كررت كثيرا وطويلا أن الدين ليس حلية إضافية، ولا هو احتفالية اجتماعية موسمية أو أسبوعية، ولا هو تسكينا تخديريا، ولا هو إضافة ثانوية للطبيعة البشرية، ولا هو ممارسة سرية نخجل من إعلانها، هذا عن الدين فما بالك عن الإيمان وهو منهج كامل للحياة، وهو الذى يجعل الإنسان إنسانا على سلّم التطور الصحيح، وقد كررت هذا المعنى فى إعلان رفضى مرارا شعار أن الدين لله والوطن للجميع محاولا أن أحل محله أن الدين لله، والوطن لله، والجميع لله، وما لقيصر لله، وما لله لله، وصلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله، بل إن الدولة المدنية لله، والدولة العلمانية كذلك، رغما عن العلمانيين والمدنيين. الله لا يستأذن أحدا ليكون الأمر له وإليه، لا يستأذن رجال الدين ولا العلمانيين. الجارى عندنا وحولنا حاليا، وقد كاد يتم عامه الأول، وهو ما يسمى «الربيع العربى» يبدو أنه يمكن أن يتكشف عما يستأهل اسم «الفجر الإسلامى الجديد»، حتى لو كان قد بدأ بفعل فاعل نعرفه أو لا نعرفه، المهم هى مسؤوليتنا الآن وقدرتنا على التحكم فى المسار، وقد لاحت فى الأفق بوادر واعدة، تحتاج إلى يقظة هائلة، حتى يمكن قبول التحدى وفرز الخبيث من الطيب ببصر حديد. علينا أن لا نتوقف عند الفرحة أو الشماتة أو الاسترخاء، وأن نتجاوز ترديد شعارات وتقديس قيم ليست من صنعنا، ولا هى تصلح لنا، بل ربما، ولا لغيرنا! هذا إن كان عندنا بديل حقيقى نريد أن نطبقه ولو لنختبره، يمكن أن نتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض بفضل نور هذا الفجر الإسلامى الجديد، قد نتوجه إلى ما يعيننا جميعا على أن نشارك فى إنقاذ العالم مما ينحدر إليه مع سبق الإصرار والترصد بالانسياق وراء قوى العدوان والإبادة والاستغلال والغطرسة، تلك القوى التى أصبحت خطرا متزايدا ليس فقط على الأفقر فالأفقر من بنى البشر، ولا على الأدنى فالأدنى من أنواع الإنسان (حسب تصنيفهم هم لنا!)، وإنما خطرها استشرى ليمتد إلى تهديد بقاء واستمرار وتطور الجنس البشرى برُمّته. كل الدلائل تشير إلى أن ثمة فرصة أمام الإسلاميين، فكل الناس يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم فى كل المناطق التى تمر بخبرة ما يسمى «الربيع العربى»، ثم فى كل الدنيا. ها هى تونس تبدأ بشائر الفجر الجديد، بعد أن ظهر الهلال فى ظلامها باستشهاد محمد بوعزيزى، لتختم الفصل الأول بفوز راشد الغنوشى، وبالتالى يمكن أن نعتبر أن بروفة الفصل الأول قد تمت بنجاح. على كل الفرق التى رفعت راية الإسلام فى الربيع العربى (حقيقة، أو مناورة، أو مرحليا، أو غير ذلك) أن تستعد لدخول المرحلة الأصعب، ولتعلم أنه سيكون اختبارا غير مسبوق عبر التاريخ، اختبارا تحيط به وسائل التواصل العملاقة فتضاعف آثاره سلبا أو إيجابا، كما تكشفه وتقيسه شفافية محكات الإنجاز بمقاييس أرقى فأرقى وأدق فأدق، وأيضا نظرا لشراسة وعدوانية القوى الافتراسية المستعدة لنسف الكرة الأرضية كلها دفاعا عن استيلائها وحدها على خيراتها. ليكن، ولندخل الامتحان نحمل الأمانة، ليس للمسلمين فحسب، بل لكل البشر، ولنكن مستعدين لقياس إنجازاتنا أولا بأول بمقاييس الاقتصاد والأمن والعدل والإبداع، وليس بالفخر والتباهى بالتميّز بأننا مسلمون، ولا بإعلان أن الإسلام هو الحل دون طرح بدائل نوعية عملية واقعية لكل الناس، لنتذكر أننا مسلمون بفضل الله، وبالصدفة المثبتة فى شهادة ميلاد أهالينا. مرة جديدة ليكن الإسلام هو الحل، على أن يكون حلا لورطة الحياة التى وصلنا إليها -نحن البشر- فى غفلة من قوى التطور والإبداع، ليكن حلا لكل الناس دون شرط أن يسلموا. (انظر أيضا مقالى السابق: «التحرير» 17/9) ليكن الإسلام هو الحل على شرط أن لا يُحتكَر الكلام باسمه ويُفرَض علينا اتباعه، ومَن سيتبرأ منا أمام رب العالمين، ولن تكون لنا كرة آنذاك لنتبرأ منه بدورنا. ليكن الإسلام هو الحل على شرط أن يعرف المسلم أنه مدين لغير المسلم الذى لم يأخذ فرصته أكثر مما هو مدين للمسلم الذى استلم إسلامه من أبويه دون جهد، ناهيك بالمسلم الذى لم يحمل أمانة إسلامه أصلا. هل تسمحون لى بأن أذكّر أى مسلم كم هو مدين للناس جميعا بما أفاء الله عليه بإسلامه، الذى استلمه -بفضل الله- سابق التجهيز من والديه، مدين لهؤلاء الناس الذين لم يأخذوا مثل فرصته تلك؟ ولتتذكر معى -عزيزى المسلم- هذه الخبرة: حين يسألك أحدهم: هل أنت مسلم؟ فترد -غالبا- دون تردد وأنت تزفر نفسا طويلا «الحمد لله»، ألا يعنى ذلك أنها نعمة أجراها الله على يدىْ والديك؟ فما ذنب من لم يحظ بهذا الفضل؟ أليس علىّ -أنا المسلم- وأنا أحمد الله على هذا الفضل أن أعطى كل من لم تتح له فرصتى، منذ الولادة بعض فيض مما أفاضه الله عبر والدىّ، لنكون بشرا معا؟ وحتى تعرف حجم مسؤولية أن يكون الإسلام حلا لتتمكن من حمل أمانتك، تعال نقرأ معا هذه الأرقام (والعهدة على «ويكيبيديا»): مسيحيون: 2,292,454,000 هندوس: 948,507,000 بوذيون: 468,536,000 صينيون: 458,316,000 أديان طبيعية: 261,429,000 أديان حديثة: 64,442,000 السيخ: 24,591,000 يهود: 14,641,000 روحانيون: 13,978,000 مسلمون: 1,549,444,000 مع العلم بأن عدد سكان العالم هو: 6.998.704.157 الاختبار الذى ينتظر المسلمين ليس فى أن يقيموا الأفراح لانتصارهم على مخالفيهم، ولكن بأن يحملوا هموم مخالفيهم مثلهم مثل مؤيديهم.. ليس فى مدى سماعهم الكلام المستورد أو المستخرج من صفحات التاريخ والكتب فيقيمون ديمقراطية ملتبسة حتى لو كانت هى التى أتت بهم، ولكن هو النجاح فى إبداع نظم ديمقراطية أحدث وأكثر موضوعية لهم، ولكل البشر. ليس بأن يسلموا قيادهم لمجالس دولية لم تعد فوق مستوى الشبهات، ولكن بأن يبحثوا عن طريقة لتعاون الشعوب قبل وبعد المظاهرات والفيسبوك والتويتر. ليس بأن يعيّنوا أنفسهم أوصياء على الدين والناس يحبسونه فى سجن فهمهم الشكلى، ولكن بأن يستلهموا من دينهم ومن ربهم الخير لهم ولكل الناس، وهم يقيسون إنجازهم بعملهم ليعود ناتجه على كل البشر فإن لم يستطع «فجر الإسلام الجديد» أن يستدعى شمس العدل لتضىء كل العالم، فلندَعْ ما لقيصر لقيصر، وما لله لقيصر.