محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    وزيرتا "التعاون الدولي والتضامن" وسفير الاتحاد الأوروبي يتفقدون مشروع تأهيل السودانيين بأسوان    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    عمرو أدهم: يجب محاسبة المسؤول عن قضية بوطيب.. وسنبشر جماهير الزمالك قريبا    الإسكواش، تأهل نور الشربيني ونوران جوهر لنصف نهائي بطولة الجونة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    في الجول يكشف موقف ياسر إبراهيم ومروان عطية من المشاركة أمام مازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    ثلاثة منتجات توابل مستوردة من الهند تسبب السرطان.. ما القصة؟    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    حكايات النيل.. حملة لطلاب بإعلام القاهرة للحفاظ على المياه ومواجهة الظروف المناخية    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف خاص: إسرائيل وإيران أوهام الحرب العالمية الثالثة
نشر في التحرير يوم 18 - 11 - 2011


أعد الملف: طارق الحريري
وصول إيران إلى تكنولوجيا تصنيع الوقود الجاف يمكنها من الرد الفورى بالصواريخ الباليستية فى حالة تعرضها للهجوم
بين جميع الأقاليم الموجودة فى العالم المعاصر ينفرد الشرق الأوسط ببؤر صراع سياسى وعسكرى مزمنة أولها القضية الفلسطينية، أقدم الصراعات وأكثرها ظلما وإيذاءً لأصحابها، وآخرها صراع بين الغرب، متمثلا بصورة رئيسية فى الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل، ضد إيران، فى أعقاب الثورة التى اقتلعت الشاه محمد رضا بهلوى حليف أمريكا ونظامه، وأحلت نظاما ثيوقراطيا انتهج سياسة راديكالية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، رافضا ما يتبعانه من سياسة استعلائية واستكبارية طبقا للخطاب السياسى الإيرانى، مما جعلهما تتبعان ضده سياسة عدوانية مناهضة لنظامه وأفكاره ومنطلقاته، لا سيما أن مضمون هذه السياسة ينكر إسرائيل، معتبرا إياها كيانا صهيونيا يجب اقتلاعه لصالح أصحاب الحق من الفلسطينيين أصحاب الحق التاريخى الذين انتزع أراضيهم أصحاب ادعاء بالحق الأسطورى.
لقد فاقمت المواقف الإيرانية الصراع، لكن الإيرانيين نجحوا فى تعبئة مواردهم وقواهم الشعبية فى إطار إرادة سياسية عنيدة لبناء قوة إقليمية تتمتع بريادة فعلية فى ظل غياب مشروع عربى يعكس ثوابت ومشتركات وآمال هذه الأمة التى لم تستطع تحقيق إنجاز حضارى يليق بمكانتها وإمكاناتها ولم تستطع أى دولة من دولها تحقيق نموذج يُقاس عليه.
ما تسعى إيران إلى تحقيقه هو فى جوهره مشروع نهضة يستلهم التاريخ والجغرافيا ومعطيات الواقع المعاصر، لا إنكار أن طهران تتقدم نحو أهدافها التى قد لا تتلاقى كلها إيجابيا مع المشروع القومى العربى الذى تحركه الآن بادرة الثورات العربية، حيث يمكن للشعوب النجاح فى ما فشلت فيه وتآمرت عليه الأنظمة من قبل.. وقتها يصبح المشروع الإيرانى قيمة مضافة أو قوة يقف العرب فى مواجهتها على قدم ثابتة ليحققوا التوازن الذى يحمى مصالحهم إذا اختلفت مع مصالحها. لا يمكن إنكار صلابة إيران وشجاعتها فى مواجهة أمريكا وإسرائيل، وهنا يجب أن تقرأ سياسيا واستراتيجيا هذه الصفحة الإيرانية المعاصرة، بدءا من الأزمة الأخيرة التى تحرّض إسرائيل فيها الغرب على عقوبة إيران وإيذائها، وتدّعى أنها بصدد توجيه ضربة عسكرية ضدها.
