على عكس ما يتصوَّر الكل، لم تكن الثورة البلشيفية فى روسيا عام 1917م، والتى قادها فلاديمير لينين وليون تروتسكى، هى المرحلة الأولى من الثورة الروسية، وإنما كانت أشبه بثورة مضادة على الثورة الأصلية، التى اندلعت لتطالب بإسقاط نظام الإمبراطورية، وسقوط أسرة رومانوف، التى عاثت فى روسيا فسادا، فلقد انتهت المرحلة الأولى بسقوط النظام، وإعدام عائلة رومانوف بالكامل، وسط احتقان شعبى شديد، كان من الممكن أن يقود روسيا إلى أن تصبح دولة عظيمة، ذات نظام ديمقراطى سليم، ويتمتع بحرية حقيقية، ينعم بها كل مواطن روسى.. ولكن الاحتقان لم يتوقف، حتى يعطى الفرصة لهذا، لقد استغل أصحاب الفكر الشيوعى الفرصة، وعمدوا إلى دفع المزيد من الاحتقان إلى الشارع، بحجة مطاردة أذناب أسرة رومانوف، والحرص على أن يلقوا نفس المصير الذى لاقته أسرة الإمبراطور السابق، ولأن لعبة السيطرة تستلهم وقودها من احتقان الشارع واندفاعه، عقب الثورة الأصلية، فقد راح الشارع الروسى يحتقن، ويحتقن. ولأن هناك خطة منظمة، لإبقاء الشارع فى حالة احتقان دائم، وإشعال انفعاله وغضبه طوال الوقت، فقد اندلعت الثورة البلشيفية.. وبدأت مؤامرة ضد الحكومة المؤقتة، قادها الجنرال كورنيليوف، فاجتاحت روسيا موجة من تظاهرات مليونية حقيقية، مع سلسلة من الإضرابات، أدت فى النهاية إلى نجاح الثورة البلشيفية فى أكتوبر 1917م.. وتصوَّر الشعب الروسى عندئذ أنه قد انتصر، وأنه قد نال حريته، التى حلم بها طويلا.. ولكن هذا لم يحدث.. ففى 12 نوفمبر من العام نفسه، أجريت انتخابات الجمعية التأسيسية، ولكن الشعب رفض القرارات التعسفية للحكومة البلشيفية، مما أثار غضب البلاشفة... وفى يناير 1918م تم حل البرلمان بالقوة، واعتقال معظم نوَّابه، مما أثار غضب من نادوا بالديمقراطية والحرية، وخرج الناس فى مظاهرات سلمية، يعيدون مطالبهم بالديمقراطية والحرية.. وهنا قام البلاشفة بأسوأ مما كانت تقوم به النظم السابقة.. لقد أطلقوا النار على المتظاهرين.. وبمنتهى الوحشية.. وتحت وطأة النيران وسقوط عشرات القتلى والمصابين تم قمع التظاهرات، وسقط الشعب الذى نادى بالحرية والديمقراطية، ليرزح تحت حكم ديكتاتورى قمعى دموى، استمر ما يقرب من سبعين عاما، حتى سقوط الاتحاد السوفييتى فى بداية التسعينيات.. فهل يتعلّم أحد من التاريخ؟! هل؟!