يقول الكاتب الأمريكى نيكولاس كريستوف إنه من المثير أن يتفهم الكثير من الأمريكان حالة الغضب والإحباط التى دفعت المصريين إلى الاحتجاج بميدان التحرير، لكنهم لا يتفهمون مشاعر مماثلة، دفعت إخوة لهم فى الوطن يشعرون بالإحباط إلى «احتلال وول ستريت». هل تتشابه فعلا مظاهرات المصريين ضد نظام مبارك مع مظاهرات الأمريكان؟ يجيب نيكولاس، فى مقاله بصحيفة «نيوريورك تايمز»، إنه بالطبع توجد اختلافات، فشرطة نيويورك لا ترسل إبلا لتدهس المحتجين. ربما يشعر أمريكيون بالتمييز الاقتصادى وعدم المساواة، «لكننا نعيش بالفعل فى ظل ديمقراطية، وتلك الديمقراطية المعيبة تمثل الأمل الأسمى لتطور مصر خلال الأعوام المقبلة». لكن هل فعلا ما عليه الأمريكان من ديمقراطية هو ما يسعى له المصريون والشعوب العربية؟ طبعا ستجد من يتحدث عن الخصوصية العربية التى ستجعل العرب يصوتون فى الانتخابات للتيار الإسلامى لا لتيارات متغربة؟ طيب وإيه الفرق بالذمة؟ هل تضمن الأحزاب الإسلامية عدالة اقتصادية واجتماعية؟ كل ما تدعو إليه برامج الأحزاب الإسلامية هو إلغاء فوائد البنوك، والاعتماد على الزكاة والتبرعات والصدقات، وأتصور أن بعض دعاتهم يتكلمون عن حرمانية الضرائب أيضا (لا توجد كلمة واحدة عن الضرائب فى البرنامج الاقتصادى لحزب النور السلفى مثلا.. ولا كلمة فعلا)، هل سيقودنا هذا إلى دولة تنتصر للفقير ومحدود الدخل؟ ربما ستتعاطف مع الفقراء وتدعو للزكاة لهم والتصدق لأسرهم، لكنها لن تحل مشكلاتهم الجذرية، فالمفهوم الذى تطرحه التيارات الإسلامية يشبه نموذج الاقتصاد الحر، حيث الفرد هو أصل العملية الاقتصادية، وحيث التاجر الشريف هو مفتاح نمو الاقتصاد، وهو ما يعنى أن مظاهر الملكية العامة وتدخل الدولة ينسحب فى حالة حكومة منتمية للفكر الإسلامى! ما يعنى قطعا أن المفهوم الذى يقدمه الإخوان المسلمون والسلفيون للاقتصاد لا يبعد إطلاقا عن المفهوم الأمريكى تحديدا فى ما عدا فوائد البنوك! اقرأ معى مثلا هذه المواد من برنامج حزب الحرية والعدالة (الإخوان): «- الحرية الاقتصادية والمنافسة الشريفة هى أساس التقدم والرقى، ومن ثم فإن للقطاع الخاص دورا محوريا فى الحياة الاقتصادية المصرية. - إعلاء قيمة المصلحة العامة دون الإضرار بحقوق الفرد وحريته الاقتصادية. - تعظيم دور الاقتصاد المجتمعى فى المنظومة الاقتصادية، عن طريق إطلاق حرية وتكوين الجمعيات الأهلية. وتأكيد مؤسسة الزكاة والوقف وأعمال البر كافة، وذلك للمشاركة بقوة فى الحياة الاقتصادية، بما يؤدى إلى تدعيم المشاركة المجتمعية ويشيع مناخ التكافل والرحمة فى المجتمع». وسأسألك فورا: هل هناك تقريبا أى فارق بين اقتصاد الإخوان المسلمين، كما قرأته الآن، واقتصاد حزب المصريين الأحرار، الذى أسسه ملياردير ويرى العلمانية حلا، حيث نقرأ نصا فى برنامجه: «إعادة هيكلة استراتيجية الدولة الاقتصادية، لتتناسب مع الواقع المصرى، من خلال تبنى نظام اقتصاد السوق، مع وضع ضوابط لتحقيق العدالة الاجتماعية، لضمان رفع مستوى المعيشة للمواطن المصرى، والارتقاء بالاقتصاد المصرى. ويؤكد الحزب أهمية التنمية البشرية كمحور أساسى لارتفاع مستوى المعيشة للمواطن المصرى، من خلال تطوير أنماط المهارات والقيم والمشاركة الفعالة فى عملية التنمية والانتفاع بها. تحرير المواطن من الخوف ومن العوز، من خلال تشجيع مسؤولية التنمية الذاتية للفرد، واستقلاله من ثقافة الحاجة إلى دعم الدولة، واعتماده على قدراته ومهاراته فى الإنجاز وتحقيقه مستوى معيشى أحسن». لا فرق ولا فارق بين اقتصاد الإسلاميين والليبراليين! من ثم كل الفقراء ومحدودى الدخل، الذين ربما تذهب بهم مشاعرهم إلى التصويت للإسلاميين، سيجدون عند هؤلاء الصبر والزكاة والصدقة، ولن يجدوا عندهم العدل الاقتصادى والاجتماعى. نفس المصير لو تولى الليبراليون من أنصار الاقتصاد الحر مقاليد البلاد! سنكون مع الرؤية الإسلامية أو الليبرالية للاقتصاد، مثلما كنا مع حكومة نظيف، مع فارق غياب الفساد أو على الأقل تراجعه كثيرا، فضلا عن أن الإسلاميين من المستحيل أن ينزعوا اقتصادنا من الآلة الدولية، وإلا انعزلوا أو أفلسوا البلد، فلا مكان فى العالم الآن لاقتصاد منفصل متقوقع على ذاته! سيجد المصريون أنفسهم بعد سنوات مثل الحال الأمريكى الذى يشرحه نيكولاس كريستوف (لا ترتبط حالة الإحباط داخل أمريكا بدرجة كبيرة بالسياسة والاقتصاد، كما الحال فى دول عربية، على الرغم من أن هذه مباعث قلق أخرى. وتتمثل القضية الحساسة هنا فى عدم المساواة الاقتصادية. ووفقا لتصنيف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للدول من ناحية عدم المساواة فى الدخول، نجد أن الولاياتالمتحدة بها عدم مساواة أكثر من مصر وتونس. ثلاثة أشياء تُظهر عدم المساواة: * أغنى 400 أمريكى لديهم مجتمعين صافى ثروة أكبر من أقل 150 مليون أمريكى. * يمتلك 1% من الأمريكيين ثروة أكبر مما لدى 90%. * خلال السياسة التوسعية لبوش فى الفترة من 2002 إلى 2007، ذهبت 65% من المكاسب الاقتصادية إلى 1% من الأمريكيين). هنا السؤال الجوهرى.. هل سيكون اقتصادنا متوازنا بعد أن تتعدل ديمقراطيتنا؟ لا توجد أى ضمانة لو قرر الإسلاميون والليبراليون الجدد حكمنا بطريقتهم فى فهم الاقتصاد!