الصراع بين تل أبيب وطهران بداية لتوازن الردع سلميًّا
أمريكا وإسرائيل وحلف شمال الأطلنطى لن يستطيعوا توجيه ضربة عسكرية ضد إيران
اشتعل فتيل التهديدات الإسرائيلية العنيفة ضد إيران، لكنه لن يصل إلى منطقة الانفجار، حيث لن تقوم إسرائيل، رغم التصريحات النارية لنتنياهو وشيمعون بيريز وغيرهما، بتوجيه أى ضربات عسكرية ضد طهران التى اعتادت منذ أكثر من عقدين على تلقى تهديدات متكررة من الغرب والدولة العبرية، ويبدو من تطور أوضاع الملف الإيرانى أن تهديد هذه المرة هو التقدم الأخير إلى الحافة الوهمية للهاوية.
لن تجرؤ الولايات المتحدة الأمريكية ولا إسرائيل ولا حلف شمال الأطلنطى على توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية للجمهورية الإيرانية، علما أن الجزء الأكبر من الزاوية الإسرائيلية للصراع منصب أساسا على تطوير إيران وتصنيعها لأجيال متقدمة من الصواريخ الباليستية التى تزداد قدراتها التهديدية من يوم لآخر، وذلك لسببين أولهما: أن إسرائيل أصبحت فى المدى المؤثر لهذه الصواريخ، وثانيهما: ترابط وتزامن كل من البرنامجين النووى والباليستى، مما يسمح لإيران بإطلاق رؤوس حربية نووية فى المدى الزمنى القصير.
المشروع الإيرانى ليس وليد هذا العام، لأن بدايته الحقيقية ترجع إلى عام 1984، أى منذ أكثر من ربع قرن، ووقتها أعلن السيناتور الأمريكى آلان كرانستون أن إيران تبعد 7 سنوات فقط عن صناعة سلاحها النووى، والذى تواكب فى نفس التوقيت مع مقال بنفس المضمون فى مجلة «Jane`s de fence» الأوسع شهرة فى مجال الإصدارات العسكرية عالميا، مما يكشف عن المحاولات المبكرة لإجهاض المشروع النووى الإيرانى، إلا أن الإرادة السياسية للإيرانيين كانت أقوى طوال السنوات الماضية من التحذيرات والحملات الإعلامية والتهديدات العسكرية الصريحة من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ومن إسرائيل التى كانت كثيرا ما تقرع طبول الحرب فى الفضاء الإعلامى، لكن دق الطبول هذه المرة لن يذهب صداه بعيدا، فالتصريحات الرسمية من الولايات المتحدة الأمريكية وجميع دول الغرب رافضة لفكرة الحل العسكرى. والصين وروسيا لا تحبذان ليس فقط رفض الحل العسكرى، بل تعارضان الإسراع بفرض مزيد من العقوبات.
التفاقم الحاصل الآن للملف النووى الإيرانى يعكس فى النظرة الشمولية لطبيعة الأزمة بين طهران والغرب أبعادا يمكن من خلال الولوج إليها وقراءة أسبابها وتداعياتها، يمكن فهم الظاهرة الإيرانية بتتبع مجرياتها الآتية:
أولا: بين هواجس القلق وآفاق الطموح.. نظرة تاريخية.
ينظر الإيرانيون إلى تاريخهم البعيد فيجدون خلفهم إمبراطورية فى العالم القديم تضاهى إمبراطورية الإغريق التى تعتبر الجذر الحضارى لأوروبا المعاصرة، وهم ما زالوا يعتبرون أنفسهم أحفادا للفرس بناة هذه الإمبراطورية. هذا ما كانت تعبر عنه الدولة فى عهد الشاه، وهذا ما لم تتخل عنه من بعد الجمهورية الإسلامية. وللتأكد من هذا التوجه، حدث مع بدايات الحكم بعد الثورة أن تصادف حلول عيد النيروز مع رأس السنة الهجرية، فصدرت التعليمات من المرجعية الشيعية الأعلى بأن يتم الاحتفال فى يومين، يوم للمناسبة الدينية ويوم لعيد النيروز بكل طقوسه المعتادة كعيد فارسى، هكذا كان الأمر واضحا وجليا فى عدم التخلى عن الموروث الحضارى التاريخى للأمة، بينما يناشد الشيوخ السنيون فى مصر المواطنين بعدم الاحتفال بعيد شم النسيم المماثل فى الحضارة المصرية القديمة لعيد النيروز، ويتكرر هذا فى أكثر من بلد عربى مما يعكس الانفصام للأسف فى المؤسسة الدينية السنية، ويكشف رغم كثافة الطقوسية الشيعية الإيرانية عن تماهٍ مع جذور أبعد من العقيدة الدينية.
