كثيرا ما تستوقفنى أحداث..أشخاص..مواقف قد أكون فيها بطلة، أو "كومبارس"..متفرجا، أو قارئا وليس ما يستوقفنى الحدث نفسه، أو الشخص ذاته.. بل إننى دوما ما أشرد أمام الحدث، أو أتأمل الموقف..أو أغوص بداخل الشخص.. فتنجلى لى أمور كثيرة، أو هكذا تبدو لى.. من هنا كانت إطلالتى على شخص، أو موقف أو خبر ليس لممارسة دور المتأمل فقط.. لكن لعمق قد أراه بداخل أي منهم وأثناء وحدتى التي أقتنصها من يوم مشحون، أمارس تأملاتى من خلال إطلالتى على يوم يطل... أو يطول. الحاكم الطاغية والحاكم الداهية بُلينا بالأول على مدى أزمنة، ولم نرزق بالثانى حتى اليوم وإن كان البعض يرى أن الحاكم الداهية السديد الرأى والعالم ببواطن الأمور على الأبواب..حتى بعد حلوله التي اقترحها حلا للأزمات الاقتصادية التي يئن الشعب منها..فأزمة الخبز التي طل علينا بحلها الحاكم الداهية كانت غائبة عن عقولنا تماما..ومثلها أزمة الكهرباء والبطالة. وقد وجد الحاكم الداهية أن إلقاء الكرة في ملعب الشعب يجنبه الوفاء بوعود لم ولن يعد بها، والمحاسبة على مجهودات لم يقم بها، وبالتالى المطالبة برحيل لفشله في تحقيق مطالب شعب لم يؤدها لأنه ببساطة "ممعهوش". حين خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية كانت بداية الحلول الاقتصادية تبدأ من الجهاز الإدارى حيث تم تقليص التكاليف الإدارية إلى أدنى مستوى، فكان الوزير يقود سيارته الشخصية دون موكب أو يركب المواصلات العامة، ويتسوق بمفرده دون حرس خاص، ولا يستهلك إلا البضاعة الألمانية، حتى إذا خرج على شعبه مطالبًا إياه بالتقشف "علشان خاطر ألمانيا" عززت أفعاله مصداقيته.....أما مرتبه فكان لا يتعدى مرتب مدرس في التعليم الحكومى.. كما تكفل الكوادر في ألمانيا بمساعدة الحكومة في أعبائها كواجب وطنى..لم ترزق ألمانيا بحاكم داهية يطالب شعبه بتقشفٍ على فقر، وباستغناء على عوز، وبتوفير على عدم. لأرسطو كلمة يقول فيها " إن الغاية النهائية للطاغية المستبد كى يحتفظ بعرشه هي تدمير روح المواطنين، وجعلهم عاجزين عن فعل أي شيء إيجابى، وفى سبيل تحقيق ذلك فقد يلجأ للقضاء بوسائل مختلفة" اللى مش هيقطع العيش أربعة بالذوق... هيقطّعه بالقانون. الخواجات لا يعرفون الكوسة لا تشتد الأزمات إلا بغياب العدل، لأن العدل بمفهومه الضيق يبدأ بالفرد وينتهى بمفهومه الواسع بمسئولية الدولة عن ذلك الفرد، وهى من تملك النفوذ والسلطة لفرض العدل وحل الأزمات والقضايا المجتمعية، العدل هو حجر الأساس..هو البنية التحتية لبناء الدولة واستقرارها. أما مفردات الوساطة..والاضطهاد..والتحيز..كل هذه مترادفات عكسية لمعانى العدل والتي تقع تحت الظلم الذي لا يمكن أن يستقر معه أي نظام حتى ولو حملت مؤسساته المدفعيات الثقيلة لإجهاض مظاهرات تطالب بالقصاص، أو مدفعيات تفض اعتصامات عمال يطالبون بحوافر لا تتعدى مئات الجنيهات، أو مسيرات طلاب جامعيين يطالبون بحقوق زملائهم المفصولين. وحضرنى خبر قرأته منذ فترة، وقد أعلن القصر الملكى في بريطانيا عن إنهاء الأمير "وليام" لأكثر من سبع سنوات في الخدمة العسكرية وعودته لمقاعد الدراسة التي تتعلق بمواد المجتمعات الزراعية البريطانية مثل الصناعة المعتمدة على الزراعة. أبدى الأمير رغبة كبيرة في بدء الدورة التدريبية لتساعده على فهم القضايا المعاصرة المؤثرة على قطاع الزراعة والمجتمعات الريفية ببريطانيا. كم أنفق الأمير "وليام" الثانى من عمره في خدمة وطنه وهو ولى العرش والذي قد يُزف إلى عرشه دون تلك السنوات في التعليم وفى الخدمة العسكرية بصحبة شلة المطبلاتية؟ لكن يبدو أن بريطانيا وما شابهها ليس لديها فرق مطبلاتية..ولم تعلن صراحة عن استيرادها من إحدى الدول العربية وخصيصا من مصر..الأمير "وليام" والأمير "هارى" يُعاملان مثل أي مواطن بريطانى.. لكن إذا سألت الأمير تشارلز عن الواسطة... أجابك... اسألوا اللى "ما بيحبهاااااش". المرشح الأكثر جاذبية! قبيل الانتخابات الأمريكية يطرح كل من الحزبين الرئيسيين ( الجمهورى والديمقراطى ) برنامجه الذي غالبا ما يقدما خلاله رعاية صحية للمواطن الأمريكى وضرائب أقل ومعيشة أفضل. قدم حينها "أوباما" مرشح الحزب الديمقراطى برنامجه الذي فاز بموجبه والذي قال عنه "رومنى" مرشح الحزب الجمهورى إن ليس لديه برنامج لفترة رئاسية ثانية واصفًا برنامجه بأنه يهمل المستقبل وأن حملته حملة منكمشة..أما "أوباما" فقد وصف برنامج "رومنى" بأنه لم يقدم أي أفكار جديدة وأنه يعكس سياسة القرن الماضى. المستقبل....والمواطن..هما محور برنامج المرشحين..كان أحدهما أبيض والآخر زنجيا..أحدهما في منتصف الستنيات والآخر على أعتاب الخمسين..لم يزج بالعنصرية في المنافسة أو حتى بالسن ولا بالجاذبية. أما لدينا في مصر فمرشحنا البطل الأوحد فقط لا يحتاج إلا مرشحا سنيدا..لا يحتاج برنامجا..لا يحتاج لشرح رؤيته لمستقبل مصر. في عجب من الصحافة العالمية حيث رصدت صحيفة "واشنطن بوست" غياب "السيسي" عن حملات التأييد التي لا يطرح فيها برامج ولا وعودا.. بل رقصا وغناء احتفالا بالخيبة الديمقراطية..إذا كان البرنامج الانتخابى لا يهم الجماهير الراقصة..فعل الأقل من باب الإخراج المسرحى. لم يملك "أوباما" جماهيرية ال"سيسي"..ولم يملك "رومنى" جاذبيته..ولم يملك الشعب الأمريكى خيبة المصريين...ولا حضارتهم التي يرقصون على جثتها اليوم. [email protected]