المجلس العسكرى لا يسمع. فى الحقيقة لا يريد أن يسمع، ولا يسمح للحكومة بأن تقوم بمهمة أى حكومة فى دول العالم الحديث، وهى إدارة المشكلات والأزمات. لماذا ترك المجلس العسكرى أزمة مصنع أجريوم تتفاقم دون أن يفكر فى الحل؟ لماذا يتصور المجلس العسكرى أن أداة القمع هى الوحيدة المتاحة أمام حل مشكلات المجتمع؟ كان من الممكن التعامل مع أزمة «أجريوم» بعشرات الطرق والحلول، لكن عقلية الحاكم العسكرى تصاب بهستيريا فى مواجهة تعبير المجتمع عن نفسه. المجتمع فى دمياط يرفض إقامة مصنع يسبب التلوث وينذر حياتهم بالخطر. هل هناك طريقة للتعبير عن الخوف من الموت سوى التظاهر؟ المجلس يرى الاعتصام والتظاهر حقوقا على الورق فقط، لكن فى الواقع يراها تحديا لسلطته، وعليه مواجهتها حتى لا يتعود المجتمع على تلبية مطالبه. هذه عقلية تنزعج من نمو قوة المجتمع وإرادته أن يشارك فى السلطة. يفتت المجلس المجتمع ويحرض من خلال جهاز إعلام مضلل على التظاهر، فيكون الخبر على شاشات التليفزيون الحكومى هو: استمرار المعتصمين فى إغلاق طريق دمياط يعرضنا لخسائر بالملايين. الإعلام هنا لا يفتقد الحرفية ولا المهنية فقط، لكنه بلا ضمير وكاذب، فالمشكلة أكبر من خسارة الملايين، المجتمع يرفض الموت بسبب توحش الرأسمالية... والمجلس الذى يبدو الأمر أنه لم يفكر إلا فى قمع التظاهر وإرسال طائرات استعراض القوة وتحريك الأمن المركزى برصاص يقال إنه قتل اثنين من المعتصمين. القتل أصبح عاديا عندما يهتم المجلس العسكرى بقبضته على الحكم، وهى قبضة عجوز لا يملك إلا استحضار مزيد من الشراسة لكى لا يكتشف أحد عدم قدرته على فرض القبضة. قبضة العجوز ... مثيرة للرعب، لأنه يريد الحكم أو يريد أن يترك قبضته فوق كل من يحكم. يحكم المجلس العسكرى، نعم يحكم، وقد أعجبه الحكم، وشعر بلذته، واستساغ طعم قضم التفاحة قطعة قطعة، يعيش على أسطورة المحبة، ويستهلكها إلى حدودها القصوى، يليها أسلوب تفتيت الطبقة المدنية الهشة أساسا، بترك العنف يتجول فى الشوارع ليسمع صرختنا: إلحقنا يا جيش. المجلس ربما بطىء فى الاستجابة، أو تعود على طريقة مبارك فى إدارة الأمور، أو وصلة إلهامات قديمة من هواة الجمهوريات العكسرية تقول لهم إنه بالإمكان تمرير حكم العسكر بمزيد من الملل. الملل كان شرعية مبارك الوحيدة، يمسك كل الخيوط بيده، ويدير بها جهازا أمنيا شرسا، وجهازا سياسيا منحته الخبرة الطويلة، قدرات الألعبان فى السيطرة على مداخل ومخارج الدولة. المجلس يريد الحكم من دون جهاز أمنى ولا جهاز سياسى، يريد الحكم بقبضة العجوز. يقسم المجلس الشعب إلى قسم مطيع يسميه المواطنون الشرفاء، وقسم آخر نمرود لا يبوس يده ألف مرة، لأن الجيش لم يقتله يوم ثار على ديكتاتور لص وقاتل. المجلس لم يعد له ظهير سياسى، وشعبيته تآكلت إلى حدود لم يدركها بعد، لكن هناك المستسلمين دائما للأمر الواقع، الذين يمصمصون حكمتهم المستهلكة: وماذا نفعل دون المجلس؟ ما البديل؟ الحقيقة، ليس هذا وقت البحث عن بديل للمجلس، لأن المجلس ليس مطروحا كسلطة ممكنة، المجلس يدير مرحلة انتقالية، عليه أن ينفذها بإرادة الثورة لا بإرادته ولا بوحى من إلهام عقلية السيطرة العسكرية. المجلس يريد استمرار معادلة الأمن يحكم، والثورة قامت ليكون الأمن أمنا.. والسلطة إدارة مدنية يمكن تغييرها، والمجتمع لا يريد إلغاء إرادته أو قوته فى مقابل تحقيق أمن ليس أمنا فى الحقيقة ولكنه رعب منتشر. إنه وقت الفصل بين الأمن والحكم.