إيران المعاصرة إذن هى:
- دولة لا تنفصم عرى حداثتها عن جذورها الفارسية.
- دولة مسلمة شيعية تعتبر نفسها زعيمة الشيعة فى العالم.
لا ينفى هذا الوضع الذى استقرت عليه السلطة وتوافقت عليه الجماهير -إن غصبا أو اقتناعا- أن هناك قلقا داخل المجتمع، نزوعا إلى انفتاح سياسى ذى بنية أكثر مدنية يساعد عليها تعدد القوميات داخل الدولة.
ثانيا: الجغرافيا بين واقع الثراء وعناصر القوة.
جيران إيران الذين يطلون على الناحية الغربية للخليج كلهم دول انتقل بها البترول إلى حالة من الثراء، يقف الإيرانيون على مسافة بعيدة منه فى دخل الفرد رغم التماس فى المياه المالحة.. أما فى الشرق من إيران وفى نفس القارة يرى المفكر الأمريكى المعروف بول كيندى فى مقال نشر له أخيرا فى صحيفة «نيويورك تايمز» أن النظام الدولى يتحرك نحول إحلال مركزية جديدة فى جنوب آسيا وشرقها كبديل لمركزية أوروبا، وهكذا تتفجر دول الشرق من إيران نهضة حضارية، وتتأسس دول قوية يقف بعضها فى طريقه للاصطفاف كدول عظمى، كالصين والهند، بينما تتدافع دول أخرى كقوى اقتصادية، كالنمور، وقوى عسكرية، ككوريا الشمالية، وفى هذا المناخ الآسيوى الحار اقتصاديا وعسكريا، والذى يعاد إحياء إمبراطوريات قديمة فيه، تتمدد أجواء هذا المناخ نحو دولة كإيران تمتلك المقومات والحافز.
ثالثا: حرب أليمة وخبرة ثمينة.
فى مصادفة عجيبة، صعد فى عام 1979 إلى سدة الحكم فى العراق وإيران كل من صدام حسين كرئيس للجمهورية العراقية، وآية الله الخمينى كمرشد أعلى بعد الثورة، وفى العام التالى نشبت الحرب بين البلدين واستمرت من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988 فى واحد من أطول النزاعات العسكرية فى القرن العشرين. خلفت هذه الحرب وراءها قرابة المليون قتيل وخسائر مالية ضخمة تقارب 400 مليار دولار. كانت الخسائر فادحة وتكبد الإيرانيون فى هذه الحرب النسبة الأكبر من الخسائر فى ظل حصار الغرب لإيران وحجب الأسلحة وقطع الغيار عنها. مع طول فترة الحرب أصاب الخمول أداء الجيشين بعد استنفاد ضخم للقوى البشرية والذخائر والأسلحة التقليدية لتبدأ مرحلة سوداء فى تاريخ هذه الحرب بقصف المدن من الطرفين بالصواريخ «أرض-أرض» من طراز «سكود» التى كانت أكثر توفرا لدى العراقيين، مما ضاعف الدمار والقتلى لدى الإيرانيين. وقتها خرج الخمينى على شاشة التليفزيون ليوجه خطابا إلى الإيرانيين فى 8 أغسطس 1988، معلنا اضطراره لتجرع كأس السم بقبول إيران للهدنة التى اقترحتها الأمم المتحدة. كانت هذه هى الحرب الأليمة، أما الخبرة الثمينة فكانت فى التراجع عن قرار تخفيض القوات المسلحة بعد نجاح الثورة، والأهم هو القرار الحاسم بامتلاك سلاح استراتيجى لا يخضع لسوق السلاح، ويتم تصنيعه محليا بعد حصار الغرب وتهالك القوات الجوية، وكان السلاح الذى يعوض هذه المشكلات هو الصواريخ الباليستية «أرض-أرض» التى تأسست لها صناعة قوية، وعزم عنيد على تطويرها إلى حدودها القصوى.
