كان يمكن إنقاذ المجمع العلمى. تلك حقيقة يؤكدها خبراء أمنيون، لكن يبدو أن قوات الدفاع المدنى التى ترابض على بعد أمتار من المجمع، كان لها رأى آخر. لقد تركوا النيران تمارس مهمتها فى الإجهاز على التراث، ولم يتحركوا، فى الوقت الذى كان فيه كثير من الثوار يقتحمون النار، مخاطرين بأرواحهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إنهم الثوار الذين سيتهمهم الرسميون، أصحاب القلوب الباردة والقاموس اللغوى الخشبى، بأنهم مشعلو النيران. فهل هذا يعقل؟ وماذا جرى للضمائر؟ ولماذا لم يتم التحرك السريع كما جرى فى 2008، فى أثناء حريق مجلس الشورى الشهير، حينما تحركت طائرات تابعة للجيش وأخمدت النيران فى دقائق؟ الخبراء الأمنيون اعتبروا أن عدم سرعة تدخل قوات الدفاع المدنى للسيطرة على الحريق الذى نشب فى المجمع العلمى، دليل واضح على أن ما حدث يعد جريمة مدبرة مخططا لها، خصوصا أن ذلك المبنى به تراث مصر، مؤكدين أن تقاعس سيارات المطافئ عن الدخول للسيطرة على الحريق يعتبر خيانة من قوات الأمن والجيش. مدير المجمع العلمى قال إن سيارات قوات الدفاع المدنى لم تتمكن من سرعة الدخول للسيطرة على المبنى، نتيجة اعتراض مجموعة من البلطجية سيارات المطافئ، مشيرا إلى أنهم قاموا برشق السيارات بالزجاجات والطوب، وتساءل «لماذا لم يتدخل الجيش الذى كان موجودا أمام المجمع؟». «التزام المطافئ الصمت يعتبر خيانة»، هكذا يرى الخبير الأمنى اللواء إيهاب يوسف، مضيفا «الحريق الذى حدث مسؤولية الدولة والأمن لا المعتصمين أمام مجلس الوزراء». يوسف قال إن تبرير قوات الدفاع المدنى عدم التدخل بسرعة، بالتخوف من الصدام مع المعتصمين، يعتبر كلاما فارغا، مشيرا إلى أن المعتصمين يعلمون تماما أن سيارات المطافئ تأتى للسيطرة على الحرائق، لا لدهسهم، ولذلك لن يقتربوا منها، متسائلا «الشرطة والجيش يعلمان تماما قيمة ذلك المبنى، فلماذا لم تتم سرعة السيطرة على الحريق؟». بينما رأى الخبير الأمنى اللواء محمد عبد اللطيف خضر، أن عرقلة المتظاهرين الطريق هى سبب منع التدخل السريع لسيارات الإطفاء، مؤكدا أنه كان من الضرورى أن تقوم قوات الجيش والشرطة بتأمين قوات المطافئ، مضيفا «لذلك أحمل المسؤولية لقوات الجيش والشرطة، التى كانت تعلم بتراث المجمع وقيمته، ولم تتحرك». الخبير الأمنى اللواء فادى حبشى، قال إن من قاموا باعتراض سيارات المطافئ يعتبرون بلطجية، وليسوا من الثوار، خصوصا أن الثوار هم الذين قاموا بالدخول إلى المجمع لإنقاذ باقى التراث الموجود داخل المبنى، لأنهم يعرفون قيمته الحقيقية، مشيرا إلى أن الذى قام بحرق هذا المبنى مجموعة من البلطجية. وبعيدا عن آراء الخبراء الأمنيين، فإن المجلس العسكرى حاول الإيحاء للرأى العام بأن المعتصمين والمتظاهرين مجرد مجموعة من البلطجية، وأنهم مسؤولون عن إحراق المجمع، من خلال مقطع الفيديو، الذى رفعه على «يوتيوب». لكن ذلك المقطع لم يظهر سوى جانب واحد من الصورة، متجاهلا مئات المتظاهرين، الذين اخترقوا جدار الخوف، ودخلوا إلى ساحات المبنى المحترق، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كتب ووثائق. كانت الساعة تقترب من الخامسة، مساء السبت، عندما بدأ مجموعة من المتظاهرين فى الدخول إلى المبنى المحترق، لإخراج الكتب من تحت ركام انهيارات المبنى، غير عابئين بالدخان الكثيف، أو احتمال انهيار المبنى المتهالك، وفى ساعات قليلة نجحوا فى إخراج ما يقرب من 30 ألف كتاب ووثيقة ومخطوطة، لم يطلها الحريق، لكنهم لم يعرفوا ماذا يفعلون بها، سوى تسليمها إلى قوات الشرطة العسكرية، وشحنها فى سيارات القوات المسلحة، التى نقلتها إلى أحد المبانى، القريبة من وزارة الداخلية، رغم مطالبات مثقفى مصر بإعادتها إلى مقر المجمع الأصلى، فى بيت السنارى، التابع لمكتبة الإسكندرية، فى السيدة زينب، القريبة من موقع الأحداث.