أعد الملف: مني سليم – شيماء مطر حصاد أسبوع الآلام فى عنابر قصر العينى انتهى أسبوع من الموت والألم.. انتهى دون ضمانات بأن لا تتكرر المأساة وتنطلق رصاصات الموت فى أقل من لحظة.. انتهى ولكن الصورة داخل عنابر مستشفى قصر العينى ما زالت شاهدة على الجريمة التى وقعت بشارع محمد محمود وميدان التحرير، خصوصا أن تحقيقات النيابة العامة لم تصل إلى هناك بعدُ، واكتفت بتوجيه الاستدعاء إلى بعض الأطباء للذهاب إلى سراى النيابة والإدلاء بأقوالهم.. هناك الحكايات وهناك آهات الألم تشير إلى أن أكثر من جريمة وقعت فى وقت واحد.. فإلى بعض ملامح ألم الأسبوع الدامى. مصابو التحرير عمال ومهندسون وطلبة قالوا عنهم «بلطجية»، ووقف الشعب غير مدرك الحقيقة، والسبب أنه لم ير بنفسه ولم يجرب مغامرة الموت فى شارع محمد محمود، ولكن ألا تكفى بيانات مكتب استقبال مستشفى قصر العينى حول هوية المصابين لترد على السؤال الذى لا يوجد سبب حقيقى للحيرة حوله.. من هؤلاء؟ الإجابة ستأتيك من واقع كشوف المستشفى.. إنهم عمال ومهندسون وحرفيون وطلبة. فى الدور السابع قابلنا بسام أحمد، طالب أولى ثانوى، أهله من سوهاج، ويدرس مع إخوته الذين فى الجامعة بالقاهرة.. بسام فى غيبوبة مستمرة، والتشخيص الأولى طلق نارى بالرأس نتج عنه تدمير للفص الشمال بالمخ، ففقد النطق وأصيب بشلل نصفى. معوض كمال طالب بكلية صيدلة بجامعة مصر، ويرقد بقصر العينى الفرنساوى وهو فى حالة غيبوبة كاملة بعد تلقى رصاصة بالرأس، وفى قصر العينى القديم بقسم «5 جراحة» الرعاية المركزة، ترقد حالة مشابهة، لطالب بمعهد الحاسب الآلى بالعاشر يدعى رمضان أحمد محمود صالح، تلقى رصاصة فى رقبته قطعت النخاع الشوكى وأدخلته فى غيبوبة كاملة أيضا. بسام ومعوض ورمضان، حالات على سبيل الذكر لا الحصر، فإلى جانبهم عشرات الحالات لم نجد من بينهم شخصا «مسجل خطر» أو غير معروف الأهل. جميعهم شارك فى يناير وكتبت له النجاة، فنزل فى نوفمبر، ليتم ما بدأه. المصابون فى العنابر.. بين يدى المخبرين حائط الدم.. 33 قائمة للمصابين تضم 415 ثائرا.. وجرح برقبة مجند.. و5 حالات تهشم بالجمجمة عند بوابة استقبال الطوارئ، فى خلفية مبنى قصر العينى المطلة على حديقة «أم كلثوم»، صورة تنتمى لما بعد 25 يناير، نفذها مكتب الاستقبال بالمستشفى، بتعليق كشف إحصائى على الحائط الملاصق للبوابة تحت اسم «استقبال الحالات خلال الأحداث من يوم 19: 22 نوفمبر»، والتى احتلت 33 ورقة تضم أسماء 415 مصابا، بعضها لجثث مجهولة، وذلك خلال الأيام الثلاثة الأولى، من السبت 20 نوفمبر حتى يوم 22 نوفمبر، وبنهاية كل ورقه إحصاء لعدد المصابين المترددين على مستشفى قصر العينى، والذى وصل فى اليوم الأول إلى 67 مصابا وارتفعت فى اليوم الثانى إلى 139 مصابا، ثم 205 مصابين، فى اليوم الثالث. إلى جانب هذا الكم من المصابين الثوار، كشفت القائمة عن مصاب واحد فى جانب العسكر، هو المجند رامز مجدى يوسف، بجرح قطعى فى الرأس، وتم احتجازه فى غرفة بمفرده خوفا من اعتداء أهالى المصابين عليه، بحسب الدكتور