رابعا: قاعدة للتنمية وسعى نحو نهضة علمية.
استطاعت إيران فى إطار مشروع نهضوى أن تحقق إنجازات علمية ومادية لم تتحقق فى الإقليم -للأسف- سوى لإسرائيل، وينعكس نجاح ما تحقق من التجارب التى تمت فى الاستنساخ وإطلاق صاروخ فضائى يحمل قمرا اصطناعيا للفضاء، واستطاع طلبتها الجامعيون فى الأوليمبياد العالمى للرياضيات والكيمياء أن يتفوقوا على نظرائهم فى جميع دول العالم المتقدم، وأن يحتلوا فى هذا الأوليمبياد الذى ينعقد فى الولايات المتحدة المركز الأول فى سابقة هى الأولى، مما يعنى أنه أصبحت لدى إيران ذخيرة من العلماء القادرين على تنفيذ متطلبات العصر. وفى شأن آخر تصنع طهران سيارة ركاب محلية بنسبة مكون كبيرة، لا مثيل لها فى أى دولة من دول الشرق الأوسط، كما أنها الدولة الأولى فى اقتحام عالم الطاقة النووية، وهى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تمتلك عدة مفاعلات نووية بدأت فى إنتاج الطاقة وتخصيب اليورانيوم بمستويات متقدمة، ولا تجاريها فى هذا دولة أخرى سوى إسرائيل -ومرة أخرى للأسف- ولديها مفاعل واحد هو مفاعل ديمونة، عكس ما يظن الكثيرون. منظومة التقدم لدى إيران متكاملة والقوة العسكرية جزء منها.
هذه هى التفاعلات التى تحرك الأوضاع داخل إيران، وهى ما بين التاريخ والجغرافيا والحرب والسلام التى تدفع هذا البلد للاستجابة إيجابيا للتحديات الداخلية والخارجية وتحفز لاتخاذ أسباب القوة حفاظا على تماسك شعب الدولة متعدد القوميات، فى محاولة لإحياء الإرث الإمبراطورى، استلهاما للتاريخ. وفى الجغرافيا فإن فوران آسيا الشرقية والجنوبية وصعودها المتسارع فى سلم حضارة العصر والغيرة من جيرانها الأغنياء فى الغرب يدفعانها للسعى نحو تأسيس بناء حضارى جديد يرتكز على خبرة الحرب بثمنها الفادح ومردود التنمية فى إطار سلام مهدد تحميه قوة عسكرية تتنامى وتتسع.
بطبيعة الحال تتعرض إيران لتهديدات خارجية يفرضها تضارب المصالح والصراع على الريادة الإقليمية وحرص القوى الكبرى على بقاء الشرق الأوسط فى حالة تبعية بعدم ظهور قوى إقليمية فاعلة لا تتفق أهدافها مع تصورات القوى الكبرى فى الغرب. تحديدا فى هذا الإطار تأتى إسرائيل فى طليعة الدول المعادية لإيران، وفى نفس درجة عدائها الولايات المتحدة الأمريكية، تليهما الدول الأوروبية، والمملكة العربية السعودية فى حالة من العداء لا تصل إلى الصراع، بينما لا يصل التعارض فى المصالح إلى درجة العداء والصراع مع دول كالإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، بينما تتزايد وتيرة التعارض مع البحرين، نظرا لتفاقم المشكلة الشيعية فى هذه المملكة. بالطبع لم يأخذ الصراع بين إيران من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من الناحية الأخرى أيا من أشكال الحرب أو التعرض العسكرى المباشر، ولم يحدث هذا بسبب قدرة الدبلوماسية الإيرانية على المراوغة عند تفجر الأزمات أو اصطناعها من تل أبيب وواشنطن، إضافة إلى أن التحولات التى تمت فى البيئة الاستراتيجية للإقليم كانت تصب دائما فى صالح إيران، وتعوق أى قدرة للهجوم عسكريا على إيران.
1- كان بدء الاحتلال الأمريكى لأفغانستان فى عام 2001 فى إطار الحرب على الإرهاب، بعد الهجوم على برجى التجارة فى نيويورك، مدعاة لانشغال الولايات المتحدة عن الملف الإيرانى، لا سيما أن الهجوم على برجى التجارة أدى إلى الابتعاد عن جميع الملفات غير الملحة للسياسة الأمريكية.
