.. يومى النهارده مر عادى خالص، زى إمبارح وأول إمبارح وأول أول.. يعنى الحمد لله لم يشهد مصايب كبيرة قوي، كلها حاجات ومصايب عادية جدا.. صباح هذا اليوم بدأ رائعا وجميلا جدا، ورغم أننا لا نعرف العصافير التى تشقشق فى السماء (أغلبنا لم ير عصفورة واحدة فى حياته) ولا عمرنا سمعنا موسيقى حفيف الشجر (يعنى إيه شجر؟) ومع ذلك حسيت النهارده الصبح أن الجو مختلف، الزعيق والخبط والرزع اللى شغال فى الحتة ليل ونهار، ماعرفش ليه اتهيألى أنه أقل من كل يوم، لهذا كان مزاجى رائقا وتقريبا «عنب» بينما كنت قاعدا على السرير (ليس سريرا بالضبط) جنب الشباك (ليس شباكا تماما) مستنى سعدية مراتى تعملى كوباية الشاي، لكن الولية استكثرت عليّ لحظة هدوء السر والأنتخة اللى كنت عايشها فزعقت صارخة: فيه إيه يا راجل؟ مالك ياخويا قاعد متيس ومفرشح كده ليه ع الصبح؟! قلت لها: ألا تلاحظين أن عفاريت الحتة هادية شوية النهاردة؟ صمتت وأصاخت السمع قليلا ثم صرخت مرة أخري: آه والله باين كده.. هما راحوا فين داهية؟! ماعرفش، يمكن ماتوا.. ضحكت ثم عادت وهتفت (كل كلام مراتى صريخ وهتافات) الله يرحمهم.. بس قولي، هو الراجل الشيخ السلفى اللى كان بيزعق فى الميكروفون إمبارح ده كان عايز إيه؟! وأنا إيش عرفني.. طب والنبى (همست سعدية لأول مرة فى حياتها) يعنى إيه سلفى يا أخويا؟ لم أجاوبها وإنما بقيت أرتشف من كوباية الشاى حتى أنهيت على ثمالتها، واتكسفت أقولها إنى ميت من الجوع لأنى ما أكلتش حاجة من ساعة ساندوتش المكرونة (رغيف مدعم محشو بنوع رديء من المكرونة) اللى ضربته وأنا مروح إمبارح آخر النهار.. المهم.. قمت وانتزعت نفسى بالعافية من لحظة الأنتخة الحلوة ولبست هلاهيلى بسرعة، ونزلت من البيت (ليس بيتا قوي) للشارع (ليس شارعا أصلا) وركبت «التوك توك» من المكان المعتاد تحت سفح ثانى أضخم جبل زبالة فى المنطقة.. نفحت الواد السواق (أصغر من تامر ابني) نص جنيه على أمل أنه ما يخدش باله فى الزحمة لكن ابن الحرام خد باله وأصر على أن يلهف نص الجنيه التانى قبل ماركب الميكروباص اللى ح يودينى الأميرية حيث موقف ميكروباص التحرير.. وفى هذا الأخير سارت الأمور على خير ما يرام عدا أن السائق لم يكف ثانية واحدة عن سب الدين والملة لكل خلق الله العابرين حوله مع أنه كان يسمع ويسمعنا معه نحن معشر المحشورين فى الميكروباص، شريطا مسجلا عليه شخطا وزعيقا شديدا من رجل يشبه فى صوته وطريقة كلامه الشيخ الذى سألتنى عنه سعدية الصبح.. ربما يكون هو نفسه. هل قلت إن الأمور سارت على خير ما يرام؟ لقد ظلت كذلك بالفعل حتى اقتربنا من رمسيس فإذا بالسائق يأمرنا جميعا بالنزول لأنه لن يستطيع أن يكمل بنا إلى التحرير.. لماذا يا عم؟! هكذا تجرأ أحدهم وسأله، فقال «عشان الطريق مقفول بسبب (... أم) المظاهرات الفئوية». انصعت لأمر السائق مع باقى زملاء الرحلة ونزلنا جميعا إلى الشارع، وقبل أن يتبدد جمعنا ونذوب فى زحام الدنيا وجدتنى أخاطب رجلا كان قاعدا بجوارى فى الميكروباص وتوسمت فيه شيئا من الطيبة والجدعنة قائلا: يا أخى يا ريت الواحد كان «فئوي» زى الناس «الفئويين» دول.. أنت بتحسدهم ع الفقر؟!.. هكذا سألنى الرجل الجدع باستنكار فقلت له: أيوه الفقر أحسن من العدم. حضرتك بتشتغل إيه؟ فى مكتب بيستورد بضاعة صيني، مقصات، وبطاريات، ومكن حلاقة، وخلافه.. على باب الله يعني.. أيوه.. بالفصحى شغلتى «مندوب مبيعات»، وحضرتك بتشتغل إيه؟ على باب الله برضه.. لكن دلوقتى باشتغل فى «الانفلات الأمني»..!! لم ينتظر الرجل سؤالى عن طبيعة شغله فى الانفلات الأمني، وإنما بادرنى بأنه يعمل حاليا «بلطجيا حرا»، وأن عدة الشغل مجرد مطواة قرن غزال.. ثم سألني: المكتب بتاعكو ما بيستوردش مطاوي؟! لأ.. أحيانا بنبيع «كتر» وأمواس.. مش وحشة.. فى الانفلات الأمنى ده أى حاجة تنفع كبداية وبعد كده تقدر تتوسع وتطور أدواتك براحتك.