فى الوقت الذى ما زالت ترتفع فيه أنات البكاء والصراخ من أسر وذوى شهداء ومصابى أحداث مجلس الوزراء، كان المجلس العسكرى يعقد مؤتمرا صحفيا، تحدث فيه اللواء عادل عمارة، ليؤكد مضمون خطابه أن المجلس العسكرى وأجهزته الأمنية ليسوا فاشلين فى إدارة البلاد فحسب، ولكنهم فاشلون أيضا فى اختلاق الأكاذيب، وصنع الادعاءات التى يسخر منها أى مواطن يحمل ولو قدرا ضئيلا من العقل، فالرسائل التى قالها اللواء عادل عمارة، التى لم تحمل سوى ادعاءات مضللة وكاذبة ومتضاربة فى أوقات كثيرة، جعلت كل ما قاله اللواء فى مؤتمره عصيا على التصديق، وينسف حجج المجلس الواهية جملة وتفصيلا لعدد من الأسباب أهمها: أولا: لأنها فشلت فى تبرير الأسباب التى بمقتضاها أقبل جنود الشرطة العسكرية على فض الاعتصام السلمى، الذى كان قائما أمام مجلس الوزراء، بكل هذا المستوى من الهمجية والوحشية، التى طالت النساء والمسنات، وهى ممارسات لم يكتف سيادة اللواء بنفيها فقط، بل نفى إصدار أى أوامر لقوات الجيش أو الداخلية لفض الاعتصام، وكأن طرفا ثالثا هو الذى أصدر أوامر فض الاعتصام، تلك العملية التى كشفت عن همجيتها ووحشيتها مقاطع فيديو، تناقلتها وسائل الإعلام وصفحات الإنترنت، التى لو كلف سيادة اللواء نفسه القليل من العناء، لما كان قادرا على قول ما قاله، الذى لا يصلح إلا أن يكون فصلا فى مسرحية هزلية. ثانيا: بدا فى الخطاب أن إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين، وهو الأمر الذى أدى إلى سقوط عشرات الشهداء ومئات المصابين، أمر عادى ومعتاد لدى الشرطة العسكرية! التى قال عنها عمارة إنها لو استخدمت السلاح لكانت الخسائر «غير منطقية». لذلك يبدو أنه ومن وجهة نظر المجلس العسكرى أن قتل العشرات وإصابة المئات هو أمر منطقى وطبيعى وبديهى! ثالثا: لم يفسر لنا سيادة اللواء الأسباب التى دفعت جنود الجيش إلى اقتحام مقرات القنوات فى ميدان التحرير وتحطيم كاميراتها، ومنعها من البث للتستر على الجريمة، وهو سلوك وإن عبر فهو معبر عن محاولة تكميم الأفواه وغض الأبصار عنوة عن كم الانتهاكات التى ارتكبها الجيش فى محاولاته المتكررة على مدار أيام لفض المتظاهرين بالقوة المفرطة والتعتيم على تلك العملية. رابعا: لقطات الفيديو التى تم عرضها فى المؤتمر، تم تصويرها من جانب واحد، ولم تشر بأى صورة من الصور إلى مسؤولية الثوار عن إحراق المبانى القائمة فى المنطقة، التى كانت مواقع إطفاء قوات الدفاع المدنى تبعد عنها أمتارا، فى نفس الوقت الذى استمر فيه توجيه خراطيم المياه إلى المتظاهرين لتفريقهم، فى حين لم توجه رشاشات المياه تلك لحماية المبانى العامة للدولة من الحرق، التى يتحمل الجيش جملة وتفصيلا مسؤولية إحراقها. خامسا: لم يحدثنا اللواء الموقر عن ملابسات تجريد فتاة من ملابسها، وكان رد اللواء عليها «اسألوا الظروف»! أو ملابسات قيام الجنود الذين اعتلوا أسطح مجلس الوزراء ومبنى مجلس الشعب بإلقاء الطوب والحجارة والمولوتوف وقطع الرخام على المتظاهرين لإصابتهم وقتلهم، كذلك لم يحدثنا عن كم الاستفزاز الذى جرى من قبل قوات الجيش من خلال الإشارة بتعبيرات بذيئة وإفراغ مثاناتهم فوق رؤوس المتظاهرين من أجل محاولة جرهم إلى مزيد من الاستفزاز والغضب. سادسا: لم يحدثنا اللواء عمارة عن الأسباب النفسية المستعصية التى يعانى منها جنود الشرطة العسكرية وقاداتهم، وهى أمراض دفعتهم إلى تعذيب العشرات ممن تم إلقاء القبض عليهم فى اعتصام مجلس الوزراء وتركهم غارقين فى دمائهم، غير قادرين سوى عن الحديث عما تم ترديده لهم من عبارات توضح كم الكره والكراهية التى تحملها قوات الجيش ضد الثورة والنشطاء. سابعا: اللقطات المصورة التى تم فيها إساءة استخدام أطفال لم تتجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاما للادعاء كذبا وتلفيق التهم بالباطل للمتظاهرين، وهى لقطات سجلت من قبل التليفزيون المصرى، ليست ببعيدة عن سياسة صفوت الشريف وأنس الفقى تعيد إلى الأذهان كم الادعاء والتضليل، الذى مارسه الإعلام الحكومى خلال أيام الثورة المباركة من خلال لقطات مماثلة ومدعية أثبتت الثورة كذبها وزيفها.