2- قيام حرب الخليج الثانية بعد اقتحام صدام حسين الكويت، مما أدى إلى إعطاء إيران فسحة من الوقت طوال فترة الإعداد للحرب وفى أثنائها وما تبعها من تداعيات، حيث كانت جميع مشروعاتها التى تثير الجدل مع القوى المعادية تسير فى اتجاهها بالسرعة القصوى.
3- اجتياح القوات الأمريكية العراق واحتلاله، ووصول قوة الاحتلال فى عددها الأقصى إلى قرابة 175 ألف جندى، وكان هذا سببا جوهريا فى أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدء الاحتلال فى عام 2003 أصبحت تتحاشى الهجوم العسكرى على إيران، لأن جنودها أصبحوا تحت رحمة الصواريخ شهاب 1، وشهاب 2، الموجودة بكثافة لدى الإيرانيين، مع احتمال تحريك خلايا نائمة من شيعة العراق أو الهجوم الإيرانى بقوات أرضية، مما يكبد الجيش الأمريكى خسائر فى الأفراد لا قبل لأى إدارة سياسية بتحملها تجاه الرأى العام الأمريكى، لهذا كانت التعليمات غير المعلنة للإسرائيليين هى عدم الإقدام على أى مغامرة عسكرية ضد إيران، وبهذا فإن الحسابات الاستراتيجية أغفلت، فى سبيل تأمين بترول العراق، أن الوجود الكثيف للقوات كان سلاحا ذا حدين.
4- استراتيجيا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية القيام بعمليتين عسكريتين كبيرتين فى وقت واحد، وبذلك فإنها طبقا لمقتضيات هذا التخطيط لا تستطيع التورط فى حرب ثالثة، بعد انخراط قواتها فى حربى أفغانستان والعراق.
5- الأزمة المالية العالمية، وعلى رأسها أزمة الولايات المتحدة الأمريكية، التى تكبدت 3 تريليونات فى حربى أفغانستان والعراق، تجعلها تتحسب طويلا لعواقب الهجوم على إيران، لا سيما أن هذا الهجوم سيؤدى مع إغلاق باب المندب إلى ارتفاع سعر برميل البترول إلى ما فوق 250 دولارا، طبقا لتوقعات خبراء البترول، والأزمة الاقتصادية الآن هى صداع أوباما الأول.
6- نتيجة الاجتياح الإسرائيلى للبنان فى عام 1982 وسقوط بيروت كأول عاصمة عربية تحت الاحتلال نشأ فى العام نفسه حزب الله الذى لو كانت إسرائيل تطلع على الغيب لكانت قد تراجعت عن هذا الهجوم فى ذلك العام، لأن ميليشيات الحزب صارت عقبة كأداء فى طريق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ولقنت الجيش الإسرائيلى درسا مريرا فى حرب عام 2006، وقد تضاعفت القوة العسكرية لهذه الحرب بعدها. وتشير بعض التقديرات إلى أن حزب الله أصبح يمتلك الآن نحو 40 ألف صاروخ يغطى مدى نسبة كبيرة منها جميع مساحة الدولة العبرية. وقد صرح السيد حسن نصر الله أخيرا بأن تعرض إيران لأى ضربة إسرائيلية سوف يعرض الأخيرة لهجوم قوى من قوات حزب الله.
7- تشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران نجحت خلال فترة تفكك الاتحاد السوفييتى فى الحصول على عدد 3-4 رؤوس نووية متوسطة القدرة، مما يعنى فى حالة صحة هذه التقارير غير المؤكدة أن نصف هذه الكمية يمكن أن يزيل إسرائيل من الوجود.
8- نجاح إيران فى تطوير صواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى إسرائيل يعنى إمكانياتها فى الرد على تل أبيب فوريا طبقا لخطة مسبقة، والسبب فى هذه القدرة الفورية، هو نجاح إيران فى الوصول إلى تكنولوجيا الوقود الجاف، على عكس الوقود السائل الذى يحتاج إلى وقت طويل قبل الإطلاق فى إعداد المادة القاذفة.