مصطفى المحمدى. حائط الدم رصد 415 مصابا فقط تمت إحالتهم إلى مستشفى قصر العينى من بين 1750 مصابا سقطوا مضرجين فى دمهم، من السبت الماضى فى أحداث شارع محمد محمود وميدان التحرير، وفقا لما رصدته وزارة الصحة. القائمة المعلقة تكشف تطور الأحداث، ففى اليوم الدامى الأول كان الملمح الرئيسى هو الإصابة بطلق خرطوش فى العين والرأس بصورة كثيفة، فضمت عنابر 12، 14، 16 الخاصة بالرمد مريضا فى كل منها، واستقبل عنبر 5، »استقبال جراحة» ما يقارب 30 حالة، أما يوم الأحد فكان الأكثر شيوعا به هو حالات الاختناق الشديد التى انتهت باستقرار 10 حالات داخل «مركز السموم» بالمستشفى فى حالة تشنج وهياج أعصاب. رصدنا ما لا يقل عن 5 حالات تهشم بالجمجمة وكسر بالعظام نتيجة الضرب المبرح الذى تم على يد مجندى الشرطة العسكرية خلال المحاولة الفاشلة لفض الاعتصام، فى حين زاد أعداد من تلقوا طلقات نارية فى الرأس والصدر يوم الثلاثاء بعد أذان المغرب إلى 13 إصابة بالرأس والصدر، وذلك حين نكثت «الداخلية» الهدنة التى أعلنت عنها بالتعاون مع ممثلى الأزهر الشريف، فأطلقت النار ما بين الصلاة والإقامة لمغرب الثلاثاء. ومن أهم ما يميز الكشوف المعلقة أنها تضم بيانات تحمل رقم التذكرة التى مر بها المصاب إلى المستشفى ورقم التسجيل فى حالة استقراره بالعنابر الداخلية، وقد كشفت هذه الأرقام أيضا عن أن هناك حالات خطرة تصل للإصابة بطلق نارى فى الرأس، فضل أهلهم أخذهم إلى خارج قصر العينى، خصوصا وسط ما تم التأكد منه عن تكرار حالات ضبط وإحضار مصابين وسحبهم إلى مبنى وزارة الداخلية وأقسام الشرطة. الصورة هناك كانت واضحة، فوسط الصراخ والجثث والمصابين كان هناك رجال يتفقدون الوضع دون أى مساعدة للمصابين، وعند سؤال أحد الأطباء عنهم، رد «المخبرين.. دول ماليين المستشفى».. اقتربنا من مخبر منهم، كان أكبرهم سنا، ويدعى «عم حجازى» فقال «المصابون هم الذين افتعلوا الأزمة بينهم وبين رجال الشرطة، ولا بد من تأديبهم». شلل.. بسبب غاز «الداخلية» شباب «زى الفل» مصاب بالتشنج وعدم الحركة.. رغم مرور أسبوع على الحادثة قالوا إن الغاز غير سام، قالوا لا يمكن إطلاق غاز على مئات الآلاف من المتظاهرين بهدف قتلهم، لكن فقط لتفريقهم وفض الاعتصام. نقول هذه السطور، رغم أنه لا يحق لهم فض الاعتصام، ورغم أنه لم يكن هناك بلطجية يحاولون اقتحام وزارة الداخلية، التى لا تطل على شارع محمد محمود، بالمناسبة، فهناك حالات سقطت وتم نقلها فى حالة شديدة السوء إلى مركز السموم بقصر العينى وتم تشخيصها على أنها حالة تسمم حاد. ذهبنا إلى هناك بعد مرور سبعة أيام على السبت الدامى، وهناك وجدنا أن الساعة لم تتحرك، بل ثبتت على صورة أليمة، على ستة شباب فى حالة إغماء شبه كامل مُقعدين على كراسى متحركة، فى حالة تشنج صعبة، ومن أفواههم الثائرة تخرج آهات لشباب فقدَ الحركة والقدرة على التنفس، أما التشخيص فهو سموم بالدم أثرت على الوظائف الحيوية. مر ما لا يقل عن خمسة أيام ولم تتحسن حالتهم، ليس هذا فقط بل يمكنك أن تتأكد إذا قمت بزيارتهم أن رائحة الغاز ما زالت مرافقة لأجسادهم وملابسهم. الدكتورة أميرة هريدى، أحد الأطباء بمركز السموم، أكدت أن غاز «السى آر» المستخدم بقنبلة الغاز المسيل للدموع يشتبه فى كونه مادة مسرطنة، مشيرة إلى أنه سام فى حالة ابتلاعه والتعرض له على حد سواء، ولكن بدرجة أقل من غاز «سى إس»، وقد يتسبب فى الوفاة فى حالة التعرض لكميات كبيرة منه، وهو ما يمكن أن يحدث خصوصا فى الأماكن سيئة التهوية، حيث يمكن أن يستنشق الشخص جرعة مميتة منه خلال دقائق معدودة. إخصائية السموم، أشارت إلى أن المثير للشك الأعراض التى ظهرت على المتظاهرين بعد استنشاقهم الغازات المسيلة للدموع، نظرا لأعراض التشنج المستمرة لعدة أيام، وهو غير متعارف عليه، وللأسف يعجز الأطباء عن تهدئة المرضى، مشيرة أيضا إلى أنه جار تحليل عينات من دم المصابين للتوصل إلى علاج لهم، نظرا لتكرر حالات التشنج والصداع النصفى بعد شفائهم من السموم، التى تسببت فيها هذه الغازات. رقبة «طائر الإنقاذ» تحت «البيادة العسكرية» طلعت منقذ الجرحى.. يهذى بوصف قاتله «ابعدوا الدم ده.. كان لابس زيتى» كلمات ينطقها دون إدراك وسط تعب لا يستطيع أن يتحمله، فيغيب ثم يعود، وفى كل مرة يحدث هذا وسط محاولات الأطباء حقنه بمسكنات وسحب عيناته وقياس نبضاته لإعداده للدخول إلى غرفة العمليات لجراحة بالجمجمة، التى تعرضت للكسر تحت البيادة العسكرية وعلى يد عصا مجندى الشرطة العسكرية فى محاولة فض اعتصام الأحد الدامى، فى 20 نوفمبر.. يمكنك أن تزوره داخل قسم المخ والأعصاب الدور السابع بقصر العينى، اسمه مصطفى طلعت، عمره 28 عاما، يعمل نجار مسلح بمنطقة الشرابية بالقاهرة، دوره بالميدان كان ضمن «ائتلاف شباب الموتوسيكلات» الذى تكوّن سريعا دون ترتيب بهدف نقل المصابين من مقدمة شارع محمد محمود إلى سيارات الإسعاف.. والدة طلعت تبكى إلى جواره وتحلفنا أن نلتقط له الصور حتى يرى العالم إجرام الشرطة العسكرية و«الداخلية» فى حق ابنها الذى انهالوا عليه بالشوم. أحمد بدوى.. شهيد دائم السيارة الدبلوماسية دهسته فى يناير.. و«الداخلية» قتلته فى نوفمبر أحمد بدوى الزينى دهسته السيارة الدبلوماسية يوم 28 يناير واقتنصه رصاص الداخلية يوم 21 نوفمبر، الآلام امتدت طوال أسبوع وانتهت الأربعاء الماضى ليضع اسمه وسط جنة شهداء ثورة يناير، وذلك بعد نضال 10 أشهر لم يفوت خلالها اعتصاما واحدا ولم ينس، كملايين غيره، ميدان التحرير. كان من ضمن الثوار الذين دهستهم السيارة الدبلوماسية فى شارع قصر العينى فى أثناء ثورة 25 يناير، وكان للعناية الإلهية رأى آخر فحمَته من الموت، ولكن رجال «الداخلية» لم ينسوا وجهه، رافضين رحمة الرب. أحمد لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أسبوع من الآلام داخل «قسم 5» بالعناية المركزة فى قصر العينى، وكان قد دخل فى غيبوبة تامة منذ مساء الأحد 20 نوفمبر، لكن ليس نتيجة الطلقات النارية إنما نتيجة الإهمال الطبى بمستشفى قصر العينى، وفقا لما قالته الدكتورة راضية غنيم الطبيبة بلجنة شباب الإغاثة والطوارئ، وأضافت «بعد وصول أحمد إلى مستشفى قصر العينى كان واعيا لما يحدث مبتسما وبالكشف عليه تبين أنه مصاب بطلقة نارية أسفل البطن ونزلت إلى الحالب، وكان يحتاج إلى أكياس دم لإنقاذ حياته، لكن المستشفى تحجج بغلق بنك الدم بالمستشفى لوصول المصاب فى منتصف الليل، فاضطر أخوه إلى شراء خمسة أكياس دم من خارج المستشفى تصل تكلفتها إلى 1750 جنيها، ونقلنا له الدم اللازم وركبنا له قسطرة وحجزناه بقسم الباطنة إلى حين تجهيز غرفة العمليات، لكن بعد مرور ثوانٍ فوجئنا بنزيف حاد نتيجة تركيب القسطرة خطأ، وتسببت فى قطع شريان وتجمع دموى أسفل الخصية، وهو ما تسبب بدخوله فى غيبوبة تامة، وتم نقله إلى العناية المركزة، لكنه توفى بعد إجراء ثلاث عمليات. شهداء مجهولون.. مأساة تتكرر مصدر بالمستشفى: مخبرون وممرضات أخفوا هويات الشهداء حائط الدم كشف عن مأساة تتكرر مرة أخرى وهى «شهداء ومصابى الثورة المجهولين»، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 10 حالات لم يتم الاستدلال على عناوينهم، فقد اختفت بطاقات هوياتهم. والد أحد المصابين بمركز السموم أكد أنه منذ ثلاثة أيام يحاول الحصول على بطاقة ابنه ومتعلقاته من الأمانات، لكن الرد الدائم: «لم يتسلم الإسعاف أى متعلقات خاصة به». لكن مصادر بقصر العينى كشفت ل«التحرير» عن دوريات بالمستشفى، خاصة يومى السبت والأحد، لمخبرين فى زى مدنى بممرات المستشفى، يقومون بسرقة الهويات من ملابس الشهداء والمصابين، بل أكدت المصادر مشاركة بعض أعضاء جهاز التمريض فى ذلك، وهى الممارسات التى دفعت أطباء من ائتلاف الثورة إلى التطوع لاستقبال المصابين والشهداء والاحتفاظ بهوياتهم، إلا أنهم أكدوا فى نفس الوقت أن هناك بعض المصابين تعمد إخفاء بياناته، حتى لا تحصل أى جهة تحقيق عليها.. و«التحرير» تنشر قائمة ببيانات المصابين والشهداء المجهولين بموجة «نوفمبر» من الثورة. السن مجهول تردد م التاريخ 25 مجهول1 418 172 20 نوفمبر 28 مجهول2 60 20 20 نوفمبر مجهول3 394 77 21 نوفمبر مجهول 30 134 21 نوفمبر مجهول 3056 34 19 نوفمبر مجهول 178 35 19 نوفمبر مجهول 229 62 22 نوفمبر وننشر أيضا نوع الإصابات وعددها فى ثلاثاء «خدعة المغرب» الاسم تاريخ الدخول التشخيص رقم الدخول أسامة جمال محمود 22 نوفمبر اشتباه نزيف بالبطن 9980 باسم بدوى عبد العال 22 نوفمبر طلق نارى بالبطن 9982 أحمد محمد شعبان 20 نوفمبر ثقب بالإثنى عشر 9923 محمد حسن أحمد 23 نوفمبر جرح قطعى باليد 1999 محمود سامى محمود 23 نوفمبر طلق نارى بالبطن 1001 وليد نصر عبد المهدى 23 نوفمبر طلق نارى بالبطن محمد أبو بكر عبد المنعم 23 نوفمبر طلق نارى بالبطن 9887 خالد عبد الناصر 20 نوفمبر خرطوش بالرجل 9969 محمود عبد التواب 22 نوفمبر طلق نارى بالظهر 9968 مجدى غانم محمود 23 نوفمبر طلق نارى بالشرايين 19001 سيد إبراهيم السيد 23 نوفمبر طلق نارى بالحلق 1992 أحمد حسنين على 23 نوفمبر طلق نارى بالبطن 1997 خالد على عبد المنعم 23 نوفمبر طلق نارى بالبطن 9959 محمد أحمد عبد الفتاح نزيف بالشرايين