انقلب السحر على الساحر.. فلمن التصويت اليوم؟ وعلى أى أساس ستدلى برأيك؟ بدأت حروب اللحظات الأخيرة قبل الاقتراع، الحروب الأقذر.. يتحدثون عن مبادئ ولا تمت أفعالهم إلى الأخلاق بأى صلة. انتخابات.. والثورة ما زالت فى الميدان؟ لقد حاول الإخوان وحلفاؤهم أن يحصدوا نتائج الثورة وطمعوا فى استلام السلطة خالصة بمليونيتهم، استعجلوا وأغواهم طمعهم بأن لا يتركوا بارقة للشعب لكى يتنفس الحرية، فاستعرضوا قوتهم لإلغاء مدنية الدولة، وفتح الباب لمصادرة الحريات، لتأكيد أن قدر الشعب هو الشمولية والديكتاتورية. ادَّعوا تضامنهم مع مطالب الثورة وتركوا الميدان عندما تحققت أطماعهم. تلك هى القشة التى قصمت ظهر البعير، وانتهت مرحلة احتواء الثوار وسرقة أحلام الثورة. انكشف للثوار أن كل القوى من حولهم ليسوا إلا طالبى سلطة وسلطان. لن يغادر الثوار الميدان إلا بتحقق مطالب الثورة، لن نعود إلى أى شكل من أشكال الشمولية. لن يسمح الثوار بالقفز ثانية على ثورتهم. لقد امتلأ الميدان بشباب مصر يواجهون رجال الشرطة المستنفَرين دائما ومسبقا تجاه الثوار، انعدمت بصيرتهم واستهدفوا بصر الثوار، كرروا جرمهم وورطوا المجلس العسكرى معهم. وامتلأ المشهد ثانية بشباب مصر الحر. هذه هى الفرصة الأخيرة لاستعادة الثورة، فهل يجهضها المجلس العسكرى أم يدعمها فعليا؟ لكن ماذا يحدث؟ تصميم على الانتخابات. كل تفكيرهم مرتكز حول العودة إلى نفس «المنظر» قبل نوفمبر 2010! الانتخابات مع بعض التغيير فى السيناريو! يعتقدون أن تصحيح خطأ «عِز» بإقصاء كل «المعارضة» ونقض كل الصفقات، بالعودة بصفقات أكثر سخاء على طريقة «صفوت الشريف»، علهم يحتوون المعارضة فى مكان واحد «مجلس الشعب» بدلا من الميدان. إننا بالفعل نقف اليوم عند نفس الصور السابقة، تنافُس (الوطنى-الإخوان) مع الكومبارس المتطلعين والمشتاقين من الأحزاب الوهمية والشخصيات الهلامية التى تبيع أى مبدأ عندما يلقى لها الفتات. تراهم متراصين حول زعماء الإخوان معلنين الولاء، غير معنيين بما يحدث فى الميدان فى لحظة سقوط مزيد من الشهداء. السلطة لا مطالب الثورة هى الحقيقة الوحيدة لديهم. ولا يعنى أحداً ما يحدث فى الميدان، ولا يستطيعون إلا المتاجرة بدماء الشهداء ومطالب الثوار. على أى أساس ننتخب اليوم؟ قبل أى انتخابات كان يجب أن تصاغ مبادئ الثورة ومطالبها وآليات تحقيقها فى دستور مصر الثورة. ثورة تعنى تغييرا جذريا يتماشى مع مبادئها، ثم تأتى الانتخابات. انتخابات يتنافس فيها المتنافسون على تحقيق مطالب الثورة وإعمال مبادئها، يخوضون انتخابات ببرامج توضح كيف سيستجيبون عمليا لمطالب الشعب الذى خرج على الظلم والديكتاتورية. ألا يعون أنه يجب أن يعاد الأمر إلى أصله؟ حكومة إنقاذ وطنى بصلاحيات حقيقية، وفريق من خيرة أبناء مصر ليخطّوا دستور الثورة. الأيديولوجية الوحيدة الحاكمة هى ما تصوغه مبادئ الثورة، وليس فيه ما يتعارض مع هوية الوطن. اندلعت الثورة لغياب الحقوق وهيمنة الفساد. لم تقم الثورة لأننا شعب من الكفار، فالغالبية العظمى من شعبنا فى المساجد والكنائس، وأمام المشايخ المطلين من الفضائيات. قامت الثورة لأننا وصلنا إلى حد تجاور غياب الحقوق وضياع العدل وانتشار الفساد بجانب الإسراف فى التدين الشكلى. فالتدين الذى قدموه للناس لم يحم صاحبه من الدخول فى دائرة الفساد من رشوى ومحسوبية ونفاق ونميمة وأذى. ما نريد اليوم هو دستور الثورة وحكومة تنقذنا، تحفظ أمن المواطنين، تفك شفرة وزارة الداخلية التى يحتفظ بها العادلى ولم يَبُح بها بعد! تحقق الأمان للناس بالعدالة الاجتماعية والمساواة، بتوفير عمل كريم، وأجور عادلة، وتعليم لا يلغى عقول أبنائنا بل يهيئهم للمنافسة فى عالم رحب من العلم والمعرفة، رعاية صحية تفى بالمعايير الإنسانية، وسكن يحمى خصوصية ويحترم آدمية الناس، بثقافة تثرى الجوهر الروحى والعقلى لا أن تهدر الوعى وتقولبه. حكومة تقضى على مثلث الفساد بأركانه «الرشوى والمحسوبية والنفاق»، الفساد الذى تورط فيه 99% من أفراد الشعب. هذا ببساطة مطلب الشعب المصرى وفى طليعته الثوار والزعامات الوطنية، مطلبهم من المجلس العسكرى على رأس الجيش الذى هتفوا له ومعه فى فبراير، الجيش بقادته الذين تعهدوا باسمه بالحفاظ على الثورة والالتزام بمطالبها. هل يعدّل المسار ونستعيد الثورة؟ هل يوفى المجلس بقسمه ووعده.. هل يقر بأخطائه؟ كان خطأ فى حق الوطن أن يسعى لتفرقة الصفوف، الاستفتاء كان خطأ، الانتخابات الآن خطأ أكبر. على المجلس الإقرار بأنه لم يعتبر الثورة حقيقة، ولم يقدم حتى الآن إلا وعودا، لكن العمل الحقيقى لتحقيق مطالب الثورة لم يبدأ بعد. هل يؤمن المجلس بانتقال السلطة للمدنيين ليطبقوا مبادئ الثورة، أم يريد تسليمها لتيار معين يطبق ما يشاء؟ هل هناك صفقات؟ هل لو جاءت وثيقة السلمى خالية من كلمة مدنية الدولة لقبلها الإخوان حتى بالمادتين 9 و10؟ ما غير المعلن فى كل ما يحدث؟ هل هى مصالح البعض مرة أخرى أم مصالح أمة؟ آن أوان المكاشفة وإعلان ما حدث فى أثناء يناير وفبراير، مَن وراء تهريب السجناء ومهاجمة الأقسام، ومقرات أمن الدولة؟ مَن حمل السلاح فى أثناء الثورة؟ مَن تورط فى العنف تجاه الثوار ولا يزال خارج السجون؟ من يتآمر على مطالب الثورة الآن؟ ألعاب الحواة واستعراض القوة ليس فى مصلحة الوطن. لم يعد ذلك يجدى إلا فى خراب البلد. الموضوع ليس الحفاظ على مصالح وامتيازات، بل مستقبل أمة. قوة المجلس العسكرى والجيش هى فى تحالفه مع الثورة. الأمة فى رقبة الجيش فهل يخرج بها للنور متحالفا مع شبابها؟ فلمن التصويت اليوم؟