغوص فى قاع البحار! كيف؟ الفضل يرجع للصياد.. ! نعم للصياد الذى يأتى للغابة وتهرب منه الطيور والحيوانات وسط الحشائش وخلف الأشجار، أما نحن الفئران فلم نشعر يوماً بالخوف، فنحن لم نكن أبدا هدفاً لبندقية الصياد أو شبكته، بل على العكس كنا ننتظر حقيبته المملوءة بالكتب والمجلات التى كان يحملها معه ليقرأها وهو يستريح تحت ظل الشجرة الكبيرة، كانت هذه الكتب وجبة شهية للكثير من إخوتى الفئران، بسرعة يتسلل فأر داخل الحقيبة وبخفة يمسك بكتاب يلتهم صفحاته بأسنانه الحادة ليشعر بعدها بالشبع والسعادة، أما أنا فكنت كإخوتى أتسلل للحقيبة أقلب فى صفحات الكتب لكى ألتهمها ولكن بعينى لتستقر كل صفحاتها فى ذاكرتى، وقتها أشعر بمنتهى السعادة، سافرت ورأيت الكثير من الأماكن وكنت أحكى لصديقى الأسد عن كل شىء أراه، عن الأهرامات الثلاثة خوفو وخفرع ومنقرع، وكم كانت دهشة الأسد من تمثال «أبوالهول» الذى يحمل رأس إنسان وجسم أسد مثله! يتساءل فى غضب: «ولماذا لا يحمل «أبوالهول» رأس وجسم الأسد ليكون رمزا للقوة والشجاعة؟». مسكين الأسد! حاولت كثيراً أن أحدثه عن الميزة التى منحها الله للبشر ولم يمنحها لنا معشر الحيوان، إنها العقل.. يضحك الأسد ويقول فى غرور: «لكن البشر يخافون منى»، لا فائدة إذن من إقناعه. تمر الأيام والأعوام، ونكبر وتكبر معنا صداقتنا حتى إننى أصبحت أقرب صديق لملك الغابة الأسد، وأصبح هو أيضا أقرب صديق لى، ولا أعرف لماذا أزعجت صداقتنا الكثير من الحيوانات على رأسهم الوزير النمر. كان النمر دائما يلوم الأسد ملك الغابة على صداقته لفأر ضعيف مثلى ومع الوقت استطاع أن يقنعه أننى أسخر منه وأردد دائما لكل الحيوانات أننى يوما أنقذته وأنه لولاى ما كان بيننا الآن. وللأسف لا أعرف كيف صدقه الأسد.. كنت أظن أن صداقتنا قوية ومتينة كأحجار الهرم الذى تسلقته، عميقة كالبحر الذى لمست أمواجه، صافية كماء النهر الذى شربت منه، لكننى عرفت السبب الأسد لم يكن يملك رأس «أبوالهول» ولكنه ملك جسمه، رأس «أبوالهول» التى سخر منها هى أثمن ما فيه، فيها العقل الذى يفكر ويتأمل.. وبقدر حزنى على الأسد وغضبى منه كان إصرارى على فراقه، بسرعة قررت أن أهرب، بحث عنى الأسد فى كل مكان فى الغابة وأعلن عن مكافأة للقط الذى يقدمنى إليه حياً. تنقلت من مكان لآخر وطاردنى أقوى قط فى الغابة القط المخطط ذو الشوارب، حتى استطاع بفضل شواربه القوية أن يعثر علىّ ويقدمنى للأسد. كم كانت فرحة الأسد بعودتى إليه ليس كصديق يحبه ولكن كعدو يريد الانتقام منه! وأمر الأسد بسجنى فى قفص وقرر إقامة حفل كبير يكرم فيه القط ذا الشوارب ويمنحه جائزة بالإضافة لوجبة شهية هى.. أنا. فكر القط المغرور فى لقب جديد يحمله بدلاً من القط المخطط ذى الشوارب، لقب يدل على قوته وعظمته، فقال للأسد: «ما رأيك أن تطلق علىّ لقب النمر، فأنا أشبه النمر فى شكله وقوته»؟ وافق الأسد، ومر القط أمامى فى فخر وقال: «أنا النمر، ما رأيك؟»، قلت له فى سخرية: «التنين أقوى من النمر، رأيت صورته فى الكتاب والنار تخرج من فمه».. فرح القط المغرور وقال: «إذن فأنا القط التنين»، وانطلق فى الغابة يهتف بسعادة.. أنا القط التنين. سمع القط ضحكتى من وراء القضبان، اقترب منى فقلت له: «التنين مهما بلغت قوته يبتلعه السحاب»، قال القط «إذن فأنا سحاب».. قلت: «الريح أقوى من السحاب، لا شىء يقف أمامها»، قال القط فى غرور: «أنا أشبه الريح فى سرعتها وقوتها، لا شىء يقف أمامى».. قلت له ساخرا: «الريح لا تنفذ من أى جدار»، قال القط فى دهشة: «ومن يستطيع أن ينفذ من أى جدار؟». قلت فى ثقة: «الفأر.. فليكن اسمك الفأر»، بدون تفكير قال القط: «أنا القط الفأر الذى ينفذ من أى جدار، يقف أمام الريح، الأقوى من السحاب والتنين والنمر».. ضحك الأسد وجميع الحيوانات من حماقة القط المغرور، وقال لى: «سامحنى يا صديقى الفأر، فقد استطعت بفضل ذكائك ومعلوماتك وأنت وراء القضبان أن تنتصر على القط المغرور الذى حلم فى البداية أن يكون نمرا وكانت نهايته مجرد فأر». * استطاع القط المخطط ذو الشوارب أن يعثر على الفأر بفضل سرعته وشواربه القوية، ولكن فى النهاية انتصر عليه الفأر بفضل ذكائه وقوة شخصيته. فهل لشوارب القط أهمية؟ وهل تستطيع شوارب القط أن تميزه عن غيره من القطط؟