9- تثار أخيرا احتمالات قوية لحصول حماس والجهاد فى غزة على أسلحة متقدمة من الصواريخ المحمولة على الكتف والقواذف المضادة للدبابات المتقدمة التى أحدثت خسائر بالغة للدبابات الإسرائيلية فى حرب 2006 مع حزب الله، واحتمال وصول كمية كبيرة من الصواريخ التكتيكية «أرض-أرض»، من طراز «جراد» التى يمكن إطلاقها من قواذف محلية الصنع تم الحصول عليها من ترسانة أسلحة الجيش الليبى.
لقد أدت الأوضاع السابقة فى المدى الزمنى الطويل الذى استغرقته، وتتابعها وارتباط بعضها بمفاجأة غير متوقعة فى أحيان كثيرة، إلى إتاحة الفرصة للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية الإيرانية كى ترتب أوضاعا دفاعية وهجومية لقواتها داخل الأراضى الإيرانية، وإلى الدعم اللوجيستى والعسكرى للقوات الموالية خارج حدودها، مثل حزب الله وحماس وخلايا نائمة منتشرة فى أنحاء متعددة من الإقليم وخارجه، والأهم أن هذه الخطط تم تعديلها بطبيعة الحال مع تطور القدرات العسكرية والأوضاع السياسية بين أطراف الصراع داخل الشرق الأوسط وخارجه.
يمكن القول إن الصواريخ الباليستية كانت المكون الرئيسى الفاعل فى المنطقة عدا إسرائيل التى تمتلك سلاحا جويا هو الأكثر قوة وتحديثا، وبالتالى فإن حسابات القدرات الاستراتيجية سوف تنصب إقليميا فى خانة هذه الصواريخ التى لم يتجاوز مداها لدى أى دولة فى المنطقة المدى المتوسط، عدا إسرائيل التى اختبرت هذا العام صواريخ باليستية بعيدة المدى يصل مداها إلى 10000 (عشرة الآلاف) كيلومتر، وفى الواقع فإن الصواريخ الباليستية تعتبر سلاح الردع الأمثل للدول ذات المرتبة الاقتصادية المتدنية أو المتوسطة، نظرا إلى الارتفاع الهائل فى أسعار الطائرات من الأجيال الأحدث والتى تحصل عليها إسرائيل بتسهيلات ومنح وإسقاط للديون تكاد تجعل من هذه الطائرات المكلفة للغاية هبات مجانية، لهذا تحتل الصواريخ المرتبة الأولى بين دول المنطقة فى استراتيجيات التسليح وبناء الجيوش، ويمكن القول إن الصواريخ الباليستية توجد بصورة مؤثرة فى إسرائيل وإيران ومصر وليبيا والسعودية واليمن، ومن بين هذه الدول توجد دولتان فقط تقومان بالتصنيع المحلى لهذه الصواريخ، هما إسرائيل وإيران، وكانت مصر تقوم بتطوير للصواريخ الباليستية فى أواسط الثمانينيات بالتعاون مع الأرجنتين والعراق، وكان الدور المصرى رئيسيا فى هذا المشروع الذى كانت تجاربه تتم فى الصحراء الغربية، وقد حقق هذا المشروع نتائج هائلة فى ذلك التوقيت، لكنه توقف فجأة بناء على اعتراض من الولايات المتحدة الأمريكية استجابت له القيادة السياسية فى مصر، وبذلك انحسر تطوير صناعة هذه الصواريخ على كل من إيران وإسرائيل فقط. وعمليا يعتبر إقليم الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر كثافة فى استخدام الصواريخ الباليستية فى النزاعات المسلحة عالميا، إذ استخدم عمليا على الأرض خمس مرات كان أكثرها إضرارا فى الحرب بين العراق وإيران، بل إنها استخدمت فى صراع سلطة داخلى فى اليمن، ونظرا إلى ارتباط هذا المقال السياسى بالملف الإيرانى فسيتم التطرق إلى أبعاد تسلحها بهذه الصواريخ فى إطار الصراع السياسى بين طهران والغرب، ومن قبلهما إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان يأخذ أشكالا تتراوح فى حدتها من التلويح إلى التهديد العسكرى مع استمرار إيران فى تطوير برامجها النووية والباليستية.
ونستكمل فى عدد تالٍ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.