كل شوية اسمع على التليفزيون حد بيَتَباهى بإنّه مؤمن بالحرية وكده، فيروح قايل إيه «الإخوة المسيحيين بيكفلّهم الإسلام كل حقوقهم إلخ إلخ»، جميل خالص. ويفتكر بقه إنّه عداه العيب ومش مطلوب منه تقبّل للآخر أكتر من كده. وعمرى ما سمعت حد من السادة اللى سامعين الكلام ده، بيقول: طب والبهائى والشيعى والبوذى واللا دينى والملحد؟ مش عشان مصر فيها ملايين من أصحاب تلك المعتقدات بل عشان المبدأ! الطريقة اللى بتشوف بيها هؤلاء وغيرهم، هى اللى بتحدد هل انت فعلا مؤمن بحرية العقيدة كمبدأ ولّا لأ. وإلّا تبقى مؤمن بحرية «العقيدة المسيحية». إنت حر، بس الإيمان بحرية العقيدة مبدأ أعم من كده بكتير. ماحدّش بيسأل عشان بيخافوا يمكن، مش عارف، أو يمكن بيسألوا بس أنا حظى انى ماسمعتش. بس لو بتسَلُّطنا ورفضنا للنقاش، بقينا بنخوّف الناس حتّى من السؤال، ازاى حيبقى عندهم ما يكفى من شجاعة لمحاولة الإجابة؟! حرية العقيدة مش هى حرية العقيدة اللى عاجباك، ولا المتماشية مع معتقداتك؛ انت مالكش دخل بالموضوع فى الحقيقة؛ ولا انت ولا انا ولا أى جنس بنى آدم؛ انت ليك نفسك وبس، زى ما كل واحد ليه نفسه؛ يفكّر فيما يحلو له، يصدّق اللى مصدّقه، ومايصدّقش اللى مش داخل دماغه. ولو عايز حد يصدّق حاجة، تحاول تقنعه، تحاول تبقى أذكى منّه؛ لكن ماينفعش ترغمه انه يصدّق حاجة هو رافضها؛ مش بس عشان ماتقدرش، عشان ماينفعش. ده انت حتّى ماتقدرش تُرغم نفسك على تصديق حاجة، ازّاى ممكن تُرغم الناس؟! يرد قائلون: «إحنا مش عايزين نرغمه، بس انت لو سبت أى حد يعتقد فيما يشاء يبقى انت كده بتشجّعه، وبالتالى لو فيه فصيل إسلامى مثلا زى الشيعة أو البهائيين، بيرى أهل السنة إن عقيدتهم مشوّهة، فبيفكروا إنهم لو أعطوهم حرية الإعتقاد وممارسة طقوسهم، يبقوا كده بيشجّعوا ذلك التيار إنّه يَقوى وينضمّله ناس أكتر مما قد يضر بالدين الأصلى السليم (من وجهة نظرهم ومن وجهة نظرى انا كمان)» والحقيقة إن ده منطق مش عارى من الصحة، ولكنه منطق فاسد؛ الإيمان الحقيقى مش الإيمان اللى مش مسموح لصاحبه بغيره؛ ماينفعش يبقى المسلم أو المسيحى، مسلم أو مسيحى عشان ماعندوش معبد بوذى فى المكان اللى هو عايش فيه! أى عقيدة ماتبقاش قوية ومتماسكة غير لما التصديق فيها يتحول إلى اختيار؛ إنت ماتقدرش تخلّى نفسك تصدّق آه، بس لو صدّقِت نفسك اللى انت بتقراه وتسمعه، ساعتها بيبقى الموضوع فى إيدك، فبتختار إنك تعتنق الدين ده لإنّك مصدّقه. مافيش جبر فى المسألة، مافيش جبر فى الإعتقاد، لازم انت اللى تصدّق. طب ازاى تواجه أى خطاب بيُنادى بعكس ما تؤمن به أنت؟ بإصلاح الدعوة للاتجاه اللى بتراه الجماعة سليم، مش بإنّك تموّت الناس التانية ولا بإنك تخرس ألسنتهم. وإلّا حيخلقوا مجتمع سرّى فيه كل الأفكار اللى بتكرهها الجماعة دى بس فى الخفاء، ولا حتعرف عنهم حاجة، لكن حتبقى مبسوط أوى كده؛ زى منطق دفن الراس فى الرمل بالظبط. طمأنينة زائفة ومش حقيقية وبتاخد الطريق الاسهل لإنها عاجزة عن فعل الصواب. اللى خطابه فى عيب فشايف إن خطاب تانى بقى أقوى منّه مثلا، يصلّح خطابه ده، يشوف ما يعيبه ويغيّره، يطوّره، مش يخرس الخطابات الأخرى (طالما لم تعتدِ تلك الخطابات على أحد). ماحدّش محتاج إذن من حد إنه يصدّق أى حاجة، زى ما انت مش محتاج إذن من حد انّك تصدّق أو تكفر بأى حاجة فى الدنيا؛ لإن ببساطة ماداموا الناس مايقدروش يعرفوا اللى فى مكنونك، يبقوا ممكن يحاسبوك عليه ازّاي؟ ده بالإضافة يعنى للموضوع الأصلى والأصيل بتاع ان دى مش شغلتهم، شغلة المجتمع يحاسب الناس على سلوكهم تجاه الجماعة لإنه يقدر يشوفها ويقيّمها ويقيس ضررها، مش على معتقداتهم ايا كانت؛ المُعتقد لله، يملك وحده حق محاسبة الناس عليه. يقولّك «أصل ده مجنون، بيعبد الشمس، بيعبد بقرة وفار وبيتعبّد أمام تماثيل» إنت مالك؟ مين إدّاك الحق تقيّم عقيدته؟ مين قالّك إنّك أحسن منّه عشان تحاسبه؟ ربنا بيحاسبنا لإن ربّنا وهبنا الحياة؛ انت إدّيته إيه عشان تحاسبه؟ اللى يأذيك تحاسبه آه؛ يسرقك، حاسبه؛ يفسد فى أرضك، حاسبه؛ لكن مش من حقّك تحاسب الناس على ما يصدّقون. ولو الكلام موجّه للمسلمين كأغلبية سكان مصر، ولو الكلام ده كله كلام فارغ مالوش قيمة عند حد منهم، بلاش. لكن ازاى حد فاكر نفسه بيدافع عن الإسلام بإنه عايز يُكرِه الناس على الإيمان بالله والإسلام واتّباع السنة، مايعرفش إن ربّنا قال فى القرآن «لكم دينكم ولى دين» «وَلَوْ شَاء ربكَ لآمنَ من فى الأَرض كلُّهُم جميعا أَفَأَنت تُكرهُ الناسَ حتَّى يَكونوا مُؤمنين» «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»؛ ماعدّتش عليهم الآيات دى، ولّا مش مصدّقينها؟ حتّى لو حد ضلّلهم وقالهم آيتين كده فى غير موضعهم وراح لاففهُم لفّة شيك عشان يخدّم بيهم على منطقه الرافض للآخر، إزاى بيشتروا منه كلام يُناقض ما بين أيديهم وأمام أعينهم من كلام الله! «اللى يعرف يُرغِم الناس على الحُب، هو اللى يعرف يُرغمهم على الإيمان» ومادام ماحدّش عنده تلك القدرة يبقى ماحدّش من حقّه يدّعيها، وكل واحد يخلّيه فى نفسه عشان يستحق حريّته هو كمان؛ يمكن يستحق يبقى بنى آدم. المبدأ القابل للتلوّن (لا مؤاخذة) مش مبدأ ومش يقين؛ والمبادئ القابلة للتجزئة هى مبادئ المنافقين.