أقف على جنبات مصر الفاطمية بمنطقة باب النصر، أشاهد المارة وهم يسيرون مع أُسرهم يرسمون البسمة العريضة على شفاههم، وأنظر فى عيون الشيوخ الكبار الجالسين فى تسامر مع أبناء حيهم، فأستشعر أمانا وعلامات بارقة من صوت الزمن الجميل. حتى الأطفال الذين يلهون داخل جنبات أروقة المساجد وأنفاق المتاحف الأثرية، أشتم رائحة البراءة والتطلع إلى المستقبل. أسير على قدمىّ قليلا لأداء صلاة الفجر فى مسجد الحسين، الجميع مصطف مردد «الله أكبر»، شيخ كبير مع شاب طموح، طفل صغير، مشاهد حية تتكرر وتتحد فقط داخل مصر. وعلى جنبات الصف الآخر أطالع التليفزيون فأجد حشودا ملتفة تحت بارقة أمل التغيير فى مصر، زفوا شهيدا مع أذان صلاة الظهر فى ميدان التحرير، صلوا عليه وهم ينظرون إلى السماء مخاطبين المولى عز وجل بأكف ضارعة قائلين: يا رب واحمِ لنا مصر، يا رب وأعد لنا مصر، يا رب واحفظ بلادنا مصر من كل الشرور. يقاطعنى صوت شجى أصبحت أحبه وأعشقه للداعية والعلامة مظهر شاهين الذين قال كلماته التى رنت ولا تزال تتردد فى أذنى: هذا ليس بحشد ملتف نحو صندوق انتخابى، وليس بتجمهر وتجمع لاعتصام فحسب... إنهم المصريون يقولون كلمتهم، وهذا مشهد من بلادى! وهذا مشهد من بلادى... تتعدد الصور والتضيحات، يتكاثر الشهداء والصامدون، ويبقى أهل مصر هم المرابطون والموحدون على ثورتهم التى صنعها القهر، يظل أبناء مصر مصممين على استكمال مسيراتهم نحو التطهير والتغيير، وتبقى مصر صامدة على الرغم من كل المحن التى مرت بها. أيها المجلس العسكرى، حضرات المرشحين والسياسيين، ماذا تنتظرون من كلام أمام إرادة شعب صنع ثورة صامدة على عهد ذل وقهر امتد لأكثر من ربع قرن؟! أليست مصر تستحق منكم الاستفاقة والإسراع فى تعجيل خطوات التقدم نحو التنمية والاستقرار والأمان؟! أليست مصر هى التى صنعت أسماءكم وألقابكم وشاراتكم ومجدت أسماءكم وذكركم؟! أرجوكم أريحونا واتحدوا واعبروا بنا إلى بر الأمان.. أرجوكم أنهوا مشهد إراقة الدماء.. أرجوكم أكملوا الحلم الذى صنعه الشباب المكافح، وأكملوا رسمة الأمل حتى تكون محفورة فى أذهاننا. الحرية والتغيير، العدالة والاستقرار، هى الفرشاة التى سأرسم بها مشهدا من بلادى.