بعدما أنهى "عمر بن أبى ربيعة"، إلقاء قصيدته فى حب "نعم"، حمل "قيس بن الملوح"، مجنون "ليلى"، أوراقا، قرأ منها: تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا بِثَمدَينِ لاحَت نارَ لَيلى وَصَحبَتى بِذاتِ الغَضا تَزجى المَطِيَّ النَواجِيا فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً بَدا فى سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا فَقُلتُ لَهُ بَل نارَ لَيلى تَوَقَّدَت بِعَليا تَسامى ضَوؤُها فَبَدا لِيا فصفق الحضور بحماس غريب إلا أنا، و"أنيس منصور"، الذى همّ بالانصراف لولا أن بعضا من رفاقه أقنعوه بالبقاء، فجلس قبل أن يأخذ "جميل بن معمر"، مكانه على المنصة متغزلا فى محبوبته منشدا شعرا يمتلئ بشكاوى النفس وما يلاقيه المحب المتيم من تباريح الوجد، فقال: أَلا لَيتَ رَيعانَ الشَبابِ جَديدُ وَدَهراً تَوَلّى يا بُثَينَ يَعودُ فَنَبقى كَما كُنّا نَكونُ وَأَنتُمُ قَريبٌ وَإِذ ما تَبذُلينَ زَهيدُ وَما أَنسَ مِنَ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها وَقَد قُرِّبَت نَضوى أَمِصرَ تُريدُ وَلا قَولَها لَولا العُيونُ الَّتى تَرى لَزُرتُكَ فَاِعذُرنى فَدَتكَ جُدودُ خَليلَيَّ ما أَلقى مِنَ الوَجدِ باطِنٌ وَدَمعى بِما أُخفى الغَداةَ شَهيدُ فاستحسن الحاضرون أبياته وصفقوا له كثيرا، كما صفقت "بثينة"، كثيرا جدا وارتمت فى حضنه، وقبلت خديه، ثم خلفه الشاعر العاشق "العباس بن الأحنف"، الذى تذكر حبيبته "فوز" بأبيات زاخرة بعاطفة صادقة وشاعرية أصيلة، منها: أَميرَتى لا تَغفِرى ذَنبى فَإِنَّ ذَنبى شِدَّةُ الحُبِّ يا لَيتَنى كُنتُ أَنا المُبتَلى مِنكِ بِأَدنى ذَلِكَ الذَنبِ حَدَّثتُ قَلبى كاذِباً عَنكُمُ حَتّى اِستَحَت عَينَيَ مِن قَلبى إِن كانَ يُرضيكُم عَذابى وَأَن أَموتَ بِالحَسرَةِ وَالكَربِ فَالسَمعُ وَالطاعةُ مِنّى لَكُم حَسبى بِما تَرضَونَ لى حَسبى وقبل أن ينهى "ابن الأحنف"، أبياته كان دوى التصفيق أعلى من أى شىء تلاه "امرؤ القيس"، بأبيات مبهرة عن حبيبته "فاطم"، وكان مما قال: أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملى وإن تك قد ساءتك منى خليقةٌ فسلى ثيابى من ثيايك تنسل أغرك منى أن حبك قاتلى وأنك مهما تأمرى القلب يفعل وأنك قسمت الفؤاد فنصفه قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل وما ذرفت عيناك إلا لتضربى بسهميك فى أعشار قلب مقتل وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً على حراصاً لو يسرون مقتلى إذا ما الثريا فى السماء تعرضت تعرض أثناء الوشاح المفضل فجئت، وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل فقالت يمين الله، ما لك حيلةٌ وما إن أرى عنك الغواية تنجلى خرجت بها أمشى تجر وراءنا على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل فصفقنا جميعا لإمرئ القيس.. ونكمل غدا.