سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
انتشار التطرف بين المستوطنين اليهود.. حكومة إسرائيل في موقف ضعف سياسي بسبب الحركات المتطرفة.. التحول من العنف ضد الفلسطينيين فقط إلى توجيه الضربات للإسرائيليين أيضا
مشكلة تطرف المستوطنين الإسرائيليين باتت ملموسة أكثر في الفترة الأخيرة على كلا الصعيدين المحلي والعالمي. ويحذر الخبراء من أن تطرف المستوطنين في الضفة الغربية يضع الحكومة في موقف ضعف سياسي، علاوة على المعاناة التي يسببها للفلسطينيين. الذين يتعرضون للاعتداءات المستمرة من المستوطين المتطرفين المتمثلة في قطع أشجار الزيتون وحرقها، وتدمير المركبات الفلسطينية، والاعتداءات على المارة. وسجلت الأممالمتحدة في عام 2013 نحو 399 حالة اعتداء على فلسطينيين. وتعتبر حركة "شباب التلال" أحد أشهر وأعنف هذه الجماعات ويعكس اسم الحركة طريقة تفكيرها بشكل واضح، فأعضاء هذه الحركة يقيمون الأكواخ فوق التلال في الضفة الغربية على أمل أن تصبح مستوطنات في يوم من الأيام. ونفذت جماعات متطرفة عمليات اغتيال في حق مسئولين فلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي وفي فبراير من عام 1994 وقع ما يعرف بمذبحة الحرم الإبراهيمي، عندما أطلق اليهودي المتطرف باروخ جولدشتاين النار على مصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل وقتل 29 مصليا، قبل أن يتغلب عليه بعض المصلين ويقتلوه. عنف ضد جنود إسرائيليين وبالرغم من أن هذه الجماعة المتطرفة تضم بضع آلاف من الأعضاء فقط إلا أن لها قوة لا يمكن إغفالها لاسيما في وقت يزيد فيه انتشار التفسيرات المتطرفة للديانة اليهودية في ظل تراجع أهمية المذاهب التقليدية. وكان تطرف الكثير من المستوطنين قد ظهر تحديدا في عام 2005، عندما قررت الحكومة الإسرائيلية الانسحاب من غزة وإخلاء المستوطنات هناك. الحاخام أريك أشرمان، من حركة "حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، يحاول تفسير سلوك المستوطنين ويقول في حوار مع DW: "نشأ هؤلاء في أجواء أعطتهم الانطباع بأن بوسعهم فعل كل ما يريدون.. هذا ما عززه حماية قوات الأمن لهم علاوة على الدور المهم الذي يلعبه الحاخامات المتطرفون الذين يكتبون نصوصا متطرفة". عنف العناصر المتطرفة لم يعد موجها ضد الفلسطينيين فحسب بل إن بعض المتطرفين يمارسون العنف ضد الجنود الإسرائيليين. ففي أبريل الماضي أجبر خمسون من المستوطنين ستة جنود إسرائيليين على إخلاء وحدة التفتيش الخاصة بهم في شمال الضفة الغربية قبل أن يقوموا بتدميرها. العنف على طريقة "بطاقة الثمن" امتد نطاق أعمال العنف من الضفة الغربية ليصل إلى مناطق إسرائيلية أيضا. تقوم بتنفيذ ذلك جماعة "بطاقة الثمن". وتقوم هذه الجماعة بتدمير ممتلكات الفلسطينيين كنوع من دفع "ثمن" وجودهم في المناطق التي يرى المستوطنون الإسرائيليون أنها من حقهم. تمتد أعمال العنف لتستهدف نشطاء إسرائيليين يساريين وأيضا منشآت مسيحية. ويعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين أشهر ضحايا عنف التطرف الديني، إذ قتل في عام 1995 على يد المتطرف اليهودي إيجال عامير. تستنكر غالبية الشعب الإسرائيلي عنف المتطرفين الإسرائيليين، إلا أن انتقاد هذه الأفعال جاء متأخرا بحسب ما يرى أريك أشرمان الذي يوضح: "اهتمام الإسرائيليين الفعلي بالحركة لم يبدأ إلا عندما بدءوا هم بمهاجمة جنود إسرائيليين بالإضافة إلى الفلسطينيين". وأشار الحاخام إلى مقولة يهودية مفادها: "لا تعتقد أن اليد التي تضرب غير اليهودي ستتورع عن ضرب يهودي"، موضحا أن هذا بالضبط ما يحدث الآن. اهتمام عالمي بدأت الحكومة الإسرائيلية أيضا إدراك حجم المشكلة، كما يقول أشرمان، مشيرا إلى تعزيز القوات الأمنية جهودها وقيامها بأولى عمليات الاعتقال ضد عناصر متطرفة. وبالرغم من عدم وصول أي من هذه الحالات للقضاء بعد، إلا أن أشرمان يرى أن هناك زيادة واضحة في عدد الإسرائيليين الذين صار الجماعات المتطرفة من المستوطنين تمثل لهم ما يشبه الكابوس. إدراك مشكلة المتطرفين اليهود امتد أيضا للصعيد العالمي، إذ طالبت مجلة "Foreign Affairs"، في خريف عام 2012، "بضرورة أن تصنف الحكومة الإسرائيلية مثيري العنف كإرهابيين وتعمل بشكل أكبر على حظر أنشطتهم". وأضافت المجلة: "يتعين بعد ذلك على السلطات الأمنية استخدام القانون الإسرائيلي وتعقب المستوطنين المتورطين في أعمال عنف كما يفعلون مع الإرهابيين، سواء تعلق الأمر هنا بعناصر فلسطينية أم إسرائيلية". ولكن ما طالبت به المجلة لا يبدو قابلا للتنفيذ على أرض الواقع الإسرائيلي في الوقت الحالي؛ فعندما وضعت الخارجية الأمريكية جماعة "بطاقة الثمن" في تقريرها الخاص بوضع الإرهاب في العالم، خرج المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد ليقول: "لا يوجد أي وجه للمقارنة بين حوادث إجرامية لها أهداف قومية وتلك النابعة من خلفيات إرهابية". من جهتها وضعت مجلة "Foreign Affairs" تعريفا للإرهاب لا يعتمد على اختيار الوسيلة، بل على الهدف المنشود، وهو: "التأثير النفسي على أشخاص وإرهابهم لتنفيذ أجندة سياسية". وانطلاقا من هذا التعريف يمكن وصف المتطرفين اليهود الذين يقومون بأعمال عنف بالإرهابيين، وفقا للمجلة. تحد سياسي مشكلة المستوطنين المتطرفين لم تعد تمثل لإسرائيل مجرد معضلة أخلاقية فحسب، بل صارت تحديا سياسيا أيضا. فعدم تحرك إسرائيل لحث مواطنيها على عدم مهاجمة الفلسطينيين، يجعلها في موقف ضعف ويقلل من مساحات التصرف المتاحة لها، لاسيما فيما يتعلق بالتفاوض على السلام مع الجانب الفلسطيني.