كتبت أمس تحت نفس العنوان، وها هى حكومة عصام شرف ترحل، فهل كل هذه الدماء الطاهرة سفكت فى ميدان التحرير وفى غيره من ميادين المحروسة من أجل تغيير حكومة عصام شرف؟ وهل أرواح عشرات من شهدائنا الأبرار رحلت إلى جوار الرحمن الرحيم، من أجل التخلص من مجموعة سكرتارية لا سلطة لهم على الإطلاق؟ لقد أنهيت مقال أمس بهذه الكلمات: «كل هذه المشاهد وغيرها لا تقارن بمنظر جندى (مصرى!) يسحب، أو على الأصح يسحل على الأرض جثة شهيد من شهدائنا الأبرار، ويلقى بها بجوار كوم من الزبالة القذرة! والآن وبعد كل هذه الوقائع الثابتة، وهذه الجرائم الخسيسة، وبعد استخدام الرصاص الحى فى التعامل مع معتصمين سلميين، هل يحق لمن يحكمون هذا البلد، أن يبقوا على مقاعدهم الوثيرة؟». والإجابة واضحة وحاسمة وبسيطة، يجب أن يسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة فورا. فمن أول لحظة ما كان يصح أن يتنازل المخلوع طبقا لدستور «71» إلا إلى رئيس مجلس الشعب، وفى حالة حل المجلس، تنتقل السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا. لكنه نقل سلطاته المطلقة إلى المجلس العسكرى، دون أى سند دستورى، وقد وعدنا المجلس بتسليم السلطة لرئيس جمهورية وحكومة وبرلمان منتخبين، فى خلال فترة ستة أشهر، فإذا بالمدة تمتد شهرا بعد آخر، وإذا به يسحبنا بعيدا جدا إلى عام 2013! دون أن يحدد موعدا واضحا لانتخابات رئيس الجمهورية! ومن البداية «العسكرى» يفسد كل شىء، ويرفض تحقيق مطالب الثورة، ويتمسك بكل رجال مبارك، بداية من أحمد شفيق حتى حسام كامل! ومن ثم لم يقدم المجلس العسكرى أى شىء إلى الناس، إلا بعد النزول فى مليونيات حاشدة! وطوال هذه الشهور يأخذنا المجلس العسكرى فى متاهات لا معنى لها على الإطلاق سوى إضاعة الوقت، وتبديد الجهد لتبريد حرارة الثورة، إذ بدأ بتكوين لجنة من التيار الإسلامى وحده لتعديل دستور ساقط، ثم عمل استفتاء يقسم البلد إلى نصفين دون داعٍ! ثم فجأة يُخرج لنا إعلانا دستوريا منقولا من الدستور الساقط، ولا يستفتى الشعب عليه، وهكذا أخطاء قاتلة متتالية! وأخيرا يقولون إنهم لا يمتلكون خبرة سياسية، إذن اتركوها -كما قلنا لكم مرارا- لمن يستطيع أن يقود البلد فى هذه المرحلة الانتقالية الحرجة. أقولها بمنتهى الوضوح والصراحة.. المجلس العسكرى يقود الثورة المضادة من أول يوم تسلم فيه السلطة، وفى خلال الشهور الماضية كان يقود البلد إلى الهاوية، وعليه الآن أن يرحل فورا عن سدة الحكم، ويسلم السلطة كاملة إلى مجلس رئاسى مدنى، أو إلى رئيس وزراء بصلاحيات رئيس الجمهورية. ولا يوجد أمام المجلس العسكرى أى مخرج آخر يسمح له بالبقاء متشبثا بالسلطة. فلعبة تغيير الحكومة لا تعنى شيئا عند الثوار. والمطلب الشعبى الآن هو رحيل المجلس العسكرى كله، لا المشير وحده، وإذا لم يدرك أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة حقيقة الوضع، فلا يلومون بعد ذلك إلا أنفسهم.