«1» حين خرجت إنجلترا من تصفيات كأس العالم 2006، قاد المدرب الإنجليزى ستيف مكلارين حملة واسعة محورها أن ما يحتاجه المنتخب هو مزيد من المشاعر الوطنية والحماس. ومع صدمة الخروج والحملة الإعلامية المصاحبة رضخ الاتحاد الإنجليزى وعينه مديرا فنيا للمنتخب الإنجليزى بدلا من السويدى سفين جوران إريكسون. بعض من هذا يحدث فى السياسة أيضا. حين تكون فى موقع المعارضة تستطيع أن تقنع الناس بأنك تملك حلولا بسيطة ومباشرة وناجعة لكل شىء، من أول مشكلة المرور إلى مشكلة القدس. وهناك طريق واحدة لكى يستريح الناس من زنّك، أن يولوك المهمة. فى حالة مكلارين، لم تستطع وعوده أن تصمد أمام الواقع، وحقق المنتخب الإنجليزى فى الخمسة عشر شهرا التى تولى فيها المسؤولية أسوأ نتائج له، وخرج من التصفيات المؤهلة لبطولة كأس الأمم الأوروبية 2008. ليس هذا تنبؤا بالفشل لكل حزب معارض يصل إلى السلطة، فكثير من الأحزاب المعارضة استطاعت فى الحكم أن تفى بوعودها. ورئيس حزب العمال البريطانى السابق تونى بلير أحدث فى بلاده قفزة نوعية، اقتصاديا واجتماعيا، وفاز بالانتخابات ثلاث دورات متتالية لأول مرة فى تاريخ حزب العمال البريطانى. نجاح أكبر حققه حزب العدالة والتنمية فى تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان. إنما هذا محاولة للفت النظر إلى اختلاف طبيعة الوعود. بأى معنى؟ الفارق أن ستيف مكلارين اعتمد على كلمة غيبية، لا تستطيع أن تقيس مداها ولا حتى تتفق على معناها. وبعض الأحزاب السياسية تفعل ذلك أيضا. اليمين النمساوى بقيادة هايدر فعل ذلك، وارتفعت نسبة تأييده فى الشارع النمساوى من 5٪ عام 1986إلى 27٪ عام 2000. لكنه، بعد أن شارك فى حكومة ائتلافية، تراجع بشكل حاد فى خلال سنتين فقط إلى 10٪ فى الانتخابات العامة. أما بلير فقد قدم منذ توليه زعامة حزب العمال، وهو فى صفوف المعارضة، فلسفة جديدة تنقل الحزب اجتماعيا واقتصاديا من اليسار إلى منطقة الوسط، وأبرزَ للناخب برنامجا واحدا من السياسات الضريبية والاقتصادية والاجتماعية التى سيحقق بها هذا الغرض. وأردوغان جاء بمشروع تنموى واضح أثبت فاعليته فى بلدية إسطنبول ثم فى عموم تركيا. لن يكون بمقدور حزب الحرية والعدالة بعد الآن أن يسير مظاهرات تنديد تطالب بفتح الحدود مع فلسطين. سيكون عليه أن يتخذ موقفا سياسيا واضحا. لن يستطيع سياسيوه أن يشنوا حربا كلامية على السياحة، سيكون عليهم أن يصدروا قرارات، وسيكون عليهم أن يعثروا على بدائل تعوض نقص مدخول السياحة إن خوّفت تلك القرارات السياح. سيكون عليهم التعامل مع مشكلات المرور، والصحة، والتعليم، والطرق، والإسكان، لا مع أزمات الكتب والمسلسلات والأفلام كما اعتاد نواب الإخوان فى البرلمانات السابقة. لا أدعى أنهم سيفشلون. لكننى لم أر لهم حتى الآن خططا ملموسة للنجاح، لا أعرف أى اتجاه اقتصادى سينتهجون، ولا أعرف أولوياتهم فى سياستهم الخارجية، ولا مشروعهم الاجتماعى والتنموى فى مصر. للأسف، فإن الحملة الانتخابية تناولت كل شىء إلا البرامج الانتخابية، وليس هذا مبشرا. «2» من سمح له وقته بقراءة مقالات سابقة لى يعلم أننى منتقد لنهج الأحزاب الإسلامجية المصرية الفكرى. وإن كان هذا لا يمنعنى من الإشارة إلى أن حملة التخويف من وصول أحزاب إسلامجية للسلطة مبالغ فيها. وأتحدى أن يقدم لى أحد مثالا واحدا لحزب إسلامجى وصل إلى السلطة بالديمقراطية ثم انقلب عليها. إيران وطالبان وبلاد واق الواق لم تصل فيها الأحزاب الدينية بطريقة ديمقراطية، بل بالاستيلاء. وفى الجزائر كانت مبادرة القمع من جانب السلطة العسكرية. ولو أنها، ما دامت ملكت القدرة على الحسم، أعطت الإسلامجيين هناك فرصة لربما كان المسار الديمقراطى فى الجزائر الآن نموذجا للمنطقة. لا نريد أن نكرر هذا النموذج فى مصر. لا نريد أيضا أن نكرر النموذج الباكستانى، حيث تتوازى سلطتا الحكومة المنتخبة ديمقراطيا مع الجنرالات غير المنتخبين. تلك وصفة لفشل ذريع. لا ضامن للديمقراطية إلا هذه الجموع التى أسقطت النظام السابق، وتلك الجموع التى خرجت لكى تعبر عن خيارها فى صناديق الانتخاب. لا شىء يغرى بالاستبداد أكثر من السلطة المطلقة، ولا شىء يخلصنا من الادعاءات ويكشف لنا الجوهر أكثر من السلطة الديمقراطية. إن مجرد المشاركة الديمقراطية تدق عشرة مسامير فى نعش التشدد السياسى، فلنعط الخيار الديمقراطى فرصة دون أن نتخلى عن اليقظة والحذر. حذر مبعثُه تصريحات المتشددين من أى حزب إسلامجى، الذين سيكون أول المتضررين منهم حزب الحرية والعدالة